سعيد الكفراوي.. رحيل "راهب" القصة القصيرة (بروفايل)
كتبت-هبة خميس:
بعد شهور قليلة من بداية حكم الرئيس الراحل أنور السادات، فوجئ رواد مقهى ريش بوسط البلد ومن بينهم الأديب الراحل نجيب محفوظ بالكاتب الشاب "سعيد الكفراوي" منهك وفي يده حقيبة تحتوي ملابسه بعد خروجه من معتقل سجن القلعة الذي قضى فيه سبعة أشهر.
رحب به "محفوظ " ثم طلب منه حكي ما حدث له، وبعد مدة قصيرة صدرت رواية "الكرنك" التي استوحى "محفوظ" بطلها من تجربة "سعيد الكفراوي" في المعتقل، الذي دخله بسبب قصة قصيرة باسم "المهرة" لم تعجب السلطات للإسقاط الذي استعمله فيها على السلطة، فتم القبض عليه والتحقيق معه "في الصباح كشيوعي وفي المساء كإخواني" مثلما روى عن تلك التجربة التي تركت أثرها عليه.
في عام 1966 كانت تصدر مجلة إبداعية بعنوان "المجلة"، تمنى "الكفراوي" النشر بها فذهب للأستاذ "يحيى حقي" بردائه الريفي ليطلب منه نشر القصة التي قرأها عليه بصوت عالي وأعجب بها، ونشرت في أول عدد من المجلة عقب زيارته.
كانت تلك نقطة التحول بالنسبة للشاب الذي لم يعتد سوى مدينته المحلة الكبرى. تلك المدينة الصغيرة التي أنجبت معه جيل كامل من المبدعين مثل "محمد مستجاب" و"جار النبي الحلو" و" جابر عصفور" ليكونوا في بداية الستينات نادياً أدبياً في قصر ثقافة المحلة الكبرى. بعد ذلك اللقاء بـ"حقي" قابله مرة أخرى ضمن مناسبة بعد خمسة عشر عاماً ليقبل رأسه و يديه.
سنوات طويلة قضاها "الكفراوي" في كتابة القصة القصيرة مخلصاً لها ليُسمى "راهب القصة القصيرة"، في تلك القصص سرد عوالم الريف المصري التي يحفظها وولد في قلبها و بين أناسها بكفر حجازي التابعة للمحلة الكبري عام 1939.
الحكايات والأساطير الشعبية التي ترعرع بينها صارت محور كتابته بعد أن فتح عينيه على الأدب، فلفت انتباهه الغموض في القرية المصرية وعلاقة الإنسان بالحيوان وبالموت.
يكتب "الكفراوي" عن الذاكرة والأماكن التي تغيرت وطبائع الناس حيث صار مؤمناً بأن القرية التي أحبها بالرغم من تغيرها واختفائها ظلت باقية في روحه، كلما أمسك القلم كان يستعيد جزءاً منها.
مشوار طويل تمخض عن العديد من المجموعات القصصية التي حفرت مكانتها في الأدب العربي مثل "ستر العورة" و"مجرى العيون" و"يا قلب مين يشتريك" وانتهاءً بـ"زبيدة و الوحش" كتاب مجمع لأهم أعماله و من إخراج ورسوم ولده الفنان التشكيلي "عمرو الكفراوي".
اعتبر "الكفراوي" علامة من علامات "جيل الستينات" الذي شكل الأدب المصري والذي سعى للتجديد بعيداً عن الأشكال التقليدية للأدب في القصة القصيرة والرواية ليعتبر من أهم أجيال الأدب المصري، وبرحيله اليوم عن عمر يناهز الثمانون عاماً سيظل مكانه فارغًا مثلما فعل رحيل المبدعين قبله.
فيديو قد يعجبك: