"رجال يضعون الزينة".. حلم مصور لتوثيق ألف وجه سوداني (صور)
كتبت- رنا الجميعي:
على مدار خمس سنوات كان مظفر موسى حنيطير يتنقل في أنحاء السودان، يلتقط بورتريهات للسودانيين، حيث تجوّل بين الكثير من المدن، وأثناء ذلك أدرك موسى أنه رغم التنوع العرقي الموجود في السودان، فإن هموم الإنسان واحدة، وأنها بمثابة أفريقيا مُصغّرة.
100 صورة لموسى عُرضت داخل التحرير لاونج، تحت اسم "ملامح"، فيها يتناول المصور ذو السادسة وعشرين عامًا التنوع العرقي الموجود، حيث يسكن بالسودان حوالي 570 قبيلة، بالإضافة إلى 100 لغة وأكثر من 500 لهجة، ومن بين القبائل بالسودان؛ الفونج والجعليين والمسلمية والعبدلاب والحمر والهدندوة والنوبيين.
كُل ذلك الغنى أغرى موسى بالشروع في حُلمه "كنت بفكر الأول في مشروع عن الكادحين في السودان"، ويُشير تقرير للأمم المتحدة إلى أن 46.5 في المئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر الوطني، تلك النسبة المُرتفعة هي التي دفعت موسى للتفكير "لأن صوتهم مش بيوصل في السودان أو في العالم، ومفيش كيانات تتكلم باسمهم".
غير أن موسى غيّر اتجاهه مع الوقت، حين ركّز في الوجوه السودانية وجد أن ملامحهم تعكس تنوعًا ثقافيًا "وكل الناس دي متعايشة مع بعضها، كادحين وأثرياء ومن قبايل مختلفة"، ومن هنا بدأ مشروع ملامح في عام 2014.
قبل نحو ثمان سنوات بدأ موسى التصوير كهاوي، شعُر أن تأثير الصورة أكبر من الكلام، أُغرم بها، جذبته القراءات الخاصة بالصورة، ومحبّة فنانين كبار كالرسام الهولندي "فان جوخ"، كما أنه أراد في تعزيز ثقافة الصورة التي لم تكن منتشرة بشكل كبير في السودان.
تخرّج موسى من قسم الهندسة الإلكترونية، لم يعمل بمجال دراسته، بل في صناعة الأفلام الوثائقية، مما سمح له التجوّل كثيرًا داخل مدن السودان، التي تبلغ 18 ولاية، خلال تلك السنوات لم يُخطط موسى أبدًا لمشروعه، كان يترك التدبير لقدره "الولاية اللي أقدر أسافر ليها تبع شغلي، آخد الكاميرا معايا وأصور".
تمكّن موسى خلال مشواره من السفر إلى 12 ولاية حتى الآن، بدأ رحلته من الوسط، حيث الخرطوم التي يُقيم فيها، في العاصمة كان التنوع الثقافي على أشدّه "الخرطوم عبارة عن التعايش، هي المركز اللي فيه جميع الخدمات من صحة وتعليم، عشان كده الكثافة السكانية فيها عالية، وعشان تعيش فيها كويس لازم تشتغل كتير، عشان كدا بشوف إن إنسان الخرطوم كادح أكتر من أي ولاية تانية".
في 2016 ساعدت الظروف موسى للعمل في شركة لصناعة الإعلام، مما ترتب عليه السفر كثيرًا "سافرت حوالي 4 مدن"، كانت الزيارات لتلك الأماكن تُفتّح عينا موسى نحو الجديد "كنت أقرر بعدها هل المنطقة دي تنفع لمشروعي ولا لأ"، بعدها سمح له عمله أيضًا للسفر لنحو 7 أماكن أخرى.
لم يكن السفر بين المدن أمرًا سهلًا، حيث يستغرق السفر من وسط السودان لشرقها حوالي 14 ساعة بالأتوبيس، والمدة ذاتها من الوسط إلى منطقة النيل الأزرق في أقصى جنوب السودان، ومن الوسط حتى نيالا بغرب السودان حوالي 28 ساعة.
لم ليكن ليبدأ موسى مشروعه ذلك دون القراءة، كانت دومًا هناك مراجع بجانبه، يلجأ إليها ليعرف أكثر عن بلده، من تلك الكتب؛ كتاب تاريخ السودان الحديث، والجغرافيا وتاريخ السودان، أصبح موسى يعرف الأصول الرئيسية الثلاثية لسكان السودان؛ حاميون وسودانيون ونيليون، وتأتي موسى غُصّة حين الحديث عن السودانيون تحديدًا.
سبب ذلك أن "السودانيين" هُم أهل دولة جنوب السودان "دول السكان الأصليين للسودان"، ولا يرى موسى النزاع بين الدولتين سوى انفصال سياسي، ورغم أن موسى لم يُسافر بعد لجنوب السودان، لكنّ معرضه بالتحرير لاونج تضّمن وجوه من جنوب السودان "كانوا عايشين بالخرطوم"، وفي نية غير مُعلنة لم يُشير موسى داخل المعرض إلا أن تلك الوجوه منفصلة عن البقية.
وأجري استفتاء جنوب السودان في يناير، 2011 بانفصال الجنوب عن الشمال، وهو ما تمت الموافقة عليه فعليا، تنفيا لبنود اتفاقية السلام الشامل الموقعة في نيفاشا بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان في يناير 2005.
وراء كل بورتريه مُعلق بالمعرض ثمّة حكاية، ضمن القصص التي يذكرها موسى السمات المميزة للرجال في ولاية النيل الأزرق "الرجل في المنطقة هو اللي بيتزين مش المرأة"، لذا تجد بين اللوحات المعروضة رجال يرتدون الكثير من العقود المليئة بالأحجار الكريمة.
بورتريهات أخرى لرجال يُغطون وجوههم، فيرجع موسى تلك الوجوه إلى قبيلة الطوارق في منطقة الفاشر، بشمال دارفور، "قريت حكايتهم، في فترة من الفترات في ليبيا، كان فيه حرب، فالرجالة اتخبوا في البيوت، والنساء طلعوا يحاربوا، وكدلالة على الخجل لسة الرجال في قبيلة الطوارق بيعملوا ده"، والطوارق هي قبيلة من الرحل تمتد من موريتانيا في الغرب، إلى تشاد في الشرق.
تعرّف موسى على الكثيرين، ظلّ يذكرهم رغم أن بقاءه لم يستمر كثيرًا داخل تلك الولايات "كنت بروح يوم أو اتنين وأرجع"، لكن مشواره لازال طويلًا، يطمح المصور السوداني في الوصول إلى ألف وجه، ليس ذلك فقط، بل كتابة رحلته تلك بناء على الدراسات الإثنوجرافية -وهي فرع من فروع علم الأنثروبولوجيا التي تعني بالعرق: "وعشان أعمل كده محتاج أقعد شهر بكل مدينة".
لا تقف رغبة موسى عند السودان فقط، بل التوسع في أفريقيا أيضًا، مؤمنًا بقيمة الإنسان "الإنسان خلق قبل المسافات وقبل أي حدود، كلنا واحد بالنهاية".
فيديو قد يعجبك: