لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

إعلام ما بعد "كورونا".. أي مستقبل يفرضه الوباء؟ (تقرير)

06:24 م الثلاثاء 23 يونيو 2020

إعلام ما بعد كورونا

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

الغطريفي: هيمنة التطبيقات تستمر.. والتزام الإعلام بالمهنية هو الصيغة الوحيدة للبقاء والتأثير

كتب- أحمد شعبان:

جرافيك - مايكل عادل:

كان تَفشّي وباء "كورونا" المستجدّ إيذاناً بحدوث تغييرات كبرى وتحولات عديدة في مختلف مناحي الحياة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ فقد أربكت تلك الجائحة حسابات دولاً وأفراداً ومؤسسات، فغيّرت أولويات الحكومات، وبدّلت عادات الأفراد بعدما أجلستهم مُجبرين في بيوتهم يحوطهم شبح العدوى والخوف، وأدخلت مؤسسات عديدة، في تحديات كبيرة، مع تغيّر طبيعة العمل وآلياته.

وعلى رأس هذه المؤسسات كانت وسائل الإعلام، بمختلف أشكالها، التي تحاول الاستمرار في تقديم خدماتها لقراء ومتابعين يبحثون عن الجديد لفهم الفيروس الغامض، وأطواره ولقاحاته وعدّاد ضحاياه، وطرق الوقاية منه.

في زمن "كورونا"، وجدت الصحافة نفسها في منعطف حرج. كانت تحاول استكشاف طريقها للتأقلم مع المستجدات واستيعابها، لتقوم بمهمّة إطلاع الناس بتطورات تفشّي ومكافحة الفيروس الذي باغت الجميع، وترك بصماته وتغييراته الجذرية على صناعة الصحافة والإعلام، المأزومة أصلاً قبل الجائحة، تخنقها أزمات اقتصادية ومهنية ممتدة، وأوضاع صعبة ضاعفها زلزال "كورونا"، وترك أسئلة مفتوحة تبحث عن إجابات؛ كيف غيّرت الجائحة آليات العمل الصحفي وأشكاله؟ كيف تكيّفت المؤسسات المختلفة مع المستجدات؟ ما أبعاد الأزمة وتأثيراتها على اقتصادات المهنة؟ ماذا عن اتجاهات واهتمامات الجمهور خلال أيام الحجر والعزل؟ وسؤال المستقبل: ماذا بعد؟!

كانت هذه الأسئلة وغيرها محاور جلسة نقاشية، قدمتها شبكة خريجي أكاديمية التليفزيون الألماني "دويتش فيله" في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عبر الإنترنت، بعنوان: "الإعلام العربي ما بعد كوفيد- 19.. التحديات والرؤية المُستقبلية"، بمشاركة الكاتب الصحفي علاء الغطريفي، رئيس التحرير التنفيذي لمجموعة "أونا للصحافة الإعلام" التي تضم مواقع (مصراوي- يلّا كورة- الكونسلتو)، والصحفي المغربي يونس مسكين، مدير تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.

العمل عن بُعد.. اختبار وصعوبات

في الشهر الأول من بدء أزمة "كورونا" في مصر، بدأت المؤسسات الصحفية في تجربة العمل من المنازل. بالنسبة إلى "الغطريفي" فإنها كانت بمثابة اختبار قويّ لقدرات الصحفيين، وبنية المؤسسة وهيكلها، في العمل عن بُعد والقدرة على إنجاز المهام المطلوبة دون قصور، فضلاً عن الاستعداد للتعامل رقميّاً بشكل كامل، وهو ما صاحبه تحدّيات كبيرة، وتغيّرات شتى في آليات العمل من ناحية، وفيما يتعلق بالجمهور الذي صار يقضي وقتاً أطول في المنزل مع فرض إجراءات الحظر المسائي والحجر المنزلي وغيره، من ناحية أخرى، وما صاحب ذلك من تغيّر عادات القراء وأنماط استهلاكهم وأوقات ذروة تفاعلهم مع المحتوى، فضلاً عن تضاعُف استهلاك الأخبار، وميلهم كذلك إلى المحتوى الترفيهي.

صاحب ذلك تغيير في الأجندة التحريرية، لتلبية احتياجات القراء، والتركيز على أقسام بعينها يحظى إنتاجها بنسب تفاعل ومتابعة جيدة لدى الجمهور، على رأسها المحتوى البصري، من فيديو وصور وإنفوجرافيك، والذي صار يحتل جزءاً رئيساً في أي أولوية تحريرية لأي مؤسسة صحفية، كذا مع التركيز على القصص الميدانية التي ترصد الأوضاع الناتجة عن الوباء، في أماكن شتى مثل المستشفيات وغيرها، بحسب ما يذكر "الغطريفي".

على الجانب الآخر، فإن ضربات كورونا أربكت العاملين في الصحف الورقية، المأزومة أصلاً قبل الجائحة؛ مبيعاتها تتراجع، وعائداتها تتضاءل، فباتت أزماتها مضاعفة تحت وطأة "كوفيد- 19"، يلخّص يونس مسكين ما شهدته الصحافة المطبوعة في المغرب، قائلاً: "كانت الجائحة بمثابة حكم بالإعدام بالنسبة للصحف الورقية؛ انخفض توزيعها لأكثر من 70%، ثم تقرر وقف طباعتها بالتزامن مع الادعاء باحتمالية انتقال العدوى عبر أوراقها"، والحال كذلك في دول عديدة، شهدت إغلاقاً لصحف، واتجاه أخرى للاستغناء عن صحفيين، لخفض النفقات خلال الأزمة.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالصحف الورقية التي عَبَرت "تحدي البقاء" وسط الجائحة ونزيف خسائرها وجدت نفسها أمام تحدٍّ آخر، على المستوى التحريري حيث "زالت الحدود بين الأقسام وبعضها، الكل يعمل على تغطيات كورونا، ووجدنا أنفسنا مطالبين بالاطلاع على خلفيات معطيات علمية كثيرة حول الفيروس والوضع الوبائي، وفهمها جيداً والاعتماد على مصادر علمية موثوق بها، حتى نتمكن من تبسيط المعلومات وشرحها للقارئ"، كذا كان تحدياً كبيراً قيام الصحافة بدروها الرقابي على العمل الحكومي، في ظل الأزمة، والتي تفرض نوعاً من التسليم بالقرارات- يضيف يونس.

بينما على مستوى الوسيلة وأداة نشر المحتوى، فيصفه مدير تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية بـ"الإكراه المهني"؛ حيث إنتاج المحتوى كاملاً في صيغة رقمية، وعبر منصات إلكترونية، والصعوبات التي تواجه ذلك كبيرة، خاصة بالنسبة لصحف لم تعتد توجيه طاقاتها بالكامل إلى المواقع الإلكترونية "ننشر محتوى الصحيفة الورقية بصيغة pdf، بشكل مجاني، حتى نحاول الحفاظ على جمهورنا وقرائنا، وهو ما احتاج تغييراً في أولوياتنا التحريرية وشكل وتوضيب الصفحات في النسخة الرقمية"- يذكر يونس.

اهتمامات الجمهور تحت الحجر الصحي

صاحب تفشّي "كورونا" زيادة ملحوظة في استهلاك الأخبار والإقبال على التليفزيون والمصادر الرقمية، للاطلاع على معلومات حول الوباء المستجدّ والتعرف على الوضع الصحي وكيفية التعامل مع الوباء في ظل حالة الخوف والقلق من الإصابة، حسبما أظهرت نتائج تقرير معهد "رويترز" للأخبار الرقمية 2020 بالتعاون مع جامعة أكسفورد، الذي اعتمد على بحث ميداني عالمي شمل أكثر من 80 ألف شخص في 40 دولة، وجرى إعداده في شهر أبريل الماضي.

توجهات القراء اختلفت في زمن الحجر الصحي، كمّاً وكيفاً، صاحب تضاعفَ الزيارات تغيّرٌ في طريقة متابعتهم وولوجهم للمواقع الإخبارية المختلفة. يشرح رئيس التحرير التنفيذي لمجموعة "أونا للصحافة والإعلام" أن صيغة التلقّي تراوحت بين الترقّب والأمل؛ فالمتابعة كثيفة للمواد المتعلقة بتطورات الوباء وعدّاد ضحاياه وطرق الوقاية منه، فيما تراجعت محتويات كانت تتصدر قائمة اهتمامات القراء مثل الرياضة؛ وذلك بسبب توقف أنشطتها، فضلاً على متابعة أخبار تطوير لقاحات وعلاجات لـ"كوفيد- 19" بشغف في بداية الأزمة، لكن "تراجع الاهتمام مع الوقت بسبب تكرار الحديث عن اللقاحات والأدوية دون أن يرى الناس إنتاج لقاح فعليا، فباتوا متشككين، لكنهم ما زالوا يتصفحون أخبارها"- وفق الغطريفي.

فيما يحدد رئيس التحرير التنفيذي لمجموعة أونا للإعلام نوع المحتوى وشكله الذي حظي باستهلاك كبير في زمن "كوفيد- 19" وركزت عليها المؤسسة، كالتالي: محتوى الفيديو سواء كانت مقاطع أو بثا مباشرا، المنصات المتخصصة، ولا سيما الطبيّة، مثل موقع "الكونسلتو" والذي استدعى كثيراً من أرشيفه وقاعدة بياناته خلال الأزمة، والمحتوى التفسيري الشارح المرتبط بتحليل أداء الحكومات في مكافحة الوباء، القصص الإنسانية في ظلال الجائحة، استخدام الأدوات التفاعلية لتحليل الأرقام وشرح تطور منحنى الوباء وعقد المقارنات بين دولة وأخرى أو تطور الإصابات بين فترة زمنية وأخرى، كذا الخدمات المتعلقة بالمحتوى الترفيهي والعروض على تطبيقات المشاهدة، وكيفية قضاء وقت الحجر، علماً بأن نسبة كبيرة من زوار المواقع الإلكترونية مؤخراً جاءت عبر الزيارات المباشرة عبر محرك البحث، دون أن تقتصر فقط على الدخول عبر صفحات المواقع ومنشوراتها على منصات التواصل الاجتماعي- حسبما يقول "الغطريفي".

وسائل الإعلام vs "السوشيال ميديا"

هيمن "كورونا" على تغطيات وسائل الإعلام. فرض نفسه كذلك على ساحات مواقع التواصل الاجتماعي. يختطف الوباء ذهن المتابعين والمدونين. يغلّف الأحاديث والمناقشات التي تدور رحاها على مدار 24 ساعة. طوفان من التدوينات والمنشورات والهاشتاجات تختلط فيها الحقائق بالشائعات والأخبار الكاذبة ونظريات المؤامرة، للحد الذي جعل منظمة الصحة العالمية تحذّر من "وباء معلوماتي" بالتزامن مع تفشّي وباء "كورونا"، ما جدّد النقاش حول دور الصحافة في ظل سيطرة "السوشيال ميديا" ومن يظفر بقيادة الجمهور وامتلاك ثقته.

حققت وسائل الإعلام بأنواعها أرقاما قياسية من القراء والمشاهدين، ولكن الثقة بهذه الأخبار تراجعت بسبب ارتفاع نسبة الأخبار الكاذبة.

تقول "رويترز": "خطورة الأزمة الصحية والاقتصادية أنها كشفت عن الحاجة إلى معلومات موثوق بها لتعريف وتعليم القراء والمشاهدين في عالم إلكتروني مفتوح على المعلومات المغلوطة، فلم يعد الصحفيون يتحكمون وحدهم في مسارات الأخبار، وإنما فتحت وسائط التواصل الاجتماعي للجمهور آفاقاً جديدة لمصادر المعلومات البديلة بنسبة كبيرة من المعلومات المغلوطة والمخالفة للمصادر العلمية والرسمية".

يصف الكاتب الصحفي علاء الغطريفي ما يدور على منصات التواصل الاجتماعي بـ"صخب سريع الانتشار في فضاء واسع لا يمكن التحكّم فيه، وسط غياب المعايير وطوفان من الأخبار غير الدقيقة والملونة والزائفة وتسييسها"، غير أنه يحمل إضافات جيدة للصحفي، ربما يفتح له باباً لقصة ما "لكن دور الصحفي تضاعف، خاصة في زمن كورونا، فيما يتعلق بالبحث والتحقّق وتفنيد ما يُنشر.

والقارئ في النهاية يذهب إلى القصة المهنية الدقيقة التي يقدمها الإعلام والتي تحمل التفاصيل والسياق والخلفيات"، وشبه الأمر بمن يرغب في الاستماع إلى مطرب أو مؤدي مهرجانات، وهو ما يعزز ثقة القراء بها ونجاحها في تغطية الأزمة بكفاءة- على ما يذكر الغطريفي.

يضيف أنه في ظل حالة عدم اليقين التي يعيشها العالم تحت وطأة الوباء، استطاعت وسائل الإعلام كسب ثقة الجمهور، وهو ما أكده استطلاع رأي لشركة "إبسوس"؛ حيث لا يزال نصف الأمريكيين يثقون بوسائل الإعلام التقليدية، فيما تقل نسبة من يثقون بوسائل التواصل الاجتماعي لأكثر من النصف، في الوقت الذي كشفت فيه دراسة لشركة "جلوبال ويب إندكس" البريطانية أن كثيرين يعتمدون على منصات التواصل الاجتماعي بهدف الوصول إلى الصفحات الإخبارية للصحف والمواقع الإلكترونية، في ظل أزمة "كورونا".

وحسب تقرير "رويترز" فإن وسائل الإعلام قامت بمهمة جيدة في تغطية أخبار "كورونا" بكشف أبعاد خطورة العدوى؛ يتضح ذلك من تقدير نسبة 60 في المائة من العينة المشاركة في البحث لجهود الإعلام في كشف الأزمة، بينما أكدت نسبة 65 في المائة أن الإعلام ساهم في شرح ما يتعين فعله لتجنب الإصابة، في الوقت الذي ترى فيه نسبة 32 في المائة أن الإعلام بالغ في تصوير وضع الوباء، وحظيت تعليقات العلماء في وسائل الإعلام بنسبة ثقة بلغت 83 في المائة، يليهم السلطات الصحية بنسبة 76 في المائة ثم المنظمات العالمية بنسبة 73 في المائة، ومؤسسات الإعلام بنسبة 59 في المائة.

فيما يقول يونس مسكين إنه في بداية ظهور الجائحة وقبلها، كان الأداء المهني لوسائل الإعلام ضعيفا ومتخبّطا، بسبب نقص المعلومات حول الفيروس الغامض، في مقابل آلة عملاقة للسوشيال ميديا لا مجال عندها للتردد وجاهزة دائماً لنشر محتوى لجذب الجمهور، لكن مع الوقت "انقلبت الآية بشكل كبير وسقط القناع عن شبكات التواصل الاجتماعي بسبب خطورة المعلومات الزائفة وغير الدقيقة المتداولة والتي تمثل خطراً على الصحة العامة"، بينما يشير إلى أن الصحفيين أفادوا كثيراً من وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة في ظل ظروف العمل عن بُعد.

يرى مدير تحرير صحيفة "أخبار اليوم" المغربية الجميع بات مقتنعاً بأن السوشيال ميديا ليست بديلاً للصحافة، فالأخيرة مهنة لها معايير وضوابط وأخلاقيات، والمطلوب هو رسم الحدود بينهما، وإيجاد صيغة للتفاهم، فكلتاهما تحتاج إلى الأخرى "وأعتقد أن كوورنا سيجبر الجميع على ذلك"- يقول يونس.

"نزيف الخسائر"

في الوقت الذي ضاعف فيه وباء "كورونا" الحاجة إلى وسائل الإعلام، عمّق جراحها أيضاً وضاعف أعباءها وخسائرها. ألقت الأزمة بظلالها على العوائد الاقتصادية لصناعة الإعلام، مع هجرة المعلنين الذين توقفت شركاتهم وقطاعاتهم عن العمل، فتوقفت إعلاناتهم التي تعد مصدراً رئيساً لتمويل الصحف. لكن ضربات "كورونا" تختلف من مؤسسة إلى أخرى تبعاً لنمط الملكية- وفق ما يوضّح الكاتب الصحفي علاء الغطريفي- قائلاً إن هناك 3 أنماط، أولها المؤسسات الممولة من دول أو كيانات، ولديها أجندة محددة لن تتأثر؛ لأن الربح ليس جزءاً أساسياً في فلسفتها، ويتوقع لذلك النموذج أن يزدهر، خاصة في ظل الصراعات والاستقطابات وتدخلات القوى الخارجية في نزاعات وحروب منطقة الشرق الأوسط المشتعلة.

بينما يتوقع أن تطال مؤسسات الخدمة العامة الممولة من دافعي الضرائب والتي تعاني من أزمات عديدة ويثقل كاهلها الديون، تغييرات كبيرة "قد يختفي بعضها لصالح أخرى، أو يحدث دمج وإنتاج صيغ جديدة تضمن إعادة تأهيلها بفلسفة تساعدها على البقاء، بحيث يكون ولاؤها للقارئ أولاً وأخيراً.

أما الصحف المطبوعة، فيشير الغطريفي إلى أن كورونا كان بمثابة إعلان وفاة جديدة لها، وحتى تضمن لنفسها البقاء والاستمرار على إعادة تهيئة هيكلها بصيغة تجمع بين الورقي والديجيتال مثل نموذج صحيفة "نيويورك تايمز" الرائدة.

بينما يرفض يونس مسكين، مدير تحرير صحيفة "أخبار اليوم" المغربية "إعلان وفاة الصحف الورقية"، ويقول إنه لا يزال عندها ما يسمح ببيعها، وعرج إلى الحديث عن سلوك القارئ الذي لا يزال يميل إلى الورقي- حسبما ذكر.

أما المواقع الإلكترونية والمؤسسات المستقلة، فتفاؤل الغطريفي بشأن مستقبلها مشروط، خاصة أن خسائرها جراء كورونا أكثر من غيرها "تأثرت بشدة لأنها تعتمد بشكل أساسي على عوائد الإعلانات الرقمية المباشرة"، وهو ما حدث مع صحيفة "منطقتي" المحلية التي تغطي أخبار منطقة وسط البلد في القاهرة، وموقع "زحمة" الإخباري. توقفت الإعلانات فكان التوقف عن الصدور. كذا لن تجد المواقع الإلكترونية من يساعدها، ويدعمها من أجل البقاء سوى الجمهور، عن طريق الدفع مقابل المحتوى، وهو ما يصعب تحقيقه الآن، وسط التداعيات الاقتصادية التي طالت الجميع.

لكن على الرغم من ذلك، يقول رئيس التحرير التنفيدي لمجموعة "أونا للصحافة والإعلام" إن المؤسسات التي تستطيع تدبير نفقاتها ومواردها حتى آخر العام، سيُكتَب لها النجاة، وسط توقعات بعودة المعلنين مع آخر العام الحالي، يضيف: "هذا العام المؤسسات هتحقق خساير، قد يغلق بعضها، والآخر سيقلل الإنفاق أو عدد العاملين. وتستطيع أن تحافظ على بقائها بعد تعافي الاقتصاد في العام المقبل بشرط أن تقوم ببعض التغييرات في ظل النموذج الحالي، والتركيز على عروض تحريرية جديدة ومحتوى اقتصادي مثلاً أو خدمي أو تجارب جديدة، تجلب لها معلنين"، فيما يتوقع أن يختلف شكل الإنفاق الإعلاني بعد أزمة "كورونا"؛ قد يبحث المعلنون عن أشكال ومنصات وصيغ أخرى غير السائدة حالياً، وعلى القائمين على المؤسسات الصحفية أن يدركوا ذلك- بحسب الغطريفي.

يستطرد الكاتب الصحفي: " تحدي البقاء يكمن في البحث عن صيغة متوازنة تجمع بين المهنية والربحية، مع تنوع مصادر إعلاناتها وهو ما يوفر لها استقلالية، وصناعة محتوى صحفي يستطيع أن ينافس في الفترة القادمة، في ظل التغيرات الجوهرية التي فرضها كورونا، وجانب من الأمر يتعلق بالثقة التي تبنيها وسائل الإعلام مع القراء وقت الجائحة. هناك خسائر لكن المؤسسات تستطيع أن تنجو وتستمر".

في البحث عن مصادر جديدة للتمويل، يأتي نموذج الاشتراكات كأحد نماذج الأعمال لإنقاذ مستقبل الصحافة، لكنها بالنسبة للصحف الورقية لن تغطي كافة تكاليف الإصدار ورواتب العاملين، بحسب يونس، فيما يراى "الغطريفي" أن تطبيق الاشتراكات في وسائط المؤسسة الإعلامية بشكل جزئي يكون بداية، يمكن أن يكون نموذجا يساعد المؤسسات العربية ما بعد كورونا- بعد تعافي الاقتصاد وعودة الحياة لطبيعتها- خاصة أنه سيحتاج وقتاً حتى يعتاد الجمهور في العالم العربي عليه، لغياب ثقافة الدفع مقابل المحتوى والاتجاه فقط للدفع مقابل الخدمات الترفيهية " موسيقى وأفلام".

وفي ظل الجائحة، ساهم دعم حكومة دولة المغرب للصحف في إنقاذها من شبح الإغلاق، يذكر يونس: "بعد إيقاف طباعة الصحف، قررت الحكومة عندنا أن تقدّم دعمها للصحف خلال الأزمة، بالرغم من أن موعد صرفها المقرر يكون في آواخر العام"، ويأمل الصحفي المغربي أن يتم إعفاء المؤسسات الصحفية من الضرائب وبعض الخدمات الأخرى، كحل يساهم في تقليل الخسائر "كذلك يجب البحث عن صيغة لتلقي الصحف ما يشبه التبرعات أو خلافه، لتستمر في تقديم خدماتها".

فرص المستقبل

في محاولة الإجابة عن سؤال مستقبل الإعلام العربي بعد "كوفيد- 19"، عدّد الكاتب الصحفي علاء الغطريفي مجموعة نقاط، توقّع أن تشكل مستقبل الصحافة والفرص المتاحة، بالاستناد إلى المعطيات الحالية في ظل الأزمة، ودراسة كيف تغيرت أنماط الاستهلاك في ظل الحظر وإجراءات الحجر الصحي، أولها: استهداف المراهقين وكبار السن، وهي شريحة كبيرة ومهمة لوسائل الإعلام، من خلال دراسة اتجاهات استهلاكهم. المراهقون مثلاً (من سن 15 إلى 25) يهتمون أكثر بالعروض الترفيهية وليس الأخبار ويستخدمون منصات لا تتواجد عليها المؤسسات الصحفية بشكل جيد، فيما يبحث كبار السن عن البث المباشر للأخبار، ويستخدمون بكثافة تطبيقات "واتساب" ونسبة منهم اتجهت إلى"تيك توك" الذي يراه تطبيقا عابرا للأجيال، كما رأينا خلال فترة الحظر، فضلا عن أن كبار السن من الفئات التي تستهلك بكثافة المواد المصورة على "يوتيوب".

كذلك فإن هيمنة التطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعي ستستمر، ويجب البحث عن صيغة لجذب الجمهور مباشرة دون وسيط، لتحقيق أرباح، مع العلم أن هناك فرصة للنمو عبر الفيديوهات القصيرة التي تناسب المنصات المختلفة، ولفت الغطريفي إلى أنه من المتوقع استمرار انخفاض إيراد الإعلانات حتى آخر العام، وأن تتجه الإعلانات أكثر نحو المنصات الرقمية، وهو ما يمثل تحدياً للمؤسسات الإعلامية التقليدية.

وأضاف أنه يجب التركيز على مخاطبة اهتمامات الجمهور، والالتزام بالمهنية؛ فهي الصيغة الوحيدة للبقاء والتأثير، والبحث في إمكانية بدء تطبيق نماذج الاشتركات بمقابل مادي، ولو جزئيًا، ويجب على الإعلام أن يستعد للتكيّف مع الأوضاع الجديدة التي فرضها كورونا، والتغيرات في الاقتصاد والسياسة والصناعة وشكل النظام الدولي، وتوقعات انكفاء الدول على نفسها مستقبلاً، وما يعنيه من الاهتمام والتركيز على الأخبار المحلية.

بدوره، يرى يونس مسكين أن جائحة كورونا حملت في طيّاتها فرصة للصحافة؛ فقد جعلت العالم يستشعر أهمية توافر المعلومة الصحيحة وانتشارها الحر، وبالتالي على المؤسسات أن تستغل ذلك، وتسعى لتأهيل كوادرها بما يواكب ذلك التغيير.

فيديو قد يعجبك: