من الأردن إلى 55 دولة.. دعوة أستاذة جامعية للقراءة تلف العالم
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
كتبت-إشراق أحمد:
قبل 14 عامًا مس رنا الدجاني الحلم؛ أرادت أن يصبح في كل حي بالأردن مكتبة للأطفال، وصفها البعض بالجنون واستحالة تحقيق ما تريد. اليوم يواصل عدّاد مبادرتها "نحن نحب القراءة" استقبال أرقام جديدة عن متطوعين يقرأون للأطفال في أحيائهم داخل وخارج المملكة الهاشمية، وكتب صارت بين أيدي عشرات الصغار، وجلسات حكي صار فيها صوت القراءة هو الأعلى.
كانت الدجاني قد عادت وأسرتها لتوها إلى الأردن. خمسة أعوام قضتها في أمريكا للحصول على درجة الدكتوراه في العلوم البيولوجية، اعتاد فيها أطفالها الأربعة نمط حياة سبق أن ربتهم عليه من مداومة القراءة والذهاب إلى المكتبة، لكن هذا لم يكن متوفرًا في مكان سكنهم؛ في الواقع شرق عمان لا توجد مكتبات، والأطفال لا يقرؤون.
كأنما تكشف الواقع من جديد للأستاذة الجامعية "الأطفال في مجتمعنا يقرؤون فقط من أجل الأغراض الدينية والتعليمية لا من أجل الاستمتاع"، أخذت الدجاني تفكر بعقلية علمية دون إغفال تجربتها كأم "قررت البحث لمعرفة وفهم أسباب العزوف عن القراءة لمحاولة التغيير"، فوجدت أن "الصغار ببساطة لا يحبون القراءة"، وأن أفضل طريقة لغرس المحبة هي القراءة لهم بصوت عالٍ، لكن كان هناك مشكلة.
"أين يمكن أن أقرأ للأطفال بصوت عالٍ؟". دار التساؤل بين الدجاني وزوجها وأطفالها، في المنزل جاء الاقتراح الأول، لكن سرعان ما استبعد، ليخطر على بال الأستاذة في الجامعة الهاشمية "مسجد الحي"؛ قبلة الكثير ليس في مكان سكنها بل في كافة أحياء الأردن.
تيسرت الأمور بتحمس إمام المسجد للفكرة، وبعد صلاة الجمعة أذيع النبأ في حي طبربور، بأن ثمة جلسة قراءة للأطفال لمن تتراوح أعمارهم بين 4 و10 أعوام. كان ذلك في شهر فبراير من عام 2006، صباح يوم سبت، حين تواجدت الدجاني رفقة أطفالها الأربعة، يصحبون قصصًا وأزياء تلائم الحكي، اشتروها خصيصًا للحدث غير المسبوق.
إلى المسجد ذهب أهالي الحي الشعبي بأطفالهم، ظنوا أنها حلقة تعليمية للاستزادة في الدراسة، لكن مع دخول المكان وبدء الحكي انقلب الحال؛ تحولت الأستاذة الجامعية لصانعة ألعاب؛ ترتدي قبعة وتمسك بعروس قماش حينًا وقصة تارة أخرى، فيما تلون صوتها تبعًا لشخصيات الحكاية التي ترويها. علت البسمات أوجه الأطفال، وزادت باحتضانهم قصص يقرئونها "في النهاية وزعت الكتب بين الأطفال وطلبت منهم قراءتها أو أن يُقرأ لهم كل ليلة حتى الجلسة القادمة"، وكذلك وُضع منهاج جلسات القراءة.
صار يوم السبت مميزًا في طبربور، خلال ساعات الصباح، من السادسة حتى العاشرة يتلقى الصغار جرعة من الحكي والتفاعل. في البداية حضر نحو 25 طفلاً "أسبوع ييجوا وأسبوع لا"، حتى اكتشفت الدجاني ما ربت على نفسها أمام الإحباطات الواصفة لفعلها بالجنون "الأطفال وقعوا بحب القراءة وأصبحوا يطلبون من أهلهم قصص". تبدلت الأدوار عما هو معروف بين الآباء والأبناء "صار الطفل هو اللي يدفع أمه للقدوم".
لم تكن حلقات القراءة جديدة على الدجاني، "كانا والدي يقرأون لي"، تعرف تأثيرها جيدًا؛ فظلت عادتها بعد الزواج والانجاب "كنت أقرأ لأولادي حتى وأنا حامل"، وإلى اليوم تجتمع الأسرة، يتشاركون قراءة ما يحبون من الكتب.
حتى عام 2010، بقيت الأستاذة الجامعية على موعدها الأسبوعي مع الصغار، إلى أن انتقلت لحي آخر وتسلمت المهمة مكانها صبية من أبناء "طبربور"، لكن طيلة هذه الفترة حملت الدجاني مهمة أخرى "كنت بتكلم عن المبادرة إلى جميع الناس وعلى الانترنت". انتشرت الفكرة في ربوع الأردن، واليوم هناك أكثر من 4 آلاف شخصًا يقرأون للأطفال في أحيائهم، فيما دخل الحلم حيز التنفيذ؛ تواصل مع الدجاني أفراد لنقل الفكرة إلى تايلند، فكانت أول بلد خارج المملكة الهاشمية تصله "نحن نحب القراءة" الاسم الذي أطلقته على مبادرتها.
لا تعرف الدجاني المستحيل "اتقال لي أني أحلم ولن استطيع أن اصنع تغيير لأن شخص واحد لا يفعل"، غير أنها ذاقت حلاوة الوصول رغم التضحية؛ فبعد 10 سنوات حصلت على منحة دراسة الدكتوراه في العلوم بأمريكا "كان لدي أربعة أولاد وزوجي استقال من وظيفته كعقيد في سلاح الجو كي نسافر سويًا". عرفت السيدة معنى الصمود الأسرى، فما كان لها أن تستسلم.
كل تواصل مع الدجاني لفتح مكان جديد للقراءة يجعلها تحلق من السعادة. لا فارق لديها بين روضة ومخيم لاجئين، رواق مفتوح أو مغلق. 7403 تلقوا التدريب حتى الآن تخبرهم الدجاني "اقرأوا للأطفال ولو تحت شجرة"، ففعلت إحداهن هذا.
تتابع السيدة الخمسينية الأخبار عن توسع انتشار وباء "كورونا" المستجد. لم يصل إلى الأردن حتى الأن إلا بحالة تعافت، لكن بالجوار دول تغلق على نفسها، وأخرى تقلل التجمعات. العالم يأخذ هدنة إجبارية، والأطفال لزموا المنازل، فيما تدرك الدجاني أن فعل القراءة تتضاعف أهمية الحين، تستعيد تلك الأوقات التي تخبر بها وجوه الصغار معاني كثيرة، بينما تضحك عيونهم وهم يستمعون إلى قصة وشوقهم لأخذ أخرى معهم، تذيب ما في النفس من مشقة، تمنحها اليقين بوجود هدف في الحياة.
نحو 55 دولة وصلت لها "نحن نحب القراءة"، أصبحت المبادرة أشبه بمنهاج يحمله 4372 سفيرًا، أساسه اختيار القصص المناسبة لحياة الطفل وثقافة محيطه، ثم الحكي له بأسلوب شيق، وفي فعل ذلك أثر لمسته الدجاني بنفسها وعبر رسائل السفراء في الدول المختلفة "الأطفال صاروا يحبوا الذهاب إلى المدرسة وتحسن أدائهم، وثقتهم بنفسهم زادت، وصاروا يلعبوا بطريقة آمنة، وأكثر متغير تصرفاتهم تجاه البيئة والتعاطف مع الآخرين".
أصبحت "نحن نحب القراءة" بيتًا للدجاني ورفاقها المتزايد عددهم، تتابعهم من خلال مكالمات دورية عبر Skype وعن طريق البريد الإلكتروني، فيما تقول الأستاذ الزائر في جامعة كامبريدج البريطانية أنه قريبًا ينطلق تطبيق للهاتف يحمل اسم "شبكة سفراء نحن نحب القراءة"، لتسهيل التواصل بين المتطوعين بعضهم البعض والقائمين على المبادرة.
لا تتوقف مهمة الدجاني ومؤسستها على نشر المبادرة وتدريب الراغبين في القراءة للصغار، فكلما توسع نطاقها زاد طموح الأستاذة الجامعية؛ ففي عام 2013، اُقترح العمل تطوير قصص الأطفال، خاصة لقلة الكتابة العربية، فتولت السيدة تدريب مجموعة من الكتاب على تقديم نصوص، يتم تقيمها من قبل متخصصين، ثم اختيار الرسامين لها وإخراجها في شكل قصة كاملة، وأخيرًا اختبارها بالمنهاج المعتاد "قراءتها بصوت عال للأطفال ثم بعدها طباعتها"، واليوم هناك نحو 23 قصة خرجت من رحم "نحن نحب القراءة".
ما فعلته أستاذ العلوم البيولوجية أهلها للحصول على العديد من الجوائز والألقاب، منها جائزة اليونسكو الدولية لمحو الأمية عام 2017. تسعد الدجاني بهذا لكنها لا تجدها سوى فرصة أكبر لنشر الفكرة، ووسام ممنوح لجميع النساء والرجال الذين يقتطعون من أوقاتهم للقراءة للأطفال.
أحلام الدجاني لا تنتهي. "نحن نحب القراءة" صارت رحلة تخوضها الأستاذة الجامعية مع زوجها وأبنائها، تزيد من شغفها نحو عملها في البحث العلمي وواجبها تجاه أسرتها، تقوي أملها في مساعدة كل إنسان وخاصة الفتيات كي يحققوا أحلامهم، فقد باتت على يقين أن التغيير سوى لفرد ذو عزم شديد.
فيديو قد يعجبك: