بالصور- إفطار جماعي لطلبة وخريجي كلية تجارة.. ٢٠ سنة في حب المسرح
كتبت-رنا الجميعي:
تصوير-محمود بكار:
كانت الشمس توشك على الغُروب، الأربعاء الماضي، وقت إعداد طلبة كلية تجارة عين شمس لموائد الإفطار الجماعي لنحو مئتين شخص من الطلبة والخريجين المُنتمين لفريق المسرح، للسنة العشرين على التوالي، يبدو الحماس والبهجة على وجوههم في انتظار التجمّع الكبير، حيث يُثبت هؤلاء الطلبة أن هناك انتماءات تظلّ مدى الحياة.
داخل الجزء الخاص برعاية الشباب بكلية التجارة، كان رئيسا فريق المسرح، عز جمال وأحمد مصطفى، مُنشغلان بتنظيم الإفطار الجماعي، يتذّكر عز استلام الراية من الرئيس السابق للفريق، مصطفى طلعت، فهي تقليد ثابت "دي بتبقى عادة سنوية، مع كل رئيس جديد للفريق بنوصيه على شوية حاجات زي المشاكل اللي واجهناها وازاي يتعامل مع الإدارة، وبنوصيه كمان على العزومة الجماعية".
في حماس يقول مصطفى إن حُبهم للفريق نابع من حُب التمثيل، ويقاطعه عز واصفًا كلية التجارة بالبيت الثاني لهم "إحنا هنا بنقعد أكتر من بيوتنا"، حيث تستغرق بروفات العرض المسرحي لعشر ساعات يوميا، كما يُضيف الطلبة أن الفريق له سمعة جيدة تسبقه بسبب نجاحهم لسنوات في عمل عروض مسرحية درجة أن بعض طلبة الثانوية العامة "بيكتب في التنسيق تجارة عين شمس عشان فريق المسرح".
منذ الثالثة عصرًا حضر الفريق المُنظم للإفطار، وبالتعاون مع عمال الكلية قاموا بتزيين المكان، عند المدخل علّقوا صور الخريجين من فريق المسرح، كذلك وضعوا كتاب للتوقيع "عشان الخريجين يوقعوا لنا فيه، وكمان يحطوا أرقام تليفوناتهم عشان لو حد رقمه اتغير"، فالأهمية الكبرى من الإفطار هي مدّ التواصل بينهم، وبينما كان فادي بندق، واحد من طلبة فريق المسرح، يعلق الصور، يقول مُبتسمًا "العزومة بالنسبة لنا إننا بنحاول نرد لهم الجميل، ونحسسهم إنهم لسة معانا"، لازال بندق يذكر أنه حينما دخل فريق المسرح منذ خمس سنوات "كنت بسمع من الناس القدام عن ناس أقدم منهم علموهم تمثيل"، كما أنه ممُتنًا إلى أن حبل الوصال لا يدوم بالعزومة فقط "الخريجين كمان بييجوا يحضروا بروفات المسرحيات معانا".
يستعد الفريق لتجهيز الإفطار قبل نحو شهرين، يضع الطلبة الاقتراحات والبدائل لليوم، كيفية سير اليوم وعدد الخريجين الذي سيدعونهم إلى اليوم "السنة دي مكلمين ناس أكتر ودكاترة من معهد فنون مسرحية وخريجين من كليات تانية من فريق المسرح برضو"، كما يقوم الإفطار على التمويل الذاتي من طلبة الفريق، لم يغفل الطلبة وضع شعار اليوم "السنة دي شعارنا اتدلع واتمختر بجدارة انت خريج تجارة" يقولها عز ضاحكًا.
في الداخل عُلقت زينة مُضاءة بطول الساحة الكبيرة في فناء واسع بين أبنية الكلية، كذلك بلالين ملونة وصور أكثر، وهي إحدى الأفكار الجديدة لهذه السنة، يذكر بندق أن فكرة الصور قدّمها خريج اسمه عمرو وحيد، كان الشاب هو مُصمم بوسترات مسرحيات الفريق، لكنه سافر بعد التخرج خارج مصر "هو مسافر بقاله خمس سنين، بس هو في ضهرنا دايمًا، كل سنة لازم يشارك معانا بحاجة".
من بين الاستعدادات وضع الطلبة آلة البروجكتور، فهذه السنة سيعرضون فيلمًا مجمعا لإنجازات الطلبة والخريجين من الممثلين والمخرجين، ما بين الخطوات التي حققها فريق المسرح "عملنا السنة دي مسرحية البؤساء واترشح مركز أول في المهرجان القومي للمسرح، وسافر مهرجان طنجة الجامعي الدولي في المغرب وحصل على المركز الأول هناك"، وبين الإنجازات التي حققها خريجي الكلية من اشتراك في أعمال درامية في موسم رمضان الحالي.
قبل توالي الحُضور، جاء البعض ليملأ الساحة صخبًا بلعب الكرة، يتقاذفون الكرة فيما بينهم مُضفين أجواء من المرح على المكان، بينما جلس أحدهم بعيدًا يقرأ القرآن، وعلى مسافة كانت مُنى جمال تجلس بمفردها على وجهها ابتسامة ودودة، تعودت السيدة القدوم إلى الإفطار الجماعي برفقة ابنها كل عام "أنا باجي بقالي خمس سنين"، ورغم أنه تخرّج هذه السنة لكنه لم يفوّت تلك العادة.
تُحب منى حضور ذلك الإفطار، تُعبّر بحماس عن حُبها لفريق التمثيل "أنا أعرفهم كلهم زي ولادي"، لم تُنجب منى سوى فادي أحمد، تنظر إليه بحنان قائلة "أنا معنديش غيره عشان كدا لازقة فيه"، ظلّ فادي لسبع سنوات داخل الكلية محبّة في فريق المسرح "وخلاص اتخرجت السنة دي"، يذكر بحزن تلك اللحظات "روحت معيّط اليوم ده"، تُكمل والدته الحديث "أنا عارفة دا مكنش عايز يتخرج أبدًا".
لا تشعر مُنى بالغربة وسط طلبة فريق التمثيل، حيث تعوّد فادي على اصطحاب والدته إلى داخل البروفات "لما بخرج مسرحية بجيبها معايا عشان بنبقى متوترين قبل العرض، هي بتهزر وتفك الجو شوية"، كل سنة تتشوّق منى لحضور الإفطار حيث تسعد برؤية المشاهير من الخريجين "في مرة شفت هشام الجخ وروحت سلمت عليه".
مع حلول السادسة بدأت الأعداد تتزايد، صارت الأجواء صاخبة، وامتلأت فراغات المكان بالطلبة الجدد والقدامى، وخريجين نحو 20 عام مضت وأكثر، جميعهم يلقون بالابتسامات والتحيات، والأحضان التي تشهد على مرور زمن لم يروا بعضهم فيهم، وسط هؤلاء كان محمود جمال، الحاصل على جائزة ساويرس لأفضل نص مسرحي هذا العام، يُراقص ابنته الصغيرة جميلة، التي يحضرها معه للسنة الثانية، دخل جمال كلية التجارة عام 2001 "لما كنت طالب أنا اللي كنت بعزم الخريجين، دلوقت أنا اللي بتعزم، دلوقت احنا بنكبر وبقى فينا ناس متجوزين وجايين بأطفالهم، كاست تجارة عيلة" يقولها بوسع ابتسامة على شفتيه.
في الخارج عند المدخل كان طارق زكريا يحتضن صديقه عمرو الليبي بقوة، تذكر الاثنان صداقة عمرها يمتد لاثنان وعشرين عامًا، وجالا في خاطرهما صورتهما التي التقطت في نفس ذات المكان قديمًا، وقررا التقاط صورة أخرى تذكرهما بأنهما مازالا علي عهد الأصدقاء، خاصة أنها السنة الأولي التي يحضر فيها طارق الإفطار بعد ١٨ عاما خارج مصر، تغمره السعادة غير مصدق قائلًا "كل سنة لما اشوف صورهم على الفيسبوك كان يبقى هاين عليا أركب طيارة مخصوص عشان أحضر".
بحماس يدخل الصديقان إلى الإفطار الذي على أوشك على البدء، يجد الصديقان العديد من الأيادي تمتد للسلام عليهما، شباب في عمر أولادهما يلقياهم بترحاب، من بينهم عز الذي يعرفه بنفسه أنه رئيس الفريق الحالي، فيرد عليه الليبي ضاحكَا" أنا كنت رئيس الفريق بردو بس من ٢٢ سنة".
يبدأ الفريق المنظم في وضع أطباق الطعام، ما تشتهيه الأنفس من الخيرات مضاف إليها روح المحبة المنتشرة في المكان، يجلس الجميع في انتظار آذان المغرب دون أن ينقطع الحديث والضحكات، من بين الجالسين كان تامر كرم، مخرج مسرحية الملك لير، لم يتخرج تامر من كلية التجارة بل الآداب، لكنه يحضر كل عام لأن لديه اصدقاء كثر من كاست تجارة، يضحك وهو يقول: "صحيح أنا كنت المنافس اللدود ليهم، كان فيه تنافس شديد بين آداب وتجارة وحقوق، بس ده وقت المسرح بس، لكن احنا أصحاب جدا".
حل آذان المغرب، وبدأ الجميع في الأكل، لم يقتصر الحضور على الطلبة والخريجين فقط، بل حضر بعض الأساتذة أيضًا، كان دكتور تامر راضي، رئيس قسم الاقتصاد والمشرف على الأنشطة الفنية بالجامعة، يجلس بين طلابه، بابتسامة عريضة يقول دكتور راضي بفخر" انا اللي مربيهم واحد واحد"، يري أنه من الطبيعي رعاية الجامعة لمواهبها "عشان الطالب يطلع عنده خبرة ونضج يقدر يكمل بيها حياته".
عند السابعة والنصف انتهى الجميع من الإفطار، بعدها صعد عز على كرسي معلنًا أنه رئيس الفريق الجديد، ويحمل لهم المفاجأة المعدة مسبقًا وهي عرض الفيلم، علي مدار ربع ساعة شاهد الجميع إنجازاتهم تمر امام اعينهم، فها هي صورة تشير لمسرحية ١٩٨٠ وانت طالع الذي قام به عدد من خريجي الكلية، وعرض على مسرح الجيزويت، وصورة اخرى تعرض فريق تمثيل مسرحية سينما ٣٠ التي حصل بسببها محمود جمال علي جائزة ساويرس لأفضل نص مسرحي.
ذكرهم الفيلم ايضًا بعروض مسرحية شهيرة لهم كمسرحية طقوس الإشارات والتحولات، ومسرحية يوم أن قتلوا الغناء، وعروض أخرى، وسط ذلك كان الجميع يصفق محييًا، وصرخات الفرحة تملأ المكان، كانت أعين الجميع يملؤها الفخر، لم ينس الفيلم ايضًا الخريجين الذين أصبحوا أسماء شهيرة الآن في عالم الدراما مثل الممثل الكوميدي محمد ثروت.
وسط الفيلم ظهر محمود جمال، الأب الروحي للفريق كما يطلقون عليه، يحمل لهم خبرًا سعيدًا هللوا له، وهو سعي الخريجين للتكفل بنفقات دراسة طالب للالتحاق بمعهد فنون مسرحية، يوضح جمال لمصراوي أن هناك معهد موازي لمن يتعدى عمره الواحد وعشرين سنة "فيه طلبة بيقعدوا سنين حب في فريق المسرح ودول بيضيع عليهم فرصة إنهم يدخلوا المعهد".
كان الود واضحًا بين طلبة فريق المسرح وخريجيها، لم ينته الحدث عند ذلك بل امتد لساعات، ويتضح الحلم الذي يجمع هؤلاء علي وصال ومحبة ظاهرة للعيان لا يكفيها يوم واحد، وسط ذلك الحشد ارتفعت أصوات الطلبة بالأغاني الحماسية مغنين" يوم ما ابطل أمثل هكون ميت أكيد".
فيديو قد يعجبك: