لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"جئن ورحلن كالملائكة".. سيرة طبيبات المنيا بالوحدات الصحية أطول من عمرهن

08:04 م الإثنين 20 يناير 2020

مكتب الدكتورة رانيا

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت – مها صلاح الدين:

تصوير – أحمد السهيتي:

حقيبة بلاستيكية بيد الشقيقة الكبرى، جمعت آخر ما تبقى من الدكتورة رانيا داخل وحدة منسافيس، بأبوقرقاص –المنيا– بداخلها بالطو أبيض وشبشب، وجهاز قياس السكر الخاص بوالدتها، الذي أحضرته منذ فترة؛ لعدم وجود جهاز بالوحدة.

بدا المشهد دراميًا قاتمًا، والصمت يسود المكان، وبدأت والدة رئيسة الوحدة السابقة وأشقاؤها يتلقون كلمات العزاء على استحياء، من عاملي الوحدة، الذين بدأ جزء منهم بمساعدتهم في جمع متعلقاتها، والجزء الآخر التزم مكتبه في سكون.

كانت الدكتورة رانيا، ضمن 12 طبيبة بشرية من إدارات المنيا وسمالوط وأبوقرقاص الصحية، وُكِّل إليهن إدارة وحدات صحية بقرى محافظة المنيا، وأُرسلن إلى تدريب ضمن حملة الكشف عن سرطان الثدي بالقاهرة، وتوفيت ضمن حادث تصادم الميكروباص الذي كان ينقلهن.

رفض أشقاء الطبيبة الشابة تصوير متعلقاتها الشخصية قائلين، "هي ماكنتش بتحب التصوير أو الظهور"، صعدوا إلى سكن الأطباء في الطابق الثاني من الوحدة، غرفة صغيرة بها سرير، ودولاب، وبدأوا يجمعون متعلقاتها، وغادروا على عجالة.

وقتها، جلست الدكتورة إسراء البنداري داخل صيدلية الوحدة تقول وهي تتذكر، "دكتورة رانيا جت علينا زي الملاك ومشيت زي الملاك.. قعدت معانا شهرين بالضبط، كانت دكتورة عبارة عن ضمير ماشي عـ الأرض".

صباح الأربعاء الماضي، تلقى الموظفون بوحدة منسافيس اتصالاً هاتفيًا، "ألو.. دكتورة رانيا اتوفت في حادثة، يا ريت دكاترة الوحدة يروحوا يخبروا أهلها"، لم يصدق أطباء الوحدة ما سمعوه، حاولوا التشبث بآخر أمل يؤكد أن ما وصلهم كان خبرًا كاذبًا، اتصلوا بها على هاتفها المحمول.. ورد صوت رجالي عليهم من المحاولة الأولى:

أنا الإسعاف

الدكتورة رانيا في حادثة، ورايحين على مستشفى 15 مايو

إنتو مين؟

تقربولها إيه؟

البقاء لله، الدكتورة رانيا اتوفت..

يا ريت لو حد يقدر يوصل لأهلها ويبلغهم ييجوا ياخدوا جثمانها.

ثم أغلق الخط، ليترك زملاءها في حيرة، يتساءلون كيف سيخبرون ذويها بمثل هذا الخبر "روحنالهم البيت، قررنا نقولهم إنها في حادثة، بس مقدرناش نقولهم إنها ماتت".

رغم عدم مرور فترة طويلة على تعيين الدكتورة رانيا بالوحدة الصحية، إلا أنها تركت في نفس زملائها من أطباء وعاملين، وحتى المرضى المترددين على الوحدة الصحية بمنسافيس أثرًا طيبا.

صورة 1

الدكتورة اسراء صيدلانية الوحدة الصحية بمنسافيس


لا تنسى الدكتورة إسراء حينما طرقت سيدة باب الوحدة الصحية في وقت متأخر من اليوم؛ لتحصل على "علبة مرهم"، "قُلت لها الدكتورة مش موجودة، مينفعش من غير تذاكر"، فردت عليها السيدة في ثقة، "الدكتورة إمبارح بالليل شافتني ماشية بأنهج في الشارع، رجعتلي وكشفت عليا.. اديهالي هي طيبة مش هتقول حاجة".

على جوانب الوحدة، ظلت غرفة مكتب الدكتورة رانيا خالية، يتناوب عليها العمال والممرضات لترتيبها، بينما ظل المكتب دون صاحب، تقول أم محمد، ممرضة بالوحدة، "الدكتورة رانيا كانت طيبة، عمرها ما كانت مديرة شديدة، وكان شغلها وخدمة الناس عندها أهم حاجة".

كانت دكتورة رانيا على علاقة طيبة بالمرضى، خاصة سيدات القرية، "في واحدة ست جت تكشف دلوقتي، وسألت عـ الدكتورة قلنالها تعيشي إنت.. انهارت، صوتت، ومشيت".

قرية منسافيس

أبوقرقاص - المنيا

لكن خبر وفاة الطبيبة الشابة التي لم تتجاوز الثلاثين، لم يمتد خارج أسوار الوحدة الصحية، استقبلت سيدات قرية منسافيس خبر وفاة الدكتورة رانيا بالدهشة، الجميع يعرفها جيدًا، تقول "سماح"، سيدة صغيرة ضئيلة الجسد وهي تحمل رضيعها بلسان صعيدي اللهجة، "كنت بروحلها على طول بالواد.. كانت بتكشف عليه بالسماعة مش بالكلام، ومرة روحتلها وأنا إيدي فيها خراج عملتلي الإسعافات الأولية، وبعتتني لعيادة دكتورة صاحبتها، ومسابتنيش إلا لما اتأكدت إني روحت وبقيت كويسة".

داخل شوارع القرية الضيقة وأمام بوابة أحد البيوت، وقفت "رحمة"، سيدة ثلاثينية، أطلقت شهقة من الصدمة بعد علمها بخبر وفاة الدكتورة رانيا، وقالت، "الله يرحمها، كانت عندها ضمير، روحنالها لما كانت رِجل ابن سلفي محروقة، اديتله مرهم وقالت متغطوهاش علشان متعملش ميكروب، بعدها روحنا لدكتور تاني غطاها كلها بالشاش، ولما فكيناه لقينا كلامها صح، وروحنالها تاني عالجته".

كانت الدكتورة رانيا من سكان مدينة المنيا، وعلى الرغم من ذلك كانت تقطع أكثر من ساعة يوميًا للذهاب إلى وحدة منسافيس، وقبلها وحدة الكرم، التي أعقبتها في إدارتها الدكتورة سماح التي توفيت في الحادث نفسه، وكانت من سكان مدينة المنيا أيضًا.

قرية الكرم

أبو قرقاص – المنيا

كانت الأجواء هادئة داخل قرية الكرم، في ظهيرة السبت الماضي، أغلقت الوحدة الصحية بالقرية أبوابها قبل الموعد الرسمي، ولم يتبقَ بها أي موظفٍ نوبتجيًا كبقية الوحدات.

بدت الوحدة الصحية بيتًا حديثًا مكونًا من طابقين، مستقطعٌ من طابقه الأرضي المرتفع "محل كوافير"، كانت هذه هي الوحدة الجديدة التي انتقل الأطباء للعمل بها، بعد أن أصبح مبنى الوحدة الصحية القديمة مهددًا بالسقوط.

صورة 4

الوحدة الصحية الجديدة بقرية الكرم



لا يوجد بالوحدة الجديدة مكان لسكن الطبيب النوبتجي، ولم يحضر الطبيب إلى الوحدة اليوم من الأساس، باختصار؛ لأن طبيبة الوحدة "الدكتورة سماح"، قد توفيت.

كان خبر وفاة الطبيبتين الشابتين صادمًا لأهالي القرية خاصة من النساء، تقول سيدة، "الاتنين ميتخيروش عن بعض، عندهم ضمير، ونعرفهم كويس".

قضت الدكتورة رانيا مع أهالي القرية أكثر من 7 أشهر، قبل أن تنتقل إلى إدارة الوحدة الصحية بمنسافيس، وأعقبتها الدكتورة سماح منذ شهرين فقط.

كانت تتردد سيدة على الطبيبتين؛ لمتابعة وسائل تنظيم الأسرة، "الدكتورة رانيا كانت متابعة معايا، وكانت بتديني المناسب، كنت بحكي معاها بالساعة، إنما الدكتورة سماح كان كلامها قليل، لكن كان عندها ضمير، بس ماقعدتش معانا كتير".

صورة 2

سيدات قرية الكرم

وفي ساحة كبيرة خلف أحد البيوت، التفت فاطمة، ونساء ابنها حول حلقة نار مع أبنائهن، صدمن بعدما علمن بأمر وفاة الطبيبتين، لم يخبرهن أحد من قبل بالخبر، تنتفض "حبيبة"، زوجة ابن السيدة، ذات البطن المرتفعة، "أنا كنت بتابع معاهم الحمل، كنت بكلمهم وأروحلهم في أي وقت لما ضغطي يعلى، وكانوا بيقيسوهولي، ويدوني الدوا حتى لو من غير تذكرة".

في هذه اللحظة انضمت الجارة الثلاثينية "داليا" إلى المجلس، كانت مثلهن لا تعرف بالخبر من قبل، تتمالك نفسها وتقول في دهشة، "دكتورة رانيا دي كانت صاحبتي وأكتر، كنت بقعد أحكي معاها في أي حاجة مضايقاني، كانت بتقعد تتكلم معايا ولا كإنها دكتورة، وأنا ست على قد حالي، والدكتورة إللي جت بعدها كانت كويسة، ما أخدناش عليها لكن كان عندها ضمير".

فيديو قد يعجبك: