لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"منين بييجي الحب؟"... حكاية عبد الرحمن ومارثا الأمريكية و"50 سنة جواز"

02:09 م الخميس 07 مارس 2019

عبد الرحمن ومارثا

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-رنا الجميعي:

تصوير-محمود بكار:

عبد البديع عبد الرحمن كان يعلم أصله جيدًا، يُدرك أن لكل شخص جذوره الموصولة بالأرض، لم يُنسيه سفره إلى أمريكا ذلك، حتى حين تزوّج من سيدة أمريكية، كانت الجذور هي من جمعهما معًا، ورغم غرابة زواج أجنبيان ببعضهما، لكنهما بقيا سويًا خمسين عامًا من الحُب.

عام 1956 اشترك عبد الرحمن كمصور فوتوغرافيا وفيلم في عملية تسجيل آثار النوبة، تلك العملية التي سبقت انقاذ معابد النوبة "كنا بنسجل معابد أبو سمبل وكلابشة وفيلة"، لم يكن خريج الفنون التطبيقية يفعل ذلك لمُجرد أنه عمل، كان مؤمنًا بشدة أن التاريخ المصري يجب الحفاظ عليه، حتى تعرف الأجيال القادمة من أين أتت وإلى أين ستذهب.

1

مدفوعًا بحُبه للتاريخ المصري والتصوير والفن سافر عبد الرحمن إلى أمريكا، كمُدرس مساعد بجامعة آيوا، لتدريس مادة التصوير الفوتوغرافي، كان مُقدرًا له أن يلتقي بمارثا، تلك السيدة التي رفض مُقابلتها في البداية لكونها مُطلقة، يتذّكر عبد الرحمن ذلك ضاحكًا.

إذا ركّزت لوهلة سترى أن هُناك هالة حُب بين هذين الزوجين، لا تعلم من أين جاءت، وما هو سر بقائها مُدة خمسين عامًا، ولكنك ستراها بوُضوح حين تجد الاثنين يتناقشان بحماس، أو حين تعترض مارثا حديث عبد الرحمن لتُصحح له شيئًا فتبدو أمارات الضحك على وجهه، أو حين تراهما يتبادلان الأماكن ليُصورا فيديو لبعضهما البعض حتى يُشاهده أحفادهما فيما بعد.

2

كان منتصف الربيع حين التقت مارثا بعبد الرحمن، بسلاسة شديدة تحكي الزوجة الأمريكية بداية القصة وبلغة إنجليزية رقيقة "صحابي كانوا هُما نفس صحابه، وحاولوا بكل الطرق إنهم يعرفونا على بعض، بس أنا كنت رافضة أتعرف على شخص أجنبي"، لكنّ الأصدقاء تواطئوا معًا، صنعوا خطة مُحكمة حتى يذهب الاثنين لنفس المطعم، وقد كان.

يؤلف الله بين القلوب، حين ذهب عبد الرحمن ومارثا إلى نفس المطعم، وجدا شخصان مُنجذبين لبعضهما البعض، وكُل الانطباع المأخوذ مُسبقًا مُحي للأبد، لحظات السحر امتدت إلى ساعتين من الحديث المُتواصل، تُكمل مارثا القصة بانفعال وابتسامة عريض "وكل يوم من وقتها لحد ما اتجوزنا كنا بنشوف بعض"، تعرّفت مارثا على عبد الرحمن في شهر مايو من عام 1969، وتزوجا في ديسمبر من العام ذاته.

3

تبدو الحكاية أنها انتهت عند ذلك، لكنها كانت قد بدأت فحسب، هناك سر خاص بمارثا، كيف تقبّلت الزواج بأجنبي؟، عند عبد الرحمن، الذي يؤمن أن أصل الشعوب واحد، كانت الإجابة "مارثا اتربت في مزرعة لأب فلاح، واحنا المصريين فلاحين في الأساس، فكان الأصل بيننا واحد"، تزوجت مارثا وعبد الرحمن مرتين، مرة في أمريكا، وأخرى هنا "العيلة أصرّت إننا نتجوز في مصر"، تلك الذكرى أثارت لدى مارثا هستريا من الضحك "اتجوزت تاني بعبد الرحمن وأنا حامل"، تقولها بعربية مُتكسّرة.

أنجبت مارثا ابنها سامي عام 1970، وبعده بتسعة أشهر جاءت سارة للحياة، قدم الطفلين وسط بيئة مصرية، حيث سكنت الزوجة الأمريكية بمنزل عائلة عبد الرحمن، لم يُقابل مارثا أية مشكلة بكونها في بيئة مُختلفة "كنت حاسة إني في أمريكا سنة أربعين"، تقول إنها وجدت نفس الطعام التي تعرفه في موطنها موجود "بس بيتعمل بطريقة مختلفة"، حتى أن المكان التي عاشت فيه مارثا يُشبه بيت المزرعة التي تربت فيه، يشرح عبد الرحمن ذلك قائلًا "احنا بيتنا كان جمب الأهرامات، وقتها مكنش فيه لسه بنايات، كانت لسه الأراضي الخضرا والخرفان بتمشي في الشارع، ودا نفس الجو اللي عاشت فيه مارثا".

4

تلك المرونة التي فُطرت عليها مارثا جعلتها تتقبّل حياتها ببساطة، حتى أن عائلاتهما تقبلت زواجهما بنفس البساطة، كما أن إيمان عبد الرحمن بعلاقتهما وحُبهما لبعضها جعل ذلك الزواج مُقدسًا بالفعل، لم ير المُصور أن هناك أية مشاكل بينهما "أصل مفيش مشاكل على حاجات جوهرية، كنا متفاهمين، فحتى لو فيه مشاكل كانت العادية اللي بين أي زوجين"، وعند مارثا كان هُناك قول آخر، يصل ضحكها للسماء حين تقول "كنت بتخانق معاه على الشرابات، هو بيسيب شرابه على الأرض، وكل شوية أقوله شيل الشراب".

لم يستقر الزوجان في مكان واحد، بل تنقلا بين عدة بلاد، عاشا في مصر لمُدة عامين حيث درّس عبد الرحمن في معهد السينما، ثم إلى تشيكوسلوفاكيا والسعودية، حتى استقر المقام بالعائلة في أمريكا، كُل ذلك لم يُنسي عبد الرحمن جذوره، ظلّ لديه منزله في مصر الذي يُسافر إليه كل عام برفقة مارثا "أنا عندي عيلة كبيرة بحب أربّط معاهم"، كما أنهما يزورا الأماكن التاريخية.

5

خلال كل تلك السنوات كان عبد الرحمن يُدرّس الفن المصري القديم، والتصوير الفوتوغرافي والسينما، ظلّ على حماسه وإيمانه بوحدة الإنسان، وهو ما زرعه في نفوس أبنائه وأحفاده، يفخر كثيرًا حين يحكي عن حفيدته "جات لي في مرة وقالتلي انت عارف أنا مين؟ أنا من سلالة توت عنخ آمون، هي لسه صغيرة عندها 8 سنين"، في حديثه عن حفيدته لمعت عيناه وهو موقن أن الجيل الثاني من صُلبه يعرفون أصلهم رغم نشأتهم في أمريكا "وأنا مبحبش ألقّنهم الكلام ده، أنا بخليهم يزوروا مصر ويشوفوا هما بنفسهم".

يُناهز عُمر عبد الرحمن الخامسة والثمانين عامًا، أما مارثا ففي الثمانين، رأى الاثنان الكثير معًا، منحتهما الحياة الجائزة الكبرى وهي الحُب، وكانا ذكيان بما فيه الكفاية ليمتنّا لذلك، فيحملهما الحُب سويًا ليمتد بهما العمر، حتى يرى أحفادهما يكبران أمام أعينهما، لا يرغب الاثنين في أكثر من ذلك، وحين تسأل مارثا عن السرّ في بقائهما طيلة خمسين عامًا، لن تقول لك الكثير، سوى أنها سترفع وجهها، وتُشير بيديها إلى السماء مُبتسمة، ثُم تقول "الله".

فيديو قد يعجبك: