إعلان

"اللي هيسري على الطلاينة هيسري علينا".. حكايات المصريين في مدن "كورونا" المنكوبة

08:23 م الإثنين 09 مارس 2020

ميلانو أمام كاتدرائية الدومو أحد أشهر المعالم الس

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- إشراق أحمد وهبة خميس:

تشير الأرصاد إلى درجات حرارة منخفضة، لكن الصقيع لم يعد يشغل فتحي إبراهيم، في الوقت الذي يخرج من منزله باكرًا؛ ليدير مطعمه الواقع في ضواحي روما، ثمة برودة أثقل حلت بالشوارع؛ بات الرجل الخمسيني يؤدي صلاة الفجر في مسكنه؛ فالمسجد مغلق، وهدير الزحام الذي اعتاده مع السادسة صباحًا تلاشى، المحال مفتوحة بلا زائر، والحافلات تمر شبه خالية. تغيرت روما عما عرفها فتحي طيلة 40 عامًا من إقامته فيها. لم يمس فيروس كرونا المستجد العاصمة الإيطالية حال المدن الأخرى، لكن الخوف وحد بقاع إيطاليا وملأ الطرقات بدلاً من المارة.
download (1)

تعيش إيطاليا على الحركة. هكذا عرفها فتحي. من مكانه داخل مطعمه الواقع في زمام ثلاثة مدارس، رصد الرجل الستيني ملامح الرهبة منذ اليوم الأول لإعلان حالة الطوارئ في 22 فبراير الماضي "الناس قلت في كل حتة.. أي مكان لو كان بيروحه ألف بني آدم النهاردة بيروحوا 100"، وزاد الوضع مع تعميم إيقاف الدراسة والأنشطة الاجتماعية في كافة الأرجاء، الخميس الماضي " كنا بنعتمد على الطلاب ياخدوا ساندوتش أو بيتزا وهم رايحين، لكن نسبة الشغل انعدمت بنسبة 80%. بقى دلوقت لا كبار السن بينزلوا الصبح زي عادتهم ولا الأطفال والشباب الصغير".

1

هدأت الشوارع والأماكن العامة في روما، لكن لم ينقطع أحد عن العمل؛ يفتح فتحي مطعمه يومًا، يبتغي وافدًا يتشارك معه الشجاعة في ممارسة الحياة بشكل شبه اعتيادي، يضاعف من نظافة المكان مع قلة رواده "بقينا نستخدم الأموكينا. مادة الأمونيا عليها نسبة كلور"، بينما يلتزم بمسافة متر أثناء التعاملات.

في روما فقط الرفاهيات ووجهات التجمع تم العزوف عنها اختيارًا، بينما في الشمال، خاصة بمدينة لودي، ما عاد هناك خيار لشيء، منذ أعلنت الحكومة الإيطالية الطوارئ لانتشار فيروس كورونا المستجد، قُسمت البلاد لمناطق حمراء -ذات إصابات مرتفعة- وصفراء -ذات إصابات بسيطة، ووضعت المنطقة البالغ عدد سكانها نحو 42 ألف نسمة في الزمام المحظور، فأغلقت على مَن فيها.

في أول أيام الحظر لم يستيقظ أبناء رأفت الباز في ميعادهم، إذ باتت مدارسهم مغلقة مثل كل شيء، غير أن "رأفت" المصري صاحب شركة المقاولات والذي يعمل مع شركات الطاقة الشمسية قرر الخروج من البيت ففاجأته سيارة الشرطة المتمركزة بداية الشارع . اكتشف أن الخروج ممنوع تماماً، لكن تناقص الغذاء في بيته دفعه للذهاب للسوبر ماركت بإذن الشرطة التي تحاصر مدخله وتغلق الباب خلف كل زبون منعاً للتدافع والاختلاط.

2

صدمة أصابت الباز؛ بين ليلة وضحاها، صار عليه أن يحصل على "تأشيرة خروج" كلما تعدت خطواته عتبات المنزل، لم يتخيل الرجل الأربعيني وصول الأوضاع لهذا الحد؛ فقبل ليلة من إعلان عزل المدينة، كان الباز يجلس مع عدد من الأصدقاء والجيران يضحكون على قرار الحظر "أخدنا الموضوع بهزار جداً وكنا شايفين أنه لو حتى فيه حظر هنقدر نتحرك براحتنا، لكن صحينا من النوم لقينا البلد كلها مقفولة".

هرع الناس في مدينة "لودي" يشترون ما تطوله أيديهم حتى خلت رفوف المحال، واستمر الوضع لأيام "الشرطة منعت دخول عربيات البضايع للسوبر ماركت ودخلتها بعد أيام من الحظر"، فيما تستمر جولات سيارات الأمن في الشوارع، لمنع الناس من الخروج مع حصار مداخل ومخارج البلدة.

3

للأسبوع الثالث يمضي الباز أيامه داخل المنزل في "لودي"، يتابع المتداول على وسائل التواصل الاجتماعي والأخبار في التليفزيون، لا ينقطع عنه الشعور بالملل والضيق، تطارده هواجس التفكير بالقادم في ظل توقف العمل وغلق البنوك "مبقاش في فلوس كفاية في البيت"، فيما ينازعه الشعور بالقلق والإحساس "أني في سجن".

تنتمي مدينة "لودي" إلى إقليم لومبارديا، الذي يشهد أعلى نسبة انتشار للفيروس بين الأقاليم الإيطالية البالغ عددها 20، إذ وصل عدد الحالات به نحو 3420 –وفقًا لوزارة الصحة الإيطالية، ورغم أنه يضم قرابة 1546 مدينة، لكن ليست جميعها معزول، فمازال بإمكان محمد مصطفى التنقل في ميلانو رغم ظهور حالات مصابة بالفيروس "إلى حد ما الناس استوعبت أن الحياة لازم تمشي"، غير أن ذلك لم يكن الحال قبل أسبوعين "لما الصحة أعلنت ظهور الفيروس في ميلانو. كله كان ماشي بكمامة والناس نزلت على المحلات فضتها".

لفترة، توقفت الحياة في ميلانو، حتى في أكثر الأماكن تكدسًا "المترو المعروف بالزحمة كان فاضي تمامًا"، فيما أغلقت المطاعم الصينية والإيطالية أبوابها، في المقابل استمر المصريون والأتراك يمارسون العمل، فلم تُغلق مطاعمهم إلى الآن، لكن للفيروس توابع لمسها مصطفى المولود في إيطاليا قبل 30 عامًا؛ أصبح عمل الشاب مقتصرًا داخل مدينة سكنه بعدما تأجلت كل المأموريات خارجها "نسبة كبيرة من الشغل في سويسرا لأن ميلانو قريبة من الحدود وده أتوقف لغاية ما تتحسن الظروف".

يوم مصطفى أصبح منقسما ما بين العمل، والتواصل مع زوجته التي عادت إلى مصر 29 فبراير الماضي، في إجازة معد لها سلفًا قبل كورونا، فيما يؤدي دوره المستمر منذ عامين؛ يتابع الصفحة التي أسسها باسم "مباشر إيطاليا"، للترابط بين المصريين عامة وفي ميلانو بشكل خاص، يرى شتى التعليقات خاصة بعد نبأ إصابة مصري بالفيروس وشفائه منه، يشاركهم القلق على مصدر رزقهم "ميلانو أكتر حيوية من روما. اقتصادية من الدرجة الأولى"، لهذا لا يتعجب مصطفى من وجود المارة بالشوارع بنسبة معقولة خلاف باقي المدن.

4

على بعد نحو ١٠٠ كيلو متر من ميلانو، يقيم أحمد شعير في ألساندريا التابعة لإقليم بييمونتي –شمال إيطاليا، لم تغلق المدينة أبوابها لكن طيفًا من القلق يرافق الرجل الأربعيني "خوفي الأول والأخير من وصول المرحلة أن يحصل علينا حظر ويتمنع أي حد جاي من إيطاليا".

عدد من الدول بوضعت بالفعل إجراءات احترازية بشأن القادمين من إيطاليا، لكن شعير يلزم الثبات منذ بداية الأزمة، وقويت عزيمته بعد تجربة خاضها قبل إعلان الطوارئ، إذ فرضت عليه ظروف العمل التنقل بسيارته الخاصة بين ثلاث دول أوربية خلال الأيام الماضية.

يعمل شعير في السياحة، مما يستدعي تنقله داخل أوروبا، وفي اليوم الذي قررت فيه إيطاليا إغلاق نحو 11 مدينة بالشمال، كان الرجل الأربعيني في ألمانيا، فزع لبعض الوقت بعدما علم بعزل "لودي"، بينما يحتفظ بورق مهم فيها لدي صديق له، فهرع إلى المدينة المحظورة وهاله ما رأى "كل ربع ساعة كنت بشوف بني آدم"، لكنه خرج واستكمل رحلته.

حتى الثامن والعشرين من فبراير ظل شعير خارج إيطاليا، يتابع الأنباء ويعايش بنفسه كذب العديد من الإشاعات "عديت على الحدود مع سويسرا وفرنسا بشكل طبيعي مفيش حد وقفني ولا كشف عليا"، فيما كان يتردد أن إيطاليا معزولة عن الدول الأوربية بسبب كورونا والجيش تسلم تلك المهمة، لهذا قرر توثيق اللحظة بتصويرها مباشرة ونشرها على فيسبوك.

لم ينتاب شعير الخوف سوى تلك المرة؛ بعدما خرج من إيطاليا يوم الحظر، مر بألمانيا في ليلة ثلجية، واضطر للمبيت في أقرب مدينة على الحدود، وفي الفندق تسلل الشك إلى نفسه بعدما اطلع موظف الاستقبال على بياناته "كان بيبصلي بنظرات غريبة وقلت هيرفض أبات"، لكن الأمور سارت طبيعية، وعاد الرجل الأربعيني إلى منزله مرة أخرى ليشارك الجيران تنفيذ الإجراءات الوقائية لكن دون مبالغة في القلق، حتى مع استقباله لأحواله أصدقائه المصريين "ليا صديق شغله معتمد على البيع في الأسواق الشعبية ودي 90% منها اتقفل"، إلا أن ذلك لا يمنعه من اصطحاب أولاده بين الحين والآخر لشراء احتياجاتهم طوال فترة الجمود.

وفق آخر إحصاء لوزارة الصحة الإيطالية؛ أكثر من 6 ألاف حالة أصابها فيروس كورونا المستجد –كوفيد 19، لكن فتحي يرى أن "الخوف من المرض أكثر من انتشاره"، فيما يمر عصام جميل في الشارع الرئيس بروما، حيث معلم "الكولوسيوم" الشهير، يسير وحيدًا رفقة أفراد تحُصى على اليد الواحدة، وكان قبل أسبوعين يرى أفواج السائحين متجهة نحوه، أصيب عصام بالحزن أكثر من الذعر، فقدت العاصمة حيويتها التي عاصرها على مدار 40 عامًا، فبحكم امتلاكه لشركة أمن خاص يعلم جميل الوضع من الأصدقاء والمعارف "الفنادق اللي أعرفها حجوزاتها اتشالت". بات موسم السياحة مهددًا في روما، إذ يبدأ من شهر مارس، ويبلع ذروته في يونيو المقبل، لهذا أصبح الأمل عاقدًا أن تزول "الغمة" عما قريب.

5

صارت الشوارع الخالية مشهدًا مخيفًا في إيطاليا، خلاف ما يظهره من راحة؛ الثمانية كيلو مترات التي يقطعها فتحي يوميًا من منزله إلى المطعم، تقلص زمنها من 45 دقيقة إلى ربع ساعة، لكن هذا يدب الرعب في نفس الرجل؛ إذ يدرك أن الحياة لم تعد كما كانت، خاصة حينما يصل للمطعم ويدير التلفاز ويستمع لارتفاع عدد الحالات المصابة، بينما يعلم بتفكير البعض من المصريين بالعودة لبلادهم، فيحدث نفسه بأن العودة باتت شبه مستحيلة بعد إقامة دامت لأربعة عقود، فيواصل متابعة الأخبار بينما يقول "اللي هيسري على الطلاينة هيسري عليا".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان