لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

عاشوا وتزوجوا وماتوا بلا أوراق.. حكايات عن أكراد سوريا (الجزء الثاني)

12:03 م الإثنين 23 ديسمبر 2019

بطاقة قديمة لأحد أكراد سوريا

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

قصة – مارينا ميلاد
جرافيك – مايكل عادل

عندما وجده مدير المعسكر الجامعي في إحدى المرات منزويًا بعيدًا عن زملائه، سأله: لماذا لا تشارك؟

فقال له: لأنني أجنبي.
- أي لست سوريًا.
- لأ، أنا سوري لكن من الأكراد ذوي البطاقة الحمراء.
- لا أفهم كيف تكون سوريا وتعيش هنا وتقول على نفسك أجنبيًا!؟

كان هذا المدير لا يعلم تفاصيل إحصاء 1962 وما فعله بالعائلات الكردية، الأمر الذي تطلب من نايف أن يشرح له قصته الدرامية، التي جزء منها أو ربما كلها ليس له علاقة بالإحصاء فعلًا.

نايف على |
أجنبي

Naif-(1)
لنايف المولود قبل هذا الإحصاء بثلاث سنوات حكاية أكثر ألـمًا.

فلم يترك نايف حلمه ويستسلم كباقي إخوته ويكتفي بتعليمٍ متواضعٍ، إنما أصر أن يلتحق بكلية الحقوق.

في المدرسة الابتدائية، يتذكر نايف أن من كانوا معه كانوا أكرادًا؛ لذلك لم يشعر وقتها بالتفرقة: "كنت لا أفهم كطفل أنني بلا جنسية!". لكن تغير وضعه قليلا في المرحلة الإعدادية عند انتقاله إلى المدينة ومخالطته أشخاصًا أكثر تحديدًا المنتمين لحزب البعث:

"كنت أشعر بالقهر في كل موقف يُطلب فيه إظهار الهوية أو تقديم أوراق لإدارة المدرسة وحين رفضت إدارة المعسكرات التحاقي بها".

اضطر نايف للعمل خياطًا بأحد الأسواق الشعبية؛ ليتمكن من الإنفاق على دراسته في كلية الحقوق بجامعة حلب، التي كان يذهب إليها كل يوم من الحسكة كونه ليس بإمكانه الإقامة بأي فندق، حتى تخرج عام 1988.

لكنه لم يفكر في أن ذلك سيكون أقصى نقطة يمكنه الوصول إليها كـ"أجنبي".

وجد نايف نفسه بعد التخرج في نفس المهنة التي ظن أنها مؤقتة؛ لتستمر معه 15 عاما: "كنت أرى زملائي في الكلية – وهم من حاملي الجنسية - يتخرجون ويعملون بدراستهم: محامين وقضاة؛ فشعرت بالألم والمرارة".

بعد ذلك ترك نايف الخياطة وأنشأ معمله الخاص للرخام، وسجله باسم زوجته؛ لأنها مواطنة حاملة الجنسية.

لم يختلف مصير الأبناء الـ9 عن والدهم، فيقول نايف إن أحد أبنائه كان من أوائل الثانوية العامة وكان يحلم بالالتحاق بكلية الهندسة، لكنه صُدم بأنه غير مقبول؛ لأنه أجنبي! في حين أن زملاءه وربما بدرجات أقل فعلوها. فقط لأنهم مواطنون يحملون الجنسية السورية.

تفرقت السبل بأسرة نايف تباعًا في توقيتات مختلفة: ابنه الأكبر اتفق مع مهربين وأخرج هوية مزيفة ليسافر إلى ألمانيا قبل 15 عامًا، ليقدم نفسه كلاجئ دون أوراق، واستطاع هناك العمل والزواج. وفي البلد نفسها تقيم ابنتان، فيما تعيش ثالثة في بريطانيا، وأخرى في النمسا عن طريق لم الشمل؛ لأن أزواجهن قد سبقوهن:

"السبب الرئيسي وراء سفر أولادي ومخاطرتهن بحياتهن هو عدم حملهن الجنسية السورية".

لم تجتمع أسرة نايف معا منذ سنوات طويلة، إلا أن بعضهم جاءوا إلى بلدهم في أوقات مختلفة خلال العام الماضي ليزوروا والديهما وثلاثة من إخوتهم الذين ما زلوا بسوريا. وغير ذلك، صارت وسيلتهم الوحيدة للتواصل هي "واتس آب": "بيحكوا إنهم سعداء، لكن تبقى حسرة الوطن بقلوبهم، ويخافون علينا طوال الوقت".

حصل نايف وأبناؤه الثلاثة الموجودون معه بسوريا أخيرًا على الجنسيات بموجب مرسوم 49، لكن لم يحصل عليها أبناؤه الذين هاجروا إلى الخارج:


"بعد أن تجاوزت الخمسين لا يمكنني أن أستفيد بها، انتهت كل فرصي".

حاجي بدر |
أجنبي

Hajy-(1)

ولد حاجي في عام الإحصاء نفسه الذي صار بسببه أجنبيًا.

وهو الوحيد بين إخوته الذي عمل مع والده في زراعة الأرض، كما لم تكن لديه فرصة دخول مدارس.

قرر في عمر الـ34، وكان وقتها متزوجًا من أجنبية وله 6 أبناء، أن يلحق ما تبقى من عمره، ويؤمن مستقبلا لأولاده أفضل من الذي خُلق فيه.

اتفق مع أحد الضباط ليصدر له جواز سفر مقابل 350 ألف ليرة سورية، ثم جاء دور المهرب ليناقش معه رغبته في السفر إلى أي وجهة أوربية آمنة، وقعا اختيارهما على سويسرا، لكن كان عليه وفقا لترتيبات يضعها المهرب أن يمر حاجي على الأردن أولا ثم مصر.

أقام في القاهرة لمدة 40 يوما بالقاهرة في شقة بالإيجار مع آخرين، ثم اتجه إلى سويسرا بالطائرة بعد رحلة استمرت 3 شهور منذ خرج من سوريا.

وصل إلى سويسرا التي لم يكن فيها حينها أكراد سوى بضعة أشخاص. فوجد نفسه وحيدا مضطرًا للعمل بأعمال حرة كثيرة ليحصل على أموال يمكنه إرسالها للمهربين في سوريا؛ ليلحق به زوجته وأبناؤه.

حدث ذلك بعد عام وشهرين من وصوله إلى سويسرا، وتمكن من جمع 55 ألف يورو، وبدأت رحلة أسرته الشاقة من سوريا إلى تركيا عن طريق الحدود البرية، ثم استقلوا الباخرة وصولا إلى إيطاليا ثم سويسرا:

"9 أيام ضلوا بالباخرة، كلهم مرضوا، لكن حاليا يعيشون جيدًا، تعلموا وأصبحوا يحملون الجنسية السويسرية".

ويعمل حاجي الآن قياديًا لحزب الاتحاد الديمقراطي في سويسرا، يقول إن مهمته بعض الأنشطة السياسية ومساعدة الأكراد القادمين، الذين سيأتي له منهم بعد أيام بنات عمه وهن "مكتومات القيد".

Garphic-(4)

لم يستطع حاجي السفر بشكل شرعي وقانوني حتى الآن فهو لا يحمل الجنسية السويسرية مثل أبنائه فقط أوراق إقامة، رغم ذلك فهو يزور سوريا أكثر من مرة بطريقة لا يحب الإعلان عنها لكنه وصفها بـ"غير شرعية".

وفي كل مرة يزورها يتمنى لو بقى هناك. يشتهي إعادة ذكرياته التي تتلاشي في الغربة وكأنها أغنية لم يتبقى منها إلا أصداء نغم وبعض الكلمات:

"ما زال بيتي وعائلتي هناك، ليتني أعود مع أسرتي لو استقرت الأمور رغم أن العودة مخاطرة كبيرة".

نهيدة |
أجنبية

Nahda-(1)

أما نهيدة، فكانت ناشطة سياسية هي وزوجها ضمن صفوف الجبهة الوطنية لتحرير كردستان. فالمرأة الكردية بإمكانها المشاركة في العمل السياسي، وتحديدًا توعية النساء بحقوق الأكراد، وهو ما كانت تقوم به نهيدة، رغم أنها غير متعلمة.

تزوجت منذ 45 عاما من حسين محمد، سكنوا مدينة القامشلي، وكُتب في بطاقته الشخصية أنه متزوج من أجنبية (أي لا تحمل الجنسية السورية) تسمي نهيدة.


كان حسين أجنبيا حين تزوجته نهيدة، لكنه حصل على الجنسية مبكرًا عام 1981؛ لأن أعمامه مواطنون وبعد لجوئه لوساطات ودفعه لأموال، حسبما تقول زوجته، وبعد أن حصل عليها أخوه؛ التحق بالجيش السوري واستشهد في لبنان خلال حرب 1982.

عمل حسين موظفًا بسكة القطار، لكنه اعتقل وطرد من وظيفته لنشاطه السياسي، ثم عمل عتالا مثل شقيقي زوجته.


لنهيدة 5 بنات و3 شباب. تزوجوا جميعًا إلا ابنة وحيدة، ودرسوا جميعهم حتى المرحلة الابتدائية، وتطوع أحدهم ضمن صفوف وحدات حماية الشعب التابعة لقوات سوريا الديمقراطية: "شعور جميل أن يكون ابني بذلك المكان. نحن مرفوع رأسنا؛ لأنه يخدم شعبه ويحافظ على أرضنا".

صار أبناء نهيدة مواطنين مثل أبيهم وظلت هي أجنبية. لكن ذلك الوضع بالنسبة لها بالتأكيد أفضل مما سبق:


"أولادي سجلوا بالدفاتر، سجلنا أملاكنا، وصرنا نحصل على المواد التموينية التي يحصل عليها المواطنون".

Garphic-(1)Garphic-(2)Graphic3

أبطال القصة ليسوا من أسرة واحدة، لكنهم يمثلون نماذج تضمها كثير من الأسر الكردية.
جميع الأسماء المذكورة حقيقية.

صور الوثائق الخاصة بأبطال القصة

العودة إلى الجزء الأول

فيديو قد يعجبك: