لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

من عزبة حرب إلى مدينة عامر.. رحلة "سعاد" مع العشوائيات

08:34 م السبت 02 فبراير 2019

أرشيفية

كتبت- إشراق أحمد:

حين انتقلت سعاد محمد إلى شارع المشتل في مدينة عامر، التابعة لحي بولاق الدكرور، ظنت صاحبة الثالثة والخمسين ربيعًا أن الأحوال ستكون أفضل كما أكد لها موظفون الإخلاء، في الثالث عشر من يناير 2018، وهم يتولون نقل أهالي عزبة حرب تمهيدًا لإزالتها.

عام مضى ولازالت سعاد تشعر بالضيق جراء الانتقال، رغم أنه وقع في الزمام ذاته تقريبا، إذ تنتمي عزبة حرب ومدينة عامر إلى حي بولاق الدكرور –شمال محافظة الجيزة.
تبدلت حياة سعاد كما تقول، سكنت عقار ضمن 50 شقة لا تعرفهم، بعدما كانت تغلق أبواب بيتها الخاص ذي الطوابق الخمس عليها وأبنائها الثلاثة المتزوجين، وتفتح في طابقه الأرضي محل البقالة الخاص بها، وتقطن داخله بشقة تتسع لها وابنتها وأحفاد ثلاثة إلى أخرى أضيق "مكفية أوضة وصالة بالعافية" حد وصفها لمصراوي، فحينما عقدوا القياس وجدوها لا تتجاوز 67 مترًا.

افتقدت سعاد الكثير من المميزات كما تقول لكن أهمها الشعور بالأمان. تقول إن بوابة العقار مفتوحة دائما مما جعلها مرتع لمدمني المخدرات تراهم ليلاً كلما أطلت من الشرفة، فضلا عن ورش السيارات التي تسد الشارع أمامهم فلا مجال للراحة أو الاطمئنان، تقول السيدة "بنتي لما تنزل مشوار أو تودي ولادها المدرسة لازم أقف استناها عشان محدش يكلمها".

حاولت سعاد التكيف مع الوضع الجديد؛ اشترت خزان مياه بوزن 2 طن كحل لانقطاع الماء الدائم كما تقول، منعت أحفادها من اللعب في "الحوش" كما كانوا يفعلون في السابق "كنت حاطة سلسلة على الباب عشان محدش يخرج إنما دلوقت مينفعش"، لكن موقفًا شهده ابنها الأسبوع الماضي أفقدها صبرها.

تحكي السيدة أن ابنها تفاجئ بالطرق الشديد على شقته، فإذا بشخص يبدو غير متزنًا يركل بقدمه الباب، فمنعه ليقول الغريب إنه أخطأ العنوان، مشاهد تعاطي المخدرات وعلمهم بوجود أحدهم يتعاون معهم في العقار، عزز من الخوف لدى سعاد وأبنائها، يخشى أن يعود الموقف وزوجته بمفردها، فيما تتخيل لو أن الشرطة تتبع مثل هذه الأشخاص فكيف سيكون الحال "هيدخلوا العمارة كلها ويفتشوها وهنتبهدل".
كانت محافظة الجيزة بدأت عملية إخلاء عزبة حرب في 13 يناير المنصرف، ونقلت نحو 50 أسرة من أصل قرابة 200 أخرى، وحينما تسلمت الدكتورة لمياء عبد القادر منصب نائب المحافظ لشؤون المجتمع كان قد تمت الإزالة بالكامل للمكان حسب قولها لمصراوي.
"قالوا لنا هينقلونا عشان العزبة منطقة عشوائية هيزيلوها ويطوروها ويودونا مكان أحسن" استمعت سعاد للمبرر وصمتت مضطرة "طالما هينقلونا مكان كويس ونضيف"، لم يكن أمامها خيار للرفض مع حضور قوات الإخلاء وإخبارهم أن الأرض التي يسكنوها تملكها الدولة لوقوعها في "حرم السكة الحديد"، وأنهم منذ ذلك اليوم سيصبحون من سكان "مدينة عامر" وليس "عزبة حرب".
توضح نائب محافظ الجيزة لشؤون تنمية المجتمع، أن العشوائيات في المحافظة ما بين مناطق آيلة للسقوط أو "عشش" أي مساكن غير آدمية، وفيما يتعلق بعزبة حرب بتدخل في زمام المناطق غير الآمنة، لأنها وفقا للقانون "في حرم السكك الحديدية" ويحظر البناء فيها لخطورة ذلك على حياتهم، وما كان فيها من مباني هو "تعد على أراضي الدولة"، ولأن الموضوع يتعلق "بالإنسان" لذلك توفر الدولة مساكن حتى للمخالفين حسب قولها.
ارتضت سعاد بالشقق الثلاث لها ولأبنائها ومحل بقالة بديل أسفل العقار، لا تنكر السيدة الحالة الجيدة للسكن الجديد "متشطبة كويس ومعملناش فيها حاجة يعني فرق بسيط بينها وبين شقة ابني اللي كنت لسه موضباها له"، تقول إن أصحاب البيوت المستقلة ومَن أعدوا لأبنائهم سكن للزواج هم أكثر من حَزنوا على ما فات فيما يخص تفاصيل المعيشة.
تحن سعاد للعزبة رغم معانتها فيها "كنت ساكنة قدام الترعة لكن بالنسبة لي كانت أرحم"، تستعيد كيف سكنتها قبل 14 عامًا، انتقلت من بين السرايات إليها "اشتريت البيت وبنيته وكنت مرتاحة فيه عشان مختصر كنا في حالنا"، تشير إلى أن المنطقة لم تخل من السلوكيات والعادات السيئة لكنها إن حدثت كانت مقتصرة ومعروفة في أرجاء بعينها وتتجنبها بغلق باب منزلها الخاص، أما الآن فلا تستطيع كما تقول.
مع بداية الشهر الجاري، التقت السيدة الخمسينية موظف الحي لتحصيل شهرية "الصيانة"، أخبرته سعاد أنها لن تدفع "قلت له هدفع لإيه لما يكون في أمان ونضافة"، تعلم أن الموظف لن يفعل شيئًا، تشير إلى أنها تمتنع عن سداد الـ50 جنيهًا التي يفرضها الحي على السكان لأجل الأعطال، تستنكر المبلغ "أحنا لما ماسورة بتتسد أحنا اللي بنصلحها معمال ما نقدم للحي ويجوا نكون غرقنا".
لا تعلم سعاد لمن تتوجه بشكواها، تتذكر حين أتى موظفون من المحافظة بعد يومين من انتقالهم، حينها اندفعت السيدة تتحدث عن إشغال الورش للطريق أمام العقارات، فخلى الشارع ليومين ثم عادت الكرَة إلى الآن دون رقيب. تقول إنها تستطيع تحمل أي شيء إلا أن يتهدد أمنها، تتساءل "يعني أحنا اتنقالنا من العشوائيات عشان نروح لعشوائيات تانية؟".
فيما تقول نائب محافظ الجيزة، إنه إلى الآن لم يصل المحافظة شكوى بشأن مناطق السكن الجديد لأهالي المناطق العشوائية، موضحة إنه لو هناك تضرر يتولى الحي بالتبعية نقلها إلى المحافظة، وطالما ليس هناك شكوى مصدرة، فهذا يعني "أن الناس راضية ولا توجد مشاكل".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان