خاص-رحلة عبر 17 دولة.. 8 حجاج سافروا من بريطانيا إلى مكة بالدراجات (حوار)
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
كتبت- شروق غنيم:
لم تكن رحلة هينة؛ لكن حين وصل الثمانية حجاج على أعتاب المدينة المنورة انزاح كل تعب عن أقدامهم التي دفعت عجلات الدراجات لحوالي 6 آلاف كيلومترًا، في رحلة استمرت طيلة شهرين من بريطانيا إلى السعودية عبر الدراجات. انهمرت الدموع، احتضن الفريق بعضه، الآن فقط صار الحلم واقعًا، فيما لم يُدرك صفدر أختر أنهم وصلوا بالفعل، شعر بأنه مغمور ببركة الله، فما كان منه إلا أن سجد امتنانًا، كل عناء الرحلة اُختصر في تلك اللحظة، كان يعلم الرجل الباكستاني "أننا ضيوف الله، سيعتني بنا جيدًا".
مصراوي تواصل مع فريق "Tour De Hajj" منذ شهر أغسطس الماضي، لمعايشة أجواء تجربتهم، وكيف تبدأ الرحلة الحقيقية بعد الانتهاء من مراسم الحج، إذ يرغبون في إنشاء مشاريع خيرية في قرى أربعة دول، والتي من أجلها قطعوا 6 آلاف كيلومترًا عبر ثلاث قارات على متن دراجاتهم.
في السابع من يونيو الماضي أعلن الفريق عن خطتهم للسفر إلى مكة من مقر إقامتهم بالمملكة المتحدة على متن الدراجات، أبدى البعض حماسهم، لكن الغالبية كانت تشعر "بأننا مجانين" يحكي صفدر أختر لمصراوي، لم يستوعبوا الفكرة في البداية، فيما كانت تعابيير وجوههم تشير إلى "أننا ذاهبين إلى حتفنا لا محالة"، لكن ثمة فلسفة وإيمان بالرحلة كان يقوي عزيمة الثمانية أفراد كل يوم.
في الماضي كان الحجاج يتنقلون عبر الصحاري في قوافل على ظهور الإبل، كان ذلك الدافع الأول لطاهر حسن أختر، صاحب الفكرة، حين خاض التجربة وحده عام 2017 من المملكة المتحدة إلى مكة عبر دراجته كي يشعر باستحقاق الأجر، لكن في موسم الحج لعام 2019 فكّر في أن يكون هناك هدفًا أكبر، فنظم رحلة جماعية تضم سبع آخرين لأجل حملة خيرية.دشّن موقعًا إلكترونيًا يعلن من خلاله الفكرة، كتب طاهر ورفاقه أمنيتهم بتجميع 500 ألف جنيه استرليني، من أجل بناء مساجد، حفر آبار مياه، وتركيب ألواح الإضاءة الشمسية في قرى أربع دول هى باكستان، جنوب أفريقيا، أوغندا وسريكلانكا، لكن يقول أختر إنهم جمعوا حتى الآن 62 ألفًا فقط.
اكتمل الفريق بثمانية أشخاص، جميعهم مقيم في بريطانيا ولكن سبعة منهم ترجع أصولهم إلى باكستان وواحد إلى سريلانكا. لمدة سبعة أشهر يتدربون يومًا في الأسبوع لاعتياد ركوب الدراجة لساعات طويلة، ومع إحراز تقدم يكثفون من الأمر، صارت ثلاثة أيام خلال الأسبوع ، ومع حلول شهر رمضان "البعض كان يتدرب خلال الصيام، والبعض الآخر عقب صلاة التراويح".
خلال التدريبات كان يستخدم الفريق الدراجات الشخصية، لكن عثروا على شريك خيري وفّر لهم دراجات بمواصفات وجودة أفضل للحفاظ على سلامتهم، وكي تتحمل قيادة قرابة 160.93 كيلومترًا في اليوم "مررنا في الرحلة بـ17 دولة، كنا نستريح في بعض الدول، في سويسرا توقفنا لمدة يوم واحد، أربعة في تركيا ، وخمسة في مصر"، كان الأمر شاقًا لكن هوّنت الصُحبة من الرحلة كثيرًا "أصبحنا عائلة واحدة، كذلك في طريقنا قابلنا العديد من البشر من خلفيات ثقافية مختلفة، جعلوا من رحلتنا تجربة أكثر متعة".
وجوه مختلفة من البشر مر عليها الدراجون الثمانية؛ حين عبروا في رحلتهم أراضي بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، سويسرا، لختنشتاين، النمسا، سلوفينيا، كرواتيا، البوسنة والهرسك، صربيا وكوسوفو، بلغاريا، اليونان، تركيا، مصر ومحطتهم الأخيرة السعودية "في كل مكان نقابل من يتعامل معنا بشكل جيد، وآخرين بشكل أسوأ مما توقعنا"، التقى أختر بالمسافرين، اللاجئين، المهاجرين غير الشرعيين "ومن هم بلا مأوى، وأحيانًا كنا نجد في استقبالنا شخصيات معروفة من البلد التي نمر بها للترحيب بنا والإثناء على الفكرة".
اختبر الفريق تقلبات الطقس، عرفوا كيف تصبح درجة الحرارة أكثر مما تحتمل، كذلك البرد القارس "أحيانًا كنا نشعل النار في الحطب للحصول على تدفئة"، عندما غادروا بريطانيا في يونيو كان الجو مشمسًا، ومع الرحيل عن سويسرا انهمر المطر "وكلما اقتربنا من السعودية صارت درجة الحرارة أكثر سخونة".
احتمل الفريق كل تلك التحديات "لأننا توقعناها"، غير أنهم حين وصلوا صربيا ما عادوا يحتملون، حين دلف الثمانية حجاج بالزي الرياضي إلى البلدة صاحوا بعبارة "الله أكبر"، كما فعلوا مع كل دولة جديدة يمرون عليها "نقول ذلك شكرًا لله على منحه لنا القوة لاستكمال الرحلة"، لكن ذلك لم يعجب أهل المكان "استضافتنا عائلة بوسنية تقطن هناك، لكن في منتصف الليل حدث شيئًا طارئًا".
فوجئ الفريق وأهل المنزل بطرق صاخب على الأبواب، وما إن فتحوا وجدوا شرطة صربية "استجوبت شقيقي طاهر قائد الفريق وكذلك صاحب المكان"، استاءت عناصر الشرطة الصربية من تواجدهم "ظنوا أننا مجاهدين لأننا قولنا الله أكبر في الصباح"، طلبت منهم الرحيل فورًا من المنزل والمكوث طيلة الليل في المسجد "ولا نخرج إلا مع أول خيط من نور الصباح"، وهو ما فعله الثماني دون ضجة.
قطع الثمانية دراجون 10 كيلومترات في الليل حتى وصلوا إلى المسجد "كان أهل المنزل لطفاء معنا، أوصلونا إلى هناك"، بدا المكان مهجورًا بالنسبة لأختر "وكأنها بلدة منسية"، حاول قائد الفريق تهدئتهم، طلب منهم محاولة النوم لنسيان ما جرى، لكن ما زار النوم أعينهم، بعد صلاة الفجر، لملموا أمتعتهم وهموا بالرحيل "في تلك اللحظة شعرنا أن المدينة بأكملها تراقبنا، وجدنا عدد كبير من رجال الشرطة ترتقب رحيلها بينما تضع أصابعها على زِناد بنادقهم".
في تلك اللحظة تملكّ القلق من قلب الثمانية، سادت حالة من التوتر "كانوا متأهبين لإطلاق الرصاص علينا إذا فعلنا أي شئ خاطئ، خشينا أن أي موقف أو كلمة تصدر منا يعتبرونها شيئًا خاطئ"، حاولوا غّض البصر عن رجال الشرطة، ركزوا في قيادة الدراجة وتكثيف حركتهم للرحيل بأسرع ما يمكن "وحين غادرنا ذلك المكان، في تلك اللحظة فقط، وبعد يومين شاقين، شعرنا بالأمان".
مع كل تحدي صعب يواجهه الفريق كان يُصبر أختر نفسه بأن "نحن نخطط وأحيانًا ننسى أن الله يخطط أيضًا، وهو أفضل المخططين"، يتمسك بإيمانه لاستكمال الرحلة، يتذكر أنه ترك وراءه أم تصلي لأجله ورفاقه "لدينا بركات أهلنا، كذلك الله يحمينا، ما الذي يمكن أن نطلبه أكثر من ذلك؟ لا شيء".
طوال الرحلة لم تكن كل المواقف صعبة وحسب، لكن أحيانًا كان الفريق يضحك من كل قلبه، يستمتع بمشهد جميل، طائر يحلق بحرية، أو مساحة خضراء تسر النظر، أو شلال مياه رائق، يتذكر أختر حين كانت كرواتيا جزءًا من خطة السفر "وكان من المفترض أن نتجول عبر غابة هناك، وبعض المشاركين شعروا بالقلق من مطاردتهم أو أكلهم من قبل الدببة"، يتذكر الرجل بكستاني الأصل ذلك بينما يقع في الضحك مجددًا "كان شئيًا طريفًا أن نمر هناك دون أن يحدث شئ، لكنهم ظلوا يشعرون بالخوف حتى خرجنا تمامًا من هناك".
أحيانًا كان يتوقف الفريق لينال قسطًا من الراحة، يجددون طاقتهم ويمنحون أنفسهم فرصة لالتقاط الأنفاس، لكن مرة واحدة فقط توقفت الرحلة حين مروا بمصر "وقتها أرسلت الحكومة البريطانية تحذيرًا لجميع المواطنين البريطانين بعدم السفر إلى مصر، ولاعتبارات السلامة طلبت منا الحكومة المصرية إيقاف التنقل بالدراجات لمدة يومين"، لم يتسلل الحزن للفريق "بالعكس أرى ما حدث نعمة، لأن الحكومة المصرية عاملتنا بشكل جيد واصطحبتنا لمدينة الغردقة الساحلية حيث قضينا لحظات ممتعة على البحر الأحمر".
في الأول من أغسطس وقبيل المحطة الأخيرة قرر الدراجون الثمانية التخلي عن ملابسهم الرياضية "ارتدينا ملابس الإحرام ونحن في طريقنا إلى مكة"، انتظر الفريق تلك اللحظة طيلة 60 يومًا، بينما كان موسم الحج مزدانًا بـ 2.5 مليون شخصًا من 168 جنسية مختلفة، بحسب وسائل إعلام سعودية.
كان المشهد مؤثرًا جدًا في نفس الثمانية حجاج، حين وصلوا أخيرًا لمحطتهم، كانت الأجواء تبعث على السكينة، الشعور الذي افتقدوه طيلة شهرين، كان نصف المجموعة منهك، لكن النصف الآخر كان مشحون بطاقة كبيرة لمساعدة الحجاج هناك "تطوعنا لمساعدة مستخدمي الكراسي المتحركة، نقدم المياه للعطشى، ونرّش الماء البارد في الهواء كي يُرطب على أنفاس الناس وسط الطقس الحار"، سارعوا بتقديم وجبات على الخيام الموجودة أو الذين يفترشون الشوارع "حين وصلنا علمنا أنه لا وقت للراحة، كنا نبحث عن أي فرصة لتقديم خير للناس، وكان الله خير مُعين لنا".
للرحلة طابعًا مختلفًا لأختر عمّا سبقها من زيارات لبيت الله "اقتربنا أكثر من الناس حتى في المملكة نفسها، الأمر بالطبع شاق لكنه أفضل من أن تشاهد كل شئ من فوق طائرة وأنت محاصر بداخلها"، امتّن الرجل الأربعيني لبعض المشاهد التي لم يرها من قبل "في الطريق إلى منى رأينا العديد من النساء والأطفال الأفارقة ينامون في الشارع، رغم أننا نرى الفنادق الفاخرة دائمًا في المكان، لم أكن أعلم هذا الجانب من قبل لولا الرحلة".
لازال يتذكر أختر نظرات من حوله حين وصفوه بالجنون لأنه سيخوض تلك الرحلة "نعم تحتاج رحلة كهذه لبعض الجنون"، لكنه يعرف أن عناء التجربة يستحق "قبلها كنت أشعر وكأنني نائم والأيام فقط تمضي وتنفلت مني، لكن بعدها أشعر باليقظة التامة، هناك شئ أرغب في تقديمه خلال تلك الحياة، كل ما أتمناه أن يوفقني الله في ذلك، وفي مشاريعنا الخيرية التي ننوي إطلاقها".
فيديو قد يعجبك: