سارة تتحدى "كورونا" بـ100 لغة.. مصراوي يحاور صنّاع كتاب "الصحة العالمية" للأطفال
كتبت-إشراق أحمد:
رسوم-هيلين باتوك:
قبل شهرين، مسّ هيلين باتوك الحلم، على تلة تكشف لندن بأكملها وقفت كاتبة الأطفال البريطانية، تطيل النظر إلى مدينتها الخالية جراء فيروس كورونا المستجد، غلبها الشوق لرؤية أصدقائها وأسرتها، راودتها الأسئلة "ماذا احتاج مع قواعد التباعد الاجتماعي الجديدة؟"، ودت باتوك لو تطير وتُلقي التحية على أحبتها، وتطمئن على صغار سبق أن رأت معانتهم، أغمضت عينيها وسرحت، فإذا بها تلمس الإجابة "أحتاج الى الطيران"، حينها ظهر لها سارة والتنين المجنح أريو. عبر البطلين الخياليين نسجت باتوك رحلة يعايشها الصغار مع (كوفيد19)، صنعت قصة دارت العالم وتُرجمت لأكثر من لغة، وضعت فيها جهد عشرات المنظمات ورغبتها في منح كل صغير منطقة أمان يلجأ إليها كلما أصابته الأجواء الراهنة بشيء من الخوف.
أواخر مارس المنصرف، نشرت منظمة الصحة العالمية (WHO) كتاب My hero is you"" المترجم للعربية إلى "بطلتي أنتِ.. كيف يمكن للأطفال محاربة كوفيد19"، وهو مشروع للفريق المرجعي للصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي في حالات الطواريء، التابع للجنة الدائمة المشتركة بين الوكلات "IASC" -الأمم المتحدة، خرج الكتاب بالتعاون مع 57 منظمة دولية، على رأسهم "الصحة العالمية"، وأتيح بلغات عدة.
مصراوي تواصل مع هيلين باتوك، الكاتبة البريطانية، منفذة النص القصصي ورسوم "بطلتي أنتِ"، ودكتور فهمي حنا، المسؤول الفني في إدارة الصحة العقلية بمنظمة الصحة العالمية في جنيف -سويسرا، والرئيس المشارك للفريق الذي أعد الكتاب، والذين تحدثا عن كيفية إنتاج قصة موجهة للأطفال عن "كورونا" بشكل علمي في زمن محدود، وبلوغ صداها لنحو 104 دولة حول العالم.
كانت البداية في سويسرا، من فريق الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي في حالات الطواريء، بطبيعة عملهم تابعوا ما يجري حول العالم، لاحظوا ما تعانيه البشرية من ضغط غير مسبوق، ومن ثم انطلقت المهمة "أردنا الوصول برسالة ثقافية مناسبة لمختلف الأعمار، فالعناية بالسلامة النفسية بقدر أهمية الصحة الجسدية في مثل هذه الأوقات" يقول حنا، ولتحديد شكل الرسالة، قام الفريق المتضمن 10 خبراء للصحة النفسية للأطفال بعمل استبيان مترجم لخمس لغات، يعتمد على سؤال الصغار وأولياء أمورهم عن مضمون أساسي وهو "كيفية التعامل مع الضغوطات التي يسببها كوفيد 19 وما التحديات والمخاوف التي تواجههم".
جمع حنا ورفاقه مخاوف وقلق 1700 طفلاً وذويهم عن "كورونا المستجد" من 104 دولة، وجدوا أن جميع الأطفال وأسرهم اشتركوا في مواجهتم لكم هائل من الشكوك حول الوقت الراهن والمستقبل، وأيضًا في اكتسابهم طرقًا للتعامل وإظهار مرونة رغم كونهم في ظروف صعبة.
بخلاصة تحليل الاستبيان الدولي تواصل حنا مع باتوك، شاركها الهدف "خلق قصة تشمل بقدر الإمكان كل طفل في العالم". تحمست الكاتبة البريطانية لأن تقدم للأطفال أملاً ممزوجًا بمعلومات صحية موثقة، لفظت عن نفسها الشعور بضغط الوقت، وتذكرت شريكتها في الصعاب منذ اتخذت طريقها مع كتب الأطفال "القصة بالنسبة لي مجرد مشكلة وعلى خيالي أن يجد لها حلاً".
أُجريت الاجتماعات الإلكترونية بين الفريق النفسي الذي قام بالاستبيان وباتوك، تناقشوا حول الرسائل التي يريدون للصغار من سن 6 إلى 11 عامًا أن يسمعوها عن العناية بأنفسهم، وما إن انهت الكاتبة البريطانية مكالمتها مع زملائها حتى خرجت في جولة مشي صغيرة، معها استلهمت فكرة القصة وأبطالها، والتي لاقت إعجاب المتخصصين، ليبدأ العمل على دمج الإجراءات الوقائية والنفسية من خلال سرد قصصي يلائم الصغار.
ترافق سارة التنين المجنح أريو، تجوب بقاع الأرض، تلتقي بأربعة أصدقاء جدد، بينهم طفل تعافى من الفيروس، لم تسم باتوك أي من البلدان، البعض رسمت معالم منه تميزه، حال الأهرامات التي قابلت فيها الصغيرة الطفل سليم، وليلي طفلة المخيم. أرادت الكاتبة أن تمنح الصغار الخيال "كي يروا أنفسهم قدر الإمكان في بلدانهم ويشعرون أنه ربما زيارة التنين أريو وما يجري في القصة حدث في بلادهم".
سبق أن خاضت باتوك تجربة الكتابة مع "الصحة العالمية"، عملت على مشروع متعلق بالصحة العقلية والنفسية للكبار والأطفال في لندن، تنزانيا وجنوب إفريقيا، فضلاً عن كتابتها عن الأطفال اللاجئين، لكن كتابها الثامن "بطلتي أنتِ" جاء مختلفًا "وجدت الأمر صعبًا لكتابة ورسم قصة في أيام قليلة، كان هناك الكثير من الضغط، لكن شعرت بالحماس لصناعة قصة بإمكانها المساعدة بأسرع ما يمكن".
كتبت باتوك قصة عن الجائحة وهي في القلب منها "في لندن لدينا العديد من الضحايا. كنت خائفة على أصدقائي وأسرتي التي أعيش بعيدًا عنهم خاصة أن والدي أصيب بالفيروس لكنهم جميعًا بخير الآن"، ما كانت الكاتبة بعيدة عما يلمسه الصغار، لكنها وجدت الشفاء فيما تكتب "يجب أن نكون حقًا مثل الأطفال في هذه القصة، ونجد طرقًا لنصبح أبطالاً لأنفسنا ولا نتوقف عن رعاية أحبائنا وجميع الأشخاص الذين قد يشعرون بالخوف وعدم الأمان في هذا الوقت"، وهذا ما انطوت عليه القصة من رسالة إلى الكبار، ولأجل ذلك نوه القائمون على الكتاب بأنه ينبغي القراءة رفقة ولي الأمر أو المعلم.
اختلفت أجواء كتابة قصة "بطلتي أنتِ" على كافة المستويات. غالباً ما تكتب باتوك الحكايات بمفردها مع فريق عمل مؤسستها "كتابنا" التي أقامتها عام 2014، لكن هذه المرة خرجت الحكاية بمساهمة الكثير، تُعدد باتوك مصادر معاونتها ما بين علماء نفس، الأطفال والأباء، زملاء في منظمة الصحة العالمية، اليونيسيف، الاتحاد الدولي لجميعات الصليب والهلال الأحمر، واللجنة الدائمة المشتركة للوكالات، انتاب الكاتبة البريطانية شعورًا لم تذقه قبلاً "كان لدي العالم كله ليساعدني".
مجهود شهور في المعدل الطبيعي لإخراج كتاب مصور تلخص في أيام، يقول حنا إن تنفيذ الكتاب استغرق 4أسابيع، مما ألزم الفريق العمل ليل نهار في العديد من الدول. تضمنت تلك الفترة إجراء الاستبيان، واختبار القصة بعد كتابتها وقبل طرحها في شكلها النهائي، إذ عُرض "بطلتي أنتِ" في نحو 20 تجمعًا إنسانيًا حول العالم منها تجمعات النازحين من جنوب أفريقيا في أوغندا، وفي مخيمات سوريا.
تحمل قصة سارة والتنين المجنح الكثير من المعاني، لا تتوقف حد تبسيط الإجراءات الوقائية للصغار على لسان الطفلة ورفاقها، بل تمتد للتعبير عن مواقف أكبر كنبذ وصم المرض، الإعاقة أو العرق، فتلتقي سارة بفتاة صغيرة تدعى ساشا، تجلس على كرسي متحرك بينما تحكي عن أبيها المنعزل في غرفة بالمنزل لإصابته بالفيروس، وحتى بطلة القصة نفسها كان لاختيارها سبب عند باتوك.
رسمت الكاتبة البريطانية سارة وأمها بملامح تنتمي لأصول إفريقية "اخترت أن تكون بطلة القصة فتاة كي يعرف المزيد من الفتيات خاصة اللائي من أصول عرقية مختلفة أنهن مميزات والعديد يريدونهن أن يكونوا أبطال قصصهم"، ترى باتوك أن الحياة قاسية على الفتيات، مما يجعلهن يحاربن لأجل حريتهن، التعليم، الحقوق وأحلامهن فالعالم يعج بعدم المساواة والعنصرية كما تصف، لهذا منحت والدة سارة لقب "أفضل عالمة في العالم"، وبذلك يمكن لمن في إفريقيا خاصة الذين يسكنون المخيمات أن يمسهم مراد الكاتبة "يعرفون أنني أراهم جميعًا كأبطال سيلعبون دورًا كبيرا في التغلب على هذا الفيروس".
اختارت باتوك أن تنحاز للمهمشين منذ اتخذت طريقها مع قصص الأطفال بعد تخرجها في قسم الأدب الإنجليزي بجامعة بريستول البريطانية عام 2011، باتت الشابة الثلاثينة معروفها بتخصصها في الكتابة عن اللاجئين، ولم يكن ذلك محض صدفة "عائلتي كانوا لاجئين من إيران منذ زمن بعيد ونزحوا إلى الهند ثم استقروا في إنجلترا"، وزاد تمسكها بمسارها بعد رحلتها إلى فلسطين وسوريا عام 2014 "عدت إلى لندن وأنا مصدومة لرؤية كم يعيشون في فقر"، فقررت إنشاء مؤسسة "كتابنا" تنتج حكايات للأطفال بالغتين العربية والإنجليزية "أردت أن أكتب قصصًا للصغار الذين تعرضوا للوصم وعاشوا في المخيمات"، أيقنت باتوك أن القراءة سبيلها كي يشعر أي صغير بالأمان والسعادة ولو للحظة.
بالكتابة تحتضن باتوك الصغار "أريدهم أن يشعروا بأن لديهم مستقبل ولو استمروا في القراءة والتعلم والتخيل فبإمكانهم تولي أمورهم دون خوف"، تعمل في كل مرة تكتب فيها على إرشاد الطفل لما تسميه "منطقة الأمان داخل عقله" بحيث يمكن تخيل عوالم مختلفة حينما تصير الأوضاع عصيبة، وكذلك فعلت في "بطلتي أنتِ".
مجرد تخيل باتوك أن كلماتها بلغت أشخاص أخرين وأشعرتهم بالأهمية والتواصل مع العالم أو منحتهم مشاعر طيبة يلهمها ذلك لمواصلة الكتابة كما تقول، وفي "بطلتيِ أنت" أرادت أن يعلم الأطفال بقدرتهم على العناية بما يمرون به من ضغوط، وأن يكونوا أبطالاً لأنفسهم ولمن يحبون، بل وأن باستطاعتهم تعليم الكبار كيف يحبون ويحترمون ويكونون ودودين مع الأخرين.
طيلة الشهرين المنقضيين، لمس صناع "بطلتي أنتِ" ردود الفعل حول الكتاب، تستقبل باتوك رسائل إلكترونية من مختلف الدول، ويقول حنا إن هناك العديد من الفاعليات أقيمت بسبب القصة، منها مسرحية صوتية قدمت في ألمانيا بطريقة "بودكاست"، وجلسات حكي أقيمت على الإنترنت، وفي فلسطين قدم المجلس النرويجي للاجئين حكاية سارة والتنين كمسلسل إذاعي على ثلاث حلقات، حمل شعار "قصة أعدها أطفال للأطفال حول العالم"، كما وُزعت القصة في مخيمات الروهينجا في بنجلاديش، وشمال شرق نيجيريا، سوريا واليمن، قُدمت القصة للأطفال كمرجع ترفيهي مفيد لمساعدتهم على التعامل مع الفيروس المستجد.
حتى الآن نشر "بطلتي أنتِ" بـ38 لغة وجاري ترجمته لـ70 أخرى. تكفلت اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات بترجمة الكتاب لـ6 لغات اساسية، أما البقية فكانت تطوع من جهات حكومية وأخرى خاصة وأيضًا مبادرات فردية، حتى أن الكتاب أصبح ضمن أكثر النصوص المترجمة في العالم كما يقول المسؤول الفني في إدارة الصحة العقلية بمنظمة الصحة العالمية.
تتداعي أحوال العالم، تتخطى ضحايا (كوفيد 19) 5 مليون مصابًا، فيما تكسر الوفيات حاجز ٣٠٠ ألفًا، لكن باتوك تذوق في مثل هذه الأوقات لذة ما تفعله الكلمات والرسم "الأزمات تعطيني فرصة للتعبير عن الحب والتضامن. أن استجيب بلطف لكل شخص يعاني"، تقول الكاتبة البريطانية إنها لا تستطيع الحياة في عالم يكابد فيه الناس من الصراع أو التعصب، الخوف والوحدة ويمكثون في صمت، تتخفف أديبة الأطفال بين سطور الحكاية رغم الصعوبة والتحديات "الكتابة تستغرق مني أيام صعبة لكن بعدها أحصد التعب. مثل الآن فنحن لدينا قصة مترجمة لأكثر من 100 لغة، ووافر من كلمات السعادة والدعم".
نص قصة بطلتي أنت
فيديو قد يعجبك: