إعلان

عزل اختياري.. طلاب مصريون في طريق النجاة من بكين للقاهرة (تفاعلي)

07:29 م الخميس 06 فبراير 2020

أحد المصريين في بكين

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- أحمد الليثي وشروق غنيم:

حين تفشّت الأزمة لم يكن بُدًا من العودة، على متن طائرة عاد 300 مصري من مدينة ووهان الصينية إلى البلاد سالمين، غير أن الإجراءات الصحية اقتضت حجزهم في الحجر الصحي طيلة 14 يومًا من فترة احتضان المرض للتأكد من أن أجسادهم خالية، وفي الوقت الذي لاحقت الأنظار ووهان، بؤرة انتشار فيروس كورونا، تمدد الأمر بشكل أقل إلى العاصمة الصينية بكين، فما كان من الطلاب المصريين هناك سوى العودة إلى مصر، وفيما لا يحتاجون إلى الوضع في الحجر الصحي، اختار كل منهم فرض عزلة على نفسه بأشكال مختلفة، أحدهم قرر ترك منزله نهائيًا والسكن وحده، أخرى اعتزلت أسرتها واستقلت في غرفة داخل المنزل، بينما حاول أخرون حجب أنفسهم عن المجتمع المحيط، أو تجنب أي مسببات للفيروس، فكانت عزلتهم اختيارية.

ثلاثة أسابيع يحفظ تفاصيلها أحمد دعبس عن ظهر قلب، بدأت بتعتيم إعلامي، قبل أن تكشف مواقع الصحف العالمية عن تفاصيل "كورونا": "في البداية مكنش الموضوع شاغلنا لأن بكين بعيدة عن ووهان، لكن كل يوم كان بيظهر خبر بزيادة عدد المصابين، من واحد لثلاثة لـ16 وقبل ما نرجع مصر بكين سجلت 40 حالة مرة واحدة.. وده طبعا خطر".

صورة 0

داخل العاصمة الصينية وضع دعبس ورفاقه من المصريين -17 مصري، داخل جامعة المواصلات التي يدرسون فيها الهندسة- خططا وتعليمات حازمة لمجاراة الظرف الراهن "منخرجش غير للضرورة القصوى، الكمامة متتلبسش أكتر من 4 ساعات وتتبدل، نغسل إيدينا بمطهر ونسيبها 20 ثانية تحت المياه.. وبدأنا نطبخ بنفسنا، وكنا بنقول لبعض الكورونا فيروس بس مبيحولش الناس لزومبي".

في البداية ظن دعبس أن الأمر لن يتخطى أيام، فيما بدت علامات القلق تدب في الأرجاء؛ الطرق السريعة تم غلقها، خطوط القطار السريع توقفت، الطيران الداخلي أنهى رحلاته، وعودة الدراسة تم تأجيلها لأجل غير مسمى "المشرفة بتاعتنا جمعتنا وقالت العودة لمصر حتمية.. الجامعة تممت معانا كل الإجراءات الصحية والمسئولين عن منحتنا في مصر مشكورين حجزولنا في خلال يومين كل تذاكر الطيران".

1

في الثلاثين من يناير كان موعد رحيل الطلاب المصريين، بعد ساعات عصيبة وصلت منال محمد منزلها بالبحيرة استقبلتها الأسرة بترحاب شديد، هدأت قلوبهم واطمأنت، غير أن الشكوك دارت بعقل الفتاة الشابة حينما دّق على أبوابها طبيب من الوحدة الصحية في قريتها -عمر مكرم: "كان بيطمن عليا وقاس لي درجة الحرارة، بس لما كلمت صحابي اللي راجعين معايا مكنش حد راحلهم من الوزارة أو حتى كلمهم".

شعرت منال بالخطر، أخذت تفكر أنها قد تكون أصيبت بالفيروس خلال لحظات تواجدها في المطار "لإن كان في صينين كتير، خصوصًا إني في السكن كنت معزولة"، فقررت أن تعزل نفسها تمامًا عن أسرتها في نفس المنزل "نقلت سريري في أوضة لوحدي تمامًا، وبقيت طول اليوم لابسة كمامة ونبهت على أهلي محدش يكلمني أو يتعامل معايا بشكل مباشر خالص".

داخل السكن الطلابي في مقاطعة "Chao yang" ببكين، قضت منال أسبوعين من العزلة التامة، لا ترى الشارع إلا للضرورة القصوى لشراء الطعام "وممنوع نركب أي مواصلات"، كانت القرارات واضحة واتبعتها صاحبة الـ19 ربيعًا بحسم "ممنوع نختلط بالصينين"، لكنها لم تكن تدري أن القرار سيشمل أيضًا صديقيها المصريين القاطنين بنفس المكان.

حينما بدأت العطلة الدراسية، قرر فارس وعبدالرحمن، الطالبان المصريان بمعهد التكنولوجيا، التجول في أرجاء الدولة المستقرة على 9.6 ملايين كيلو متر مربع، لم يكن في علمهما ما سيحدث مستقبلًا "أول ما الدنيا ارتبكت وانتشر الفيروس المشرفين على المنحة كلموهم عشان يرجعوا على بكين"، عاد الطالبان لكن صارا مشتبه بهما "خفنا يكونوا لقطوا أي حاجة من برة".

في غرفة منعزلة عن باقي الفريق وُضِع المصريان "كنا بنتعامل معاهم ولا كإنهم الفيروس"، تضحك منال إذ تتذكر المشهد الذي أخذ طابعًا سينمائيًا. شُددت التعليمات بألا يتعامل معهما أحد، لم يغادر الشابان غرفتهما ولو للحظة "الأكل كان بيتحط لهم على الباب وبيفتحوا ياخدوه بعد ما المشرف يمشي"، يرتدون الكمامة طوال الوقت، واللحظة الوحيدة التي يبصران فيها بشريًا "لما يتقاس لهم درجة الحرارة، وطبعًا المشرف كان بيقى لابس كمامة وقتها".

اعتبرت مريم عبدالغني نفسها من المحظوظين، حينما سمعت عن انتشار فيروس كورونا داخل منطقة ووهان في الصين بينما تنعم بالدفء وسط أسرتها في القاهرة، إذ كانت الفتاة العشرينية عائدة لتوها من بكين لقضاء إجازتها الدراسية معهم، رغم ذلك لم يغادرها الخوف فأصدقاؤها المصريين لازالوا في المدينة يواجهون شبحًا لا يعرفون عنه شيئًا، فيما انتابها القلق على نفسها، إذا ما مسسها الفيروس قبيل المغادرة.

بث مباشر لضحايا فيروس كورونا حول العالم:

قبل أربع سنوات سافرت الفتاة العشرينية إلى بكين في منحة دراسية بمعهد التكنولوجيا برفقة ثلاثين مصريًا آخرين، صاروا عائلة صغيرة داخل المعهد الفسيح الذي يضم قرابة 25 ألف طالبًا بدوام كامل- بحسب منصةAbroStudy ، وحينما تحّل إجازة منتصف العام يذهب كل في طريق، البعض يعود إلى موطنه، آخرون يقررون التجول في أنحاء البلدة، لكن مريم كانت قد عقدت قرارها، وفي الخامس عشر من يناير الماضي، وصلت إلى منزلها بسلام.

بعد انتشار الفيروس بداخل "ووهان" الصينية وظهور بعض الحالات داخل العاصمة بكين، تهافتت الأسئلة بشئ من الخوف على مريم "كورونا بقى متصدر كل الأخبار، وأي حد يعرف إني كنت هناك بقى يعتبرني مرجع بالنسبة له"، تسألها إحدى قريباتها "هما بياكلوا هناك خفافيش؟.. هو ده سبب الفيروس؟"، فما كان من الفتاة العشرينية إلا النفي "عمري ما شوفت ده، صحيح في شارع سياحي في بكين فيه أكلات غربية زي الصراصير مثلًا، لكن الشارع ده اتقفل من فترة".

2

بشكل يومي تتابع الفتاة العشرينية الأخبار، من الوكالات الدولية والمصرية، انتقلت الهواجس إلى عقلها حينما عرفت عن فترة حضانة الفيروس ومدتها 14 يومًا، ساور الرعب قلب الأم "بقت ماما كل شوية تسألني حاسة بتعب ولا حاجة؟"، لكن مع بداية شهر فبراير الحالي كانت الأيام قد انقضت دون أية أعراض على مريم "هنا اتأكدت إني الحمد لله وصلت سليمة".

رغم مرور أكثر من أسبوع على وصول هاني وائل –قادما من الصين- لمنزل عائلته الكائن بمدينة 6 أكتوبر، لم تزل الاتصالات تتوالى على منزله، تارة من الأقارب ومرات من الأصدقاء، وكذا اتصالًا هاتفيًا وصل لوالده من قبل وزارة الصحة تطمئن خلاله على صحة "هاني"، وهل يشعر بأي ارتفاع في درجة الحرارة، صداع شديد، أعراض كحة أو سعال "طمنت أبويا وفهمته إنهم بيتابعوا معانا الورق اللي مليناه في المطار وإن ده إجراء طبيعي لأنهم راحوا لناس زمايلي البيت".

من عزلة لأخرى؛ هكذا هو الحال مع طالب هندسة السيارات، فلم يزل صاحب الأربعة وعشرين ربيعًا ملتزما منزل العائلة "قاعد في البيت مبخرجش ومش حابب اختلط بالناس احتياطي".. وهو ما جرى معه قبيل العودة؛ أسبوعين كاملين قضاهما هاني وائل داخل مقر السكن التابع للجامعة التي يدرس بها ببكين -قبل العودة للقاهرة -خلال تلك الفترة خاصم الشارع واعتزل الناس –برفقة زملائه- بأمر من المشرف الخاص به، حتى أن المرة الوحيدة التي قرر الخروج من الجامعة منعه الأمن بحجة عدم وجود كمامات كافية، فيما لم يجد ورفاقه بدا من إتمام العزلة "قعدنا نهون على بعض الوقت، بالضحك والهزار عشان منتخضش، وطبعا كنا نتابع اللي بيحصل ونطمن على زمايلنا الصينيين، لحد ما جه القرار إننا لازم نرجع مصر".

قبل الرحيل تخفف دعبس من أغلب أغراضه، في الثلاثين من يناير عاد للوطن وفي جعبته الكتب والملابس فقط، لكن الأفكار أثقلت كاهليه، لم يستطع التخلص من الهواجس المُخيفة، دّقت السيناريوهات في نفس الفتى العشريني؛ هل المرض بداخله لكن لايزال خاملًا؟ وفي كل مرة يحاول طرد ذلك الشعور عن نفسه، يُبصِر مع ضغطة زر على هاتفه تزايد أعداد المصابين بالفيروس.

3

كأي مغترب يعود إلى وطنه، انهمك الشاب العشريني في الزيارات العائلية علّها المنجية من الهواجس، كذلك ليُطئنهم على حاله، لكن مع زيارة شقيقته قابله زوجها بكلمات ساخرة "لقيته بيهزر معايا وبيقولي ما بلاش بقى أحضان وبوس"، ابتلع دعبس الكلمات، لكنها لم تغادر عقله، ظلت تطّن بداخله وهو في طريقه إلى المنزل الذي يقطنه برفقة شقيقه بعد وفاة الوالدين، فلم يكن بُدًا من اتخاذ قرار حاسم.

"مكنتش عاوز أحس بأي ذنب خصوصًا إني شخص موسوس"، وأد دعبس ذلك الشعور بداخله وقرر فرض عزلة اختيارية على نفسه. أعّد حقيبته، احتضنت بين دفتيها ملابسه التي غسلها بمُطهِر، وضع الكُتب وهّم بالرحيل "أخويا كان زعلان جدًا إني هسيبه وهمشي، بقى يقولي أنا مش خايف"، لكن الشاب العشريني عقد العزم "كنت مرعوب إن يبقى فيا حاجة وتصيبه"، توجه إلى منزل فارغ، وصار وحيدًا بداخله حتى تنتهي فترة الأربعة عشر يومًا مُدة احتضان الفيروس "ساعتها هتأكد إني معنديش حاجة وأقدر أرجع أمارس حياتي بشكل عادي".

بلهفة أراد محمد أحمد العودة إلى أحضان والدته، كان يدرك أنه بحالة طيبة كونه ملتزم بالتعليمات داخل معهد التكنولوجيا ببكين، عُزلة تامة عما حوله، لا يبرح مكانه، وإذا حدث يرتدي الكمامة وفي قبضة يده مُعقِم "فضلت على الحال ده أسبوعين مبخرجش من الأوضة"، لكن التوتر الذي أصاب والدته جعله يريد العودة سريعًا للتهدئة من روعها.

مع كل خبر جديد، يخفت الاطمئنان بداخل صاحب الـ23 ربيعًا، فيُزيد من حرصه، يحاوط نفسه بعزلة عن أي مسببات للمرض "محافظ جدًا على النظافة الشخصية، ومهتم بالأكل اللي بيحمي المناعة"، يحاول درء أي احتمالية إصابة بالإنفلونزا، تساعده الوالدة على ذلك "بإني أتقّل لبسي وآخد بالي وأنا بتعامل مع حد عنده برد، أما الأحضان بيني وأي صديق أو قريب منعته خالص.. خصوصًا إني وسط عيلتي وأمي فعشانهم بحاول أتأكد إني خالي من كورونا".

طيلة ثلاثة أيام التزمت منال بفرض العزلة على نفسها "يادوب أخرج أجيب أكل من المطبخ وأرجع على الأوضة"، حاولت تمرير الوقت بالنوم، فقط تقابل طبيب الوحدة الصحية لقياس درجة الحرارة "لما لقيت كل حاجة طبيعية وحتى معنديش أعراض برد وصحابي اللي عاشوا نفس أجوائي بيتعاملوا عادي في البيت، قررت أفك انعزالي وأعيش حياتي بشكل طبيعي".

منذ أن تم الإعلان عن الفيروس وهيمنت أخباره على العالم، والأسئلة تباغت رأس محمود أحمد، هل الأمر خطير كما يقولون؟ هل اختلطت بأحدهم؟ هل أصابك مكروه؟ ما المسافة بينك وبين ووهان؟ ولماذا جاءت العودة بشكل مفاجئ؟.. والإجابات دائما واحدة "الموضوع مش مقلق وكان علينا متابعة يومية من الجامعة.. وبقولهم الفيروس ممكن يكون خطير، لكن لازم تتأكدوا من المعلومات وبلاش تهويل"، وينصح أهله في المنوفية بعدم الاختلاط به إلا في حدود قليلة، فيما تصر والدته على أن يعيش حياته بشكل طبيعي وهي تقول: "خليها على الله.. هو الحافظ".

عاد محمود من بكين قبل أسبوع، فيما يثق بنجاح الصين في تخطي الأزمة؛ ولا تنقطع اتصالاته اليومية بأصدقائه هناك؛ يشد من أزرهم ويدعو بأن تنحل الغمة.

كلما يقترب محمود من العودة لمصر كان قلبه يطير فرحا، غير أن الأمر تبدل هذه المرة، بعدما قرر المعهد -الذي يدرس به تكنولوجيا السيارات المتجددة ببكين، مغادرتهم للبلاد في غضون ساعات "أكيد وحشاني مصر، لكن أنا برضه بعتبر الصين بلدي وهزعل جدا لو فيها حاجة وكل أملي الموضوع يعدي على خير".

4

خطط ورحلات قضى "كورونا" عليها؛ فالعودة إلى المنوفية مسقط رأسه، لها موعد محدد في إجازة الصيف، وكان طالب الصف الثالث بالمعهد، قد جهز نفسه للترحال والتنزه في إجازة نصف العام "طالعين من الترم عايزين نتفسح، ويوم 24 يناير كنت رايح شنغهاي وكذا مدينة تانية، وبسبب اللي حصل لغيت حجز الطيران والفندق والقطر.. خطط الانبساط كلها باظت.. الشوارع فاضية والمحلات اتقفلت، الحياة نفسها بقت مقبضة".

طارت منال فرحا بخبر تجهيزات العودة لمصر "مكناش متوقعين إن هيتم الاستجابة لينا بالسرعة دي"، غير أنها في صباح يوم السفر كانت على حافة الخطر "الصبح كنت بعمل فطار على البوتجاز، لما جم يقيسوا درجة حرارتي كانت 38 درجة"، ذعر أصاب القائمين على المكان، تسلل لنفسها أيضًا "قالولي ده ارتفاع مفاجئ ولو درجة الحرارة فضلت كدة لمدة ساعة مش هتسافري"، استعادت الشابة مشهد زميليها "كنت حاسة إني قريبة من فكرة العزل عن باقي زمايلي، وإني مش هرجع بلدي".. بعد ساعة تغير الوضع، عادت درجة حرارتها للمعدل الطبيعي، ومعها فرحة منال بالعودة، في المطار اتخذت معها الإجراءات الصحية "وكان كله تمام".

داخل شقته بمصر يعيش دعبس العزلة على أكمل وجه؛ وحيدا مع هاتفه المحمول يتابع الطالب بهندسة الاتصالات العالم من نافذته الصغيرة "الحكومة الصينية عملت أبليكيشن خاص بتطورات كورونا.. شغال لايف ستريم لحظة بلحظة؛ كام حالة مشتبه فيها عدد المصابين، اللي تعافوا، الوفيات، النصائح، الأعراض وأقرب المستشفيات وتوزيعها الجغرافي.. الأعداد بتتضاعف كل دقيقة وكأن في حاجة غلط، لكن بمجرد مرور الـ14 يوم هنعيش حياتنا تاني من جديد، وهنرجع تاني نعيش حياتنا مع زمايلنا في الصين بعد ما يعدوا الأزمة على خير".

إذا لديك قصة متعلقة بفيروس كورونا شاركنا عبر هذا الإيميل: mosharka.ona@gmail.com

ويمكنك الاستفسار والإبلاغ عن الإصابات الفيروسية المعدية من خلال الخط الساخن التابع لوزارة الصحة على رقم: 105

الثانويه العامه وأخبار التعليم

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان