لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"كان فيه مرّة مجلة".. حكاية الثورة عند أصحاب "أول البلد"

11:47 ص الأربعاء 13 فبراير 2019

حكاية الثورة عند أصحاب أول البلد

كتبت- رنا الجميعي:

ألهمتهم الثورة، كانت كشعاع نور سطع وسط ليلة مظلمة، أضاءت قلوبهم تجاه بعضهم البعض، أدركوا في وقت مُبكر أهمية أن يكون للمرء وعيًا حتى يختار، ترجموا رغبتهم تلك إلى مجلة تُوزّع على أهل القرية، لم يستمر الأمر حتى توقف المشروع، كما الثورة التي لم تعد موجودة سوى في نفوس مجموعة من الأصدقاء، يجددون العهد بينهم بلقاء أسبوعي.

يحكي بلال سعيد بداية القصة، قبل الثورة كان واحدًا من مؤسسي حملة التوقيع للجمعية الوطنية للتغيير، داخل محافظة القليوبية. الانخراط في العمل السياسي بالنسبة لسعيد كان بمثابة تمرد على الواقع السيء "كنت زي أي واحد في جيلي متابع النت، كنت بشوف تجارب البلاد التانية، ونفسي نبقى زيهم، احترام القانون وخدمات كويسة وتعامل آدمي للناس"، وهو ما تمناه لمصر كلها بما فيها قريته التي قدم منها "باسوس"، وهي إحدى القرى التابعة لمركز القناطر الخيرية.

مع عمله بالسياسة اقترب سعيد أكثر من الوضع السيء، الذي زاد مع مراقبته كواحد من أعضاء الجمعية داخل انتخابات مجلس الشعب، عام 2010، يصف سعيد الأمر "كان مهزلة وأنا بشوف التزوير عيني عينك"، لذا كان سلوكًا طبيعيًا أن يشارك منذ اليوم الأول لثورة يناير، برفقة عدد من أصدقائه، كانوا يُطلقون على أنفسهم اسم مجموعة "أول البلد"، "عشان كنا بنتجمع عندي في البيت في أول القرية على الطريق".

بعد إسقاط مبارك كانت شُعلة الحماس متقدة عن آخرها، شهر من الصفاء بين المصريين بآرائهم واتجاهاتهم المختلفة، حتى جاء الاختبار الحقيقي في نظر سعيد "لحظة الاستفتاء على الدستور"، حينها بدأ الأمر يتحول إلى معارك متفرعة كان أبرزها تحويل دفّة المعركة، في رأي سعيد، إلى جنة ونار "بقى الشيوخ يأثروا على الناس إنهم يقولوا نعم عشان تفوز بالجنة"، تلك المعركة التي اشتعلت أيضًا في قريته، مع شعبية التيارات الدينية فيها، انتبه سعيد برفقة عدد من أصدقائه حينها أن الأزمة الحقيقية التي تكشفت بسبب الثورة هي الوعي "كنا أدام أزمة كبيرة، مش بس عشان الاستفتاء، بس فهمنا إن الناس بسيطة وسهل يتم اقناعها تحت أي شعار ديني من غير ما يكون اختيارهم فعلًا".

كانت للثورة فضلا في اقتراب هؤلاء الأصدقاء من بعضهم، صحيح أن خلفياتهم وآرائهم مُتنوعة "لكن كنا مؤمنين إن كل واحد حر"، انفتح الأصدقاء على الآخر "فتحنا الباب لأي حد عايز يتناقش معانا، حتى لو مشتركش في الثورة اصلًا"، لذا انضم إليهم أيمن فوزي، واحد من شباب القرية أيضًا، "أنا كنت بتابع أحوال البلد بس مشاركتش، فكرة التظاهر مش في شخصيتي".

كان أمل فوزي في الإصلاح كبير، لم يؤمن بالأمر على أن يكون "ثورة" فحسب، غير أنه لمّا أدرك رياح التغيير وجد قُربًا من سعيد وأصدقائه "أنا حبيت أعرف آرائهم وأتناقش معاهم". وسط مناقشات الأصحاب أدركوا أن عليهم فعل شيء ما بجانب لقاءاتهم "كان وقتها أي حد عايز يقول حاجة يطبع ورقة ويوزعها بعد صلاة الجمعة".

من هنا جاءت فكرة إصدار مجلة تحت اسم "شارك"، لم تكن مُجرد ورقة مطبوعة، بل مجلة حقيقية عكف عليها الأصدقاء، ميزة تنوّع خلفياتهم أن واحدًا منهم يعمل كصحفي قام بإعداد المادة، وشارك سعيد بكتابة المقالات فيها، وهكذا تبدلت الأدوار بينهم، وأصدروا العدد الأول في سبتمبر 2011، وقاموا بتوزيعها 1500 نسخة بعد صلاة عيد الفطر.

5555

استقبل أهالي القرية العدد الأول من مجلة "شارك" بشيء من الاستغراب والدهشة، كانت المرة الأولى التي يُوزّع فيها عليهم أحد مجلة وليست مُجرد ورقة مطبوعة، فيما احتوت على مشاكل خدمية بالقرية، وتعريفات تخصّ الانتخابات المُقبلة، وضعوا ذلك في قسم اسمه "شوية سياسة"، رغب الشباب في توعية أهل القرية بشكل بسيط "كنا عايزين نخلق حالة مختلفة، ونكسر هيمنة التيارات الدينية الموجودة".

جاءت ردود الأفعال مُتباينة، بين دعم وتحذيرات وشكاوى استقبلوها مرارًا "اتهامات بإننا خارجين عن الدين"، حتى وصل الأمر إلى مهاجمتهم خلال خطبة العيد الكبير.

رغم التحذيرات إلا أن هُناك من أقبل عليهم، يحكي سعيد "كان فيه شاب توجهه سلفي، ومن كتر التحذيرات كان عنده فضول يسمع مننا"، كانت مجموعة "أول البلد" تكبر شيئًا فشيئًا "مكناش بس بنشتغل في المجلة، كنا بنحاول نتواصل بكل الطرق، نعمل لقاءات وندوات مع شباب القرى اللي جمبنا".

ورغم توقف المجلة بعد عددين فقط، واحدًا بشهر سبتمبر والآخر في مطلع نوفمبر "كنا زي حال البلد كل ما تتغير احنا كمان بنتغير"، ومع اشتعال البلد أكثر فأكثر انشغل الشباب بالعمل السياسي، غير أنهم ظلوا على لقاءاتهم الأسبوعية، صحيح أن البعض انشغل مع إيقاع الحياة السريع، وهناك من سافر للدراسة بالخارج، لكن ظلّ موعد اللقاء ثابت "إحنا عشرة ثابتين رغم السنين دي كلها".

ثمان سنوات مرّت على الثورة، ولازال أصدقاء "أول البلد" على عهدهم، صحيح أنهم مُنهكون من جراء خيبات الثورة "لكن لحد دلوقت بنقيّم التجربة"، آمن الأصحاب أن الثورة وسيلة وليست غاية "مكناش بنعبد الثورة، ورغم إنها محققتش أهدافنا بس لحد دلوقت بنفكر طيب لو المجال العام اتفتح من تاني، الناس هتعمل ايه؟"، سؤال مُعلق يتردد في ذهن سعيد وفوزي وأصدقائهم، كما يسألون أنفسهم ماذا لو؟ "أحيانًا بنفكر لو ناس زي يوسف شاهين وأسامة أنور عكاشة عايشين وقت الثورة، كانوا هيعملوا ايه؟".

insert

لا تقتصر لقاءات الأصدقاء على سيرة الثورة، هي مُحلّقة في الأجواء فحسب، لا يُمكن نسيانها، فكل واحد فيهم مازال يتذّكر ما حدث، غير أن الغالب على لقاءاتهم هو الحديث في السينما وآخر كتاب قرأوه "الشئ ثابت معانا هو إن التجمع دا ميبقاش فيه ملل، عشان كدا لازم في نهاية اليوم نتفرج على فيلم".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان