بعد صور الجمال الدامية.. كيف حال سوق برقاش؟
كتابة وتصوير- شروق غنيم:
لم يبدُ حال سوق برقاش الجمعة الماضية كما اعتاده التجار؛ حيث يصبح في هذا اليوم مزارًا يأتيه المشترون والجزارون من كل صوب وحدب، يبحثون عن الجمال في أكبر أسواقها، غير أن حال المكان اهتّز عقب انتشار صور تظهر عدة جمال دامية بعد تعرضها للضرب، مما جعل اللواء أحمد رشدي، محافظ الجيزة يشكل لجنة لمتابعة ما يحدث داخل المكان.
لا يفقه الأمير أيمن المرمي في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، لكن نما إلى مسامعه ما جرى من هجوم على سوق برقاش، تلقف الرجل صاحب الـ٤٦ عامًا الأمر دون تذمر، يقول إن الصورة المتداولة تحدث في المكان بالفعل "في ناس بتبهدل الجمال، لا عندها ضمير ولا رحمة"، حين نظر إلى الصورة شعر بالأذى كما الجمل المُصوَّر "من أطهر الحيوانات في الأرض، أنا وياه من وأنا ٦ سنين ويصعب عليا إن في ناس بتضربه"، يحكي الرجل الأربعيني بينما يُبرز عصاه "أصغر واحدة في السوق كله، هدف العصايا إني أوجه الجمل مش أضربه بيها".
يمتلك الرجل الأربعيني مكتبًا في سوق برقاش، إذ يلجأ له التجار ليبيع لهم الجمال مقابل نسبة مُتفق عليها، بينما يمتلك جمالًا يبيعها أيضًا طيلة أربعة أيام من عمل السوق، الأحد، الاثنين، الخميس والجمعة، بينما يعمل معه ستة رُعاة "بنبه عليهم أكتر من مرة هنا مفيش ضرب ولا أذية لأي جمل.. ده إحنا بناكل عيش من وراه".
رغم ذلك لا يتفق المرمي مع الدعاوى المنتشرة لغلق السوق "في ناس ملهاش ذنب، وبتحترم الجمل"، لكنه يشعر أن ما حدث قد يفيد بتواجد لجان تتابع وتراقب ما يحدث في السوق لمعاقبة أي شخص يخالف القانون ويتعدى على أي حيوان "أنا واحد من السوق هنا، وباتمنى اللجنة تيجي كل يوم، عشان اللي يضرب جمل ياخد جزاؤه".
حين انتشرت الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، ندد النائب محمد فؤاد بما حدث، تقدم بطلب إحاطة موجه إلى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، وثلاثة وزراء آخرين، لافتًا إلى أن قانون العقوبات المصري في المادة 355 منه جرّم العنف ضد الحيوانات، مطالبًا متابعة ورصد أي مخالفات أو انتهاكات تطرأ داخل المكان.
الجمعة الماضية شهد سوق برقاش بمركز ومدينة منشأة القناطر استنفارًا، لجنة مُشكّلة من الدكتور أشرف إسماعيل، مدير مديرية الطب البيطرى بالجيزة، و اللواء أيمن السعيد، رئيس مركز ومدينة منشأة القناطر، العميد عمرو توفيق مأمور مركز شرطة منشأة القناطر، عصام مخلوف رئيس الشئون المالية والإدارية بالمديرية، وإيناس كمال رئيس الشئون المالية والإدارية بإدارة وردان البيطري، لمتابعة أجواء ورصد أي مخالفات.
من الصباح حضر مدير مديرية الطب البيطري بالجيزة برفقة اللجنة، ترّجل داخل السوق، تفقد أحوال الحيوانات الموجودة، عقد أحاديث مع التجار، يقول لمصراوي إن داخل السوق يوجد عيادة بيطرية تعمل يوميًا لتقديم الرعاية للحيوانات ومتابعتها "ولم نسجل أي حالات تعذيب للجمال قبل كدة".
ما رآه من صور على مواقع التواصل الاجتماعي أثار حفيظته "بعض التجار بيقولوا إن ده بيحصل برة أسوار السوق"، فيما يتابع أن للجمال طبيعة خاصة "اللي بيصحبوا القطيع لازم يكون معاهم عصا عشان تسهل لهم عملية التحكم في القطيع، وارد جمل يشرد أو يكون شرس، فبيتم التعامل معاه بالعصا، لكن في حدود التحكم، وليس ضرب وتعذيب أو فقع عين زي ما شوفنا"، فيما يُكمل "ممكن يحصل للجمال إصابات أثناء التحميل والشحن لحد ما ييجي للسوق هنا"
في كل مكتب موجود بالسوق اجتمع عدة تجار سويًا، كل يحكي عن مخاوفه مما يحدث، يمتعض لحال يوم الجمعة الذي تبدل من كرنفال للبيع والشراء "يبقى مهوي كدة، الناس خافت تيجي بعد اللي سمعته"، يقول حموكشة ناجي، التاجر بالسوق منذ ما يقرب من ٢٥ عامًا.
لأول مرة يمر السوق المقام على قرابة ١٨ فدان بهذا الحال "يوم الجمعة بيبقى فيه من ٣-٥ آلاف جمل، اللي حصل في الصور حالات فردية متمثلناش كلنا"، يتفق معه باقي التجار الجالسين في المكتب، يتلقف شقيقه وشريكه ناجي الحديث "إحنا كمان أما شوفنا الصورة اتضايقنا، واللي ضايقنا أكتر إن الناس وصمتنا كلنا بتعذيب الجمال وبقت تدعي علينا من غير ما تفرق مين بيعامل الجمال حلو من اللي بيأذيها".
لا يجيد تامر ناجي هو الآخر التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي "معرفش حتى الهاشتاج بيتعمل إزاي، كان نفسي بس أقول للي بيهاجمونا إن مش منطقي نضرب الجمال حتى من منطلق مادي، لأن لو جمل اتخلعت عينه بيخس تمنه ٥ آلاف جنيه، محدش هيعمل كدة".
يستخدم الرجل الأربعيني عصا من أجل توجيه الجمال كما باقي تجار السوق "لأن الجمال دي جاية يا إما من صحراء السودان أو غابات إريتريا والصومال، مش متعودة على شكل البيئة اللي هنا، بتتخض، فإحنا بنحاول نوجهها بالعصايا"، يرجح ناجي أن يصاب أحد الحيوانات خلال تلك العملية "بس مش عن قصد، ممكن وإحنا بنستخدم العصايا الجمل يرفع وشه فتيجي على عينه ولا مناخيره يتعور".
ضمن الصور أبرز البعض ربط الجمال من قدم واحدة لإعاقة حركتها، يبرر ناجي الأمر بأنه لتقليل سرعة الجمل "عشان ميجريش يإذي حد، مش عشان نكتفه ولا نعذبه"، فيما يُعدد الرجل الأربعيني مزايا السوق الذي يعمل به قبل ربع قرن "إحنا بيجيلنا جمال من محجر أبو سمبل في أسوان ودي بتبقى جاية من السودان، وفي كمان محجر سفاجا اللي بييجي من غابات أفريقيا، وارد وهما جايين في الطريق جمل يتخبط يتعور برضو".
طيلة ٢٥ عامًا "محدش فينا اتعمل فيه محضر" يقول ناجي، الذي يمتلك إلى جانب مكتبه في سوق برقاش مزرعة تضم عددًا من الجمال "الجمل متعود عليا وبييجي يقعد عند رجلي، لكن اللي هنا علاقتي بيه بتبقى ربع ساعة، يا دوب بستلمه وبيبيعه للجزار أو التاجر، فلازم أوجهه هو مش واخد عليا".
من الخامسة صباحًا يأتي رامي أبو أسعد إلى سوق برقاش، لأول مرة يجلس الرجل الثلاثيني دون عمل، وهو الذي قدم إلى السوق منذ كان ١٢ عامًا "من يوم الاتنين والحال انقلب"، بين الصور انتشرت أخرى لجمال وقد أصابتها حالة إسهال، فيتدخل التاجر محمد عمر في الحديث "بسبب المياه المالحة هنا، إحنا بنطالب بقالنا فترة طويلة يكون في مياه حلوة في السوق عشان متتعبش الجمل"، بينما لا ينسى أن يطالب بوحدة إسعاف في المكان "لإننا ساعات بنتعب، أو الجمال ممكن تضرب حد".
حول الدكتور أشرف إسماعيل التف التجار يشرحون وجهة نظرهم، يحاولون درء أية اتهامات وجهت لهم، فيما يخبرهم مدير مديرية الطب البيطري بالجيزة أن هناك إرشادات يجب اتباعها في التعامل مع الحيوانات، مشددًا عليهم رفض العنف "وإن في حالة رصد حالة تعذيب لازم تلجأوا للشرطة الموجودة هنا لاتخاذ اللازم تجاه المسئ للجمال"، فيما يحكي الأمير أيمن المرمي أنه لن يصمت مجددًا إذا رأى أي شخص يضرب الجمل.
فيديو قد يعجبك: