"ممنوع الخروج".. كيف يتعايش 4 آلاف وافد لم يغادروا مدينة البعوث الإسلامية منذ 60 يومًا؟
كتب- محمود عبدالرحمن:
جرافيك - مايكل عادل:
60 يومًا، لم يتخطَ فيها محمد خليل، أسوار مدينة البعوث الإسلامية، يقيم طالب العلم القادم من نيجيريا للتعلم في الأزهر الشريف بمفرده في غرفة صغيرة، يسمح له بالنزول في المساحات الخضراء التي تتوسط 35 بناية سكنية، ويحوطها سور يفصلها عما يدور بمنطقة الدراسة، التي تتواجد على أطرافها المدينة السكنية بوسط القاهرة، التحرك داخل الحدائق الداخلية وفق شروط وضوابط للوقاية من انتشار فيروس "كورونا.. كوفيد-19"، فلا يسمح بالتجمعات؛ سواء في الغرف أو المتنزهات.
محمد خليل الطالب الأزهري، واحد من بين 4 آلاف طالب أجنبي، وفدوا إلى مصر من 118 دولة أفريقية وآسيوية وغيرهما من قارات العالم، تقطعت بهم سبل العودة إلى بلدانهم، بسبب وقف حركة الطيران في أغلب دول العالم؛ من أجل محاصرة تفشي جائحة "كورونا" التي أصابت ما يقرب من نصف المليار حول العالم، وتسبب في موت 300 ألف شخص.
أعلنت إدارة مدينة البعوث التابعة للأزهر الشريف حالة الطوارئ، من أجل حماية المقيمين داخلها من الإصابة بالفيروس المستجد، فخروج طالب من باب المدينة، لا يسمح به إلا في حالة الضرورة القصوى وفي أضيق نطاق، ويكون تحت إشراف مباشر من الإدارة، يقول محمد.
أغلقت إدارة المدينة كافة الأماكن التي تشهد تجمعات الطلاب كالمطعم والمسجد والأنشطة الرياضية والاجتماعية المختلفة، هذه الإجراءات الهدف منها توفير الحماية الصحية، بحسب اللواء إبراهيم الجارحي، رئيس مدينة البعوث الإسلامية بالدراسة، وطالت الإجراءات تنظيم الوجبات الغذائية: "نوزع الوجبات عليهم داخل الغرف، دول مسؤولية ولازم نحافظ عليهم".
التحذيرات لم تقتصر على إدارة المدينة، حيث وجه مصعب رابح، رئيس برلمان الطلاب الوافدين، دعوات وتحذيرات إلى الطلاب بضرورة الالتزام بتعليمات إدارة المدينة التي من شأنها الحفاظ على سلامتهم ومنع تفشي الفيروس، "دي ظروف استثنائية على الكل ولا بد من اتباع الإجراءات".
"المدينة أصبحت أشبه بالعزل الصحي، وكان لديّ رغبة في الإقامة بسكن خارجي"، يقول هادي كامل، الطالب بكلية أصول الدين ومقيم بمدينة البعوث، فعقب قرارات عدم الخروج والدخول توجه إلى إدارة المدينة لمعرفة تفاصيل إمكانية تحويل مكان إقامته من سكن داخلي إلى خارجي، ليخبره أحد الموظفين بكتابة طلب يتم إرساله إلى إدارة الإسكان والمنح بالأزهر للمراجعة، وفي حالة الموافقة على الإقامة بالخارج يشترط عدم الرجوع إلى الإقامة داخل المدينة مرة أخرى، إلا بعد انتهاء الأزمة يقول: "كنت قلقان من السكن الخارجي ربما لا أستطيع تدبير المصاريف".
ويستقبل الأزهر الشريف، ما يقارب 4 آلاف وافد سنويا من عدة دول مثل: "نيجيريا، تايلاند، وإندونيسيا، وغيرها"، حصلوا على منح دراسية من الأزهر الشريف، ويتم تسكينهم بمدينة البعوث الإسلامية، وبعضهم يفضل السكن خارجها، وفقًا لرئيس مدينة البعوث الإسلامية بالدراسة، وتصرف منحة مالية قدرها 750 جنيهًا للطلاب المقيمين داخل المدينة، وترتفع إلى 1000 جنيه للطلاب الذين يقيمون بسكن خاص: "عندنا تعليمات اللي حابب يسكن بالخارج ألا يعود قبل انتهاء الأزمة".
"كل عام كنت بفضل قضاء رمضان في مصر لبهجته ولخيره الكثير لكن الوضع اختلف في رمضان الحالي"، يقولها محمد علي، القادم من دولة تنزانيا، ويدرس بكلية اللغة العربية، حيث يقيم في غرفة مع ثلاثة من زملائه بالكلية لا يخرجون منها إلا للضرورة التزامًا بالتعليمات وخوفًا على أنفسهم من الإصابة: "الأمر أصبح مقلقًا ولا بد من زيادة الوعي والحرص".
3 سنوات قضاها محمد الشاب الثلاثيني منذ قدومه إلى مصر، بعدما حصل على منحة دراسية مجانية، اعتاد خلال تلك الفترة عدم مغادرة مصر في شهر رمضان المبارك لأداء كافة الصلوات بالجامع الأزهر: "كان يومي كله في جامع الأزهر برفقة أصدقائي، ثم الإفطار على مائدة الرحمن: "ليتفاجأ هذا العام بفيروس "كورونا" وإغلاق جميع المساجد، وإلغاء موائد الرحمن مع عدم قدرته العودة إلى بلاده"، الجلوس برفقة الأصدقاء كانت تهون عليا الغربة وهذا لم يعد متاحًا".
على عكس محمد اعتاد معاذ صادق، طالب بكلية الدراسات العليا وأحد المقيمين بالمدينة، التجهيز للعودة إلى أسرته بولاية كانو بنيجيريا مع اقتراب شهر رمضان لقضائه برفقتهم، إلا أن أزمة فيروس "كورونا" وغلق المطارات ووقف حركة الطيران؛ أجبره على البقاء وعدم العودة: "معزولين في الغرف ولا نعلم متى تنتهي الأزمة".
ويقضي الطالبان محمد ومعاذ يومهم بين الغرفة والنزول في الحديقة، ويقسمان يومهم بين القراءة الدراسية والعامة، وكذلك صلاة القيام وقراءة القرآن، ولايخلو اليوم من متابعة مواقع التواصل والتطبيقات الاجتماعية التي تعتبر وسيلة الإتصال الوحيد لهم بالعالم الخارجي، سواء داخل مصر أو مع ذويهم في بلدانهم الأفريقية.
يدرك معاذ الذي قضى 6 سنوات يدرس بمصر، أن القرارات التي اتخذتها إدارة المدينة منعًا لانتشار الفيروس، وحفاظًا عليهم من الوباء، إلا أن فترة إقامته في مكان واحد قرابة شهرين من دون الخروج لمقابلة أصدقائه المقيمين خارج المدينة أصبحت إحساسًا ثقيلًا يسبب له حالة نفسية سيئة، قائلا: "نتمنى أن تنتهي الأزمة وتعود الأمور طبيعة كما كانت".
مدينة البعوث التي بدأت في استقبال الطلاب الوافدين عام 1956، لم تشهد مثل هذه الأزمة من قبل، ولذلك صدرت تعليمات من فضيلة الإمام الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، بتفعيل كافة الإجراءات الوقائية لمنع انتشار الفيروس، حيث يتم فحص دوري للطلاب حفاظًا على سلامتهم، وفقًا للواء إبراهيم الجارحي رئيس المدينة.
وتشمل عملية الفحص الطبي المدينتين؛ الكبرى التي يقيم فيها الطلاب والصغرى التي تقيم فيها الطالبات، ويفصل بينها شارع الفردوس الرئيسي.
وتعود فكرة إنشاء المدينة إلى عام 1952، عندما أصدر الملك قرارًا بإنشائها، استجابة لشيخ الأزهر آنذاك، لكنه لم ينفذ بسبب اندلاع ثورة يوليو في العام نفسه، وبعد مرور عامين صدر قرار جديد من مجلس الوزراء بإنشائها، وبدأت في استقبال الطلاب أواخر 1959.
فيديو قد يعجبك: