لماذا توجد آثار مصرية في الخارج؟.. حكاية حملة تنشر الوعي بتاريخ مصر
كتبت-دعاء الفولي:
كان السؤال يراود هبة عبدالجواد دائما "ليه الغرب مسيطرين بشكل ما على علم الآثار المصري؟"، فبعدما حصلت على الدكتوراه في الآثار من جامعة درهام البريطانية، شاركت في المعارض المتحفية، تحدثت عن آثار مصر في عدة محافل بإنجلترا "وكان الناس دايما بتستغرب إني مصرية وأنا بستغرب إن مفيش مصريين كتير بيحكوا عن تاريخنا"، لم يترك السؤال عقل هبة طوال أشهر، حتى واتتها الفرصة أخيرا لعمل مشروع "آثارنا المتغربة".
في عام 2013، أصبحت هبة ضمن فريق باحثين مصري وإنجليزي يرصد حال البعثات البريطانية في مصر بين عامي 1880 حتى 1980، اكتشفت هبة كثيرا عن تلك الحقبة "إنه فيه باحثين أجانب كانوا بينسبوا الفضل ليهم في الاكتشافات في حين إن المصريين بيشاركوهم في الحفر وبياخدوا هما رصيد النجاح كله"، عزّز ذلك التساؤل في عقل الباحثة.
ظل الفريق قائما حتى عام 2017، وعقب انتهائه، عرضت الباحثة المسئولة عنه "أليس ستيفنسون" على المشاركين التقديم في منحة أخرى يمولها مجلس بحوث الآداب والعلوم الإنسانية في إنجلترا بالتعاون مع متحف اسكتلندا الوطني "كانت فكرتها إننا نبسط تاريخ الآثار المصرية وإزاي خرجت بإيد الاستعمار للمواطن البريطاني ونوصله المعلومة بسهولة"، لكن هبة قدمت اقتراحا آخر "قولتلهم ليه منقدمش المنحة ونبسط المعلومات دي للمصريين ويبقوا هما مسئولين عن توصيلها للبريطانيين بطرق مختلفة وسهلة.. كان فارق معايا إن المصريين يبقوا جزء من المعادلة لأن دا تاريخهم".
قوبل الاقتراح بالترحيب، ووافقت الجهات المانحة على الفكرة. كان ذلك عام 2018، حين أطلقت هبة حملة "آثارنا المتغربة".
يقوم مشروع "آثارنا المتغربة" على التعاون مع عدة مبادرات وفنانين مصريين لتوصيل المعلومات بطرق بسيطة لفئات مختلفة، فمثلا ضمن الشركاء كان الرسام "ناصر جونيور" الذي عكف مع هبة على صناعة سلسلة من الكوميكس الساخرة المبنية على معلومات حقيقية كان اسمها "ناصر وهبة آثارنا المتغربة"، ويسخر فيها الاثنان من أسلوب المستعمر في التعامل مع الآثار ويشرحان عبر رسومات أخرى كيف تبقى بعض الآثار المملوكة لمصر بالخارج دون مقدرة على ردّها "لأنها للأسف خرجت بشكل قانوني في وقت ما".
لم تترك هبة باب تعاون إلا وطرقته "المهم نوصل اللي عايزينه للناس بشكل لطيف"، تلاقت أفكارها أيضا مع مجلة "العصبة"، وهي مجلة كوميكس تحكي عن 6 أبطال خارقين مصريين "العصبة عملوا عدد كامل إن الأبطال بيحاولوا يرجعوا وينقذوا الآثار والعدد اتشاف كويس"، فيما يتبقى الشق التعليمي المتمثل في مبادرات مثل "علمني" و"عربية الحواديت" وغيرهما، إذ أجرت هبة ورشة تدريبية مع أطفال في مدرسة بمحافظة الشرقية لتعريفهم بتفاصيل المشروع "وعرضت عليهم صور أرشيفية وكوميكس وحكينا كتير"، وفيما بعد شرح هؤلاء الصغار المحتوى لممثلين عن خمس متاحف في اسكتلتندا ولأطفال من إنجلترا "الولاد فهموا اللي شرحته جدا وامتصوه وقدروا يوصلوا الفكرة بسهولة والناس الأجانب أد إيه انبسطوا من الحالة دي"، لم تتخيل هبة أن يصبح لسؤالها ظلا على الأرض، غير أن كلمات الثناء التي لاحقتها أثبتت لها نجاح الفكرة.
لا تُنكر الباحثة أن الخوف راودها "كنت خايفة الناس تتريق على اللي بنعمله أو يقللوا منه"، لكنها فوجئت باستيعاب ضخم سواء من الأطفال او المبادرات أو الشركاء الستة في المشروع من متاحف إنجليزية واسكتلتندية، حتى أن هبة تخوفّت أن يشعر الأجانب بالانزعاج بسبب محتوى السخرية من الاستعمار "لكن الحقيقة فيه اتجاه لنبذ الاستعمار البريطاني بين الباحثين، الفرق بس إن المصريين المرة دي هما اللي يتكلموا عن تاريخهم مش الأجانب".
مازالت طرق هبة لتوصيل المشروع مستمرة. ما أن وافقت الجهات المانحة على الفكرة، أنشأت هبة موقعا إلكترونيا باسم "آثارنا المتغربة"، تسرد فيه الحكاية بالتفاصيل والصور والكوميكس "مُتاح مجانا لأي حد يحب يطلع عليه"، فيما قررت الباحثة أن تستخدم اللغة العامية المصرية "عشان هي جزء من تراثنا وعشان توصل لأكبر عدد من الناس"، فيما تنتظر خلال الفترة القادمة بداية ورش تعليمية أخرى مع طلاب المدارس عبر الإنترنت "ونفسي المادة الموجودة على الموقع تتحول لملحق مع كتب المدرسة، هيكون ملحق بسيط وملون وبيشرح كل حاجة".
مع انتشار فيروس كورونا المستجد، تعطلت بعض أنشطة المشروع، غير أن هبة ألقت أول محاضرة عن "آثارنا المتغربة" في جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا خلال الأيام الماضية "الطلاب تجاوبوا معانا وحبوا الحكاية"، ضمّت المحاضرة أساتذة وطُلاب وشركاء المشروع الأجانب عبر تطبيق زووم "كان يوم ثري جدا وكنت مبسوطة لأني علطول بتكلم عن المشروع في محاضرات أجنبية بس إني أعمل دا جوة مصر إحساس مختلف"، فيما تم تكريم هبة مع نهاية اليوم بدرع الجامعة.
مازال أمام المنحة عاما آخر من العمل على الأرض، غير أن الباحثة لن تنتظر انتهاء التمويل "هنحاول نقدم في منح تانية عشان نفضل مكملين ونوصل لقطاع أكبر من الناس".
فيديو قد يعجبك: