إعلان

"مزاج أهل كرداسة.. الكبدة الجملي عادة "زباين" و"فاتحة بيوت

05:44 م الأحد 22 ديسمبر 2019

أهل كرداسة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-رنا الجميعي ودعاء الفولي:

أوقف عماد عبدالحميد دراجته النارية أمام محل "أم منى"، الساعة لا تتجاوز الحادية عشر ونصف صباحًا، تعرف السيدة طلبه "رُبع كبدة.. فلفل وطماطم"، جلس في الطرف الآخر من صينية الطعام، بعفوية أمسك بملعقة كبيرة ليقلب الطماطم، ضحك مُوجهًا حديثه لصاحبة الفرشة "بذمتك حد من الزباين بيساعدك غيري؟". في كرداسة لا يُرى بائعي الفول والطعمية إلا قليلا، تتناثر محلات الكبدة الجملي في الشوارع، تستقبل الزبائن من الثامنة صباحًا. لا يهم إذا كان مكان البيع متسعًا أو فرشة صغيرة، طالما اليوم يبدأ بالطعام المُفضل.

يأتي عماد من قرية بني مجدول بالجيزة لأكل الكبدة مرتين أسبوعيًا، ارتفاع سعرها أجبره على تقليص مرات تناولها "الرُبع بخمسة وخمسين جنيه"، رغم ذلك، لا يستغني عنها "اتولدنا لقينا جدودنا بياكلوها الصبح"، يُشير للطبق الموضوع أمامه وأرغفة الخُبز قائلا "بتدي الجسم قوة ومش بتتعب الواحد زي اللحمة".

1

ليست الكبدة فحسب هي العادة القديمة في كرداسة، فالمركز الواقع على بُعد نصف ساعة بالسيارة من أهرامات الجيزة، يعمل جزء من أهله منذ أعوام بعيدة في تفصيل العباءات، والمشغولات اليدوية ومستلزمات التفصيل، حتى أنه عقب ثورة يوليو 1952 تم افتتاح 3 مصانع للنسيج داخلها، وفيما بعد عُرفت ضمن الأماكن التي يزورها السائحون، غير أن حرق قسم شرطة كرداسة في 2013 أثّر سلبًا على سيرة القرية وعدد الزبائن.

لا يعلم أحد متى بدأت مطاعم الكبدة الجملي في الانتشار، كلما سُئل أحد البائعين عن البدايات "احنا طلعنا لقيناها موجودة"، ليست مهنة الرجال، فتواجد السيدات فيها ليس بقليل؛ عند مطلع شارع سعد زغلول بقرية كرداسة كانت أم أحمد، التي تعمل منذ 20 عام، تُنهي عملها لليوم، تُقطع آخر ما تبقى معها من كبدة جملي، صحيح أن الساعة لم تقترب بعد من الثانية ظُهرًا، لكن الكمية التي تحصّلت عليها انتهت، حيث اعتاد البائعون جلب كميات من الكبدة يوميًا "لازم تبقى طازة".

2

بعد وفاة زوجها قررت أم أحمد إعالة بيتها من خلال ذلك المشروع، في المُعتاد تطبخ الكبدة منذ الصباح الباكر وحتى حلول المساء، ولكن هناك أيام عزيزة؛ فبعد منع استيراد الجمال من الخارج "كانت بتيجي جمال من السودان والصومال"، الآن يعتمد البائعون، ومن بينهم أم أحمد، على الجمال البلدي "ودا مخلي السوق مش ماشية أوي".

لم يعد غريبًا على أم أحمد رؤية سيدة جديدة تدخل المجال، فعلى مسافة منها كانت أم منى مُنهمكة في طهي الكبدة "جوزي طلع على المعاش ولازم أكفي البيت، مفيش شغلانة غير دي"، تقول أم منى التي بدأت العمل منذ 15 سنة.

3

في الشارع تستقر عُدّة أم منى، بسبب غلو إيجار المحل "سبته واشتغلت برة" ، تضع أمامها طاولة صغيرة يجتمع عليها الميزان وخشبة التقطيع والسكاكين حادة الأطراف، فيما يقع جوارها أنبوبة البوتجاز وصينية الكبدة التي تُطهى على نار "الشعلة" كما تُسميها، أدوات بسيطة لكنها تُقيم مشروع يكفل أسرتها، وتعاونها فيه ابنتيها.

4

من بين الأدوات الأساسية التي لا يتخلى عنها أي بائع؛ هي الصينية المُقّعرة التي تُطهى عليها الكبدة، تلك الصينية لا يتم شراءها بذلك الشكل، بل يُحوّلها صانعو الألومنيوم في القرية، بينهم عم صبحي النحاس.

في شارع جانبي، كان منزل عم صبحي مفتوحًا على مصراعيه، تظهر من داخله أواني مصنوعة من الألومنيوم، ترامت في أرجاء المكان، بينها استقرت مطرقة خشبية، وفوقها عُلقت صورة قديمة للنحاس رفقة أخيه.

"بشتغل فيها من زمن الزمن، ورثتها عن أبويا وجدي"، لا يتذكر صاحب الـ72 عاما من بدأ فكرة عمل تجويف فيها لطهي الطعام، لكنه يعلم أن المهنة باتت أسوأ مع الوقت "بقى أي حد يشتغل فيها.. لو حد راح للحداد وإداله صنية مستوية هيعملهاله".

5

تغيُّر الزمن أزعج مهنة النحاس "بقى فيه مكن بيعمل اللي كنا بنعمله بإيدينا"، يستخدم والد التسعة أبناء المطرقة الخشبية ليغير شكل الصينية، يشعر بالإرهاق خاصة وأنه مريض بالقلب "وفي الآخر ييجي الزبون يقولي خد خمسة جنيه.. طب وتعب إيدي يبقى ببلاش؟"، يبيع ابن كرداسة مستلزمات منزلية من الألومنيوم، تساعده على تحمل النفقات، يسترجع الزمن الماضي، حين كان يجر عربة مليئة بتلك القطع يوميًا، ويبيعها في كرداسة، ولا يعود للمنزل إلا وقد تناول رُبع كيلو من الكبدة الجملي.

"كنت بشتريه بربع جنيه ولا ملك زماني".. يتحسر النحاس على الوقت الحالي "لا بقى سعر الكبدة ينفعنا ولا اتبقى ناس شغالة في مهنة الألومنيا في كرداسة"، يُحصي عدد الذين أغلقوا محلاتهم فيصل إلى ثمانية "مفضلش غيري أنا وواحد تاني".

"نَفَس الست يسرية مش زي أي حد".. تلك الجملة تُقال كثيرًا، حينما تأتي سيرة أشهر بائعي الكبدة الجملي بكرداسة، داخل السوق بالقرية يُعلن مطعم يسرية عن نفسه، جدران مُلونة تُغير شكل المشهد الشاحب، وأفراد العائلة يتعاونون لتقديم الكبدة إلى الزبون، كما يُضاف إلى المشهد أكواب الشاي الأخضر المميز.

6

بوجه سَمِح تستقبل السيدة أي زائر إليها، اعتادت على زبائن قادمين من أماكن مُختلفة "أنا بقالي 14 سنة شغالة"، ومثل القصة المُعتادة فإن الست يسرية بدأت العمل بعد وفاة زوجها، في البداية واجهها اعتراض أبيها الذي يعمل في الجزارة "قالي أنا ربنا كارمني وأقدر أصرف على ولادك، بس الحياة مش أكل وشرب بس"، سَعت السيدة إلى بناء مستقبل أولادها من خلال مطعم الكبدة.

وبعد ثلاث سنوات من العمل تمكنت من فتح المطعم "كنت الأول بشتغل جمب محل أبويا في الشارع"، جُزء من انجذاب كثيرين لمطعم يسرية هو مُحاولتها الدائمة لإرضاء الزبائن "مدوسش على الزبون، ومبحطش دهن كتير"، وهو ما ضايق بائعون مُنافسون منها "كان حالي هيوقف بسببهم".

"لمة" العائلة جُزء من مطعم يسرية، تساندها شقيقتها وابن عمها، تشتري الكبدة من محل أبيها للجزارة "مفيش حد غريب بينا"، دومًا ما يكون المحل مُزدحمًا بالزبائن لديها، لكن يوم الاثنين يبقى مُختلفًا "عشان السوق عندنا يوم الاتنين فمحدش بيعرف ييجي من زحمة الشارع".

7

على مقربة من بائعي الكبدة في كرداسة، ينتظر علي عاطف قدوم الزبائن. يقف بين الذبائح المعلقة، تعمل عائلته في الجزارة منذ سنوات بعيدة، بات يعلم خباياها "الكبدة محتاجة اهتمام.. لو اللي بيعملها غفل عنها دقيقة ممكن تجمد وتبوظ وبتاخد تقليبة واحدة بس"، يفتح صندوق يحتفظ به بقطع الكبدة، يُخرج إحداها ليقوم بوزنها لأحد الزبائن "لازم تتاكل صابحة كمان.. لو باتت طعمها بيتغير ومينفعش تتحط في التلاجة".

بمجرد النظر، يعرف الشاب العشرين الجمل ذو اللحم الجيد "بس مقدرش أقول جواه كام كيلو كبدة.. ممكن جمل صغير يبقى فيه 20 كيلو"، يُفضل علي لحم الجمال المصري عن غيرها، لكن قرار منع الاستيراد أدى لرفع سعر الكبدة "وصلت 240 جنيه للكيلو"، خاصة مع تزايد الطلب عليها.

8

لا يبيع علي اللحوم الجملي فقط، يطهو الكبدة كباقي أهل كرداسة " فيه صنايعية بتبقى هي فطارهم"، كما يتيح خدمة توصيل الطلبات للمنازل.

لا يعرف أحد بالتحديد عدد البائعين الموجودين في كرداسة، تطهو بعض السيدات الكبدة أمام المنزل، في الشارع الواحد يتجاور الباعة، يتواجدون في الأسواق، أو في مدخل المدينة كحال عمرو أحمد الذي التحق بالمهنة قبل 3 سنوات فقط.

9

كان صاحب الست وعشرين عاما سائقًا "بس اتضايقت من الشغلانة وسيبتها"، لجأ لصديق يساعده في طهي الكبدة وبيعها، صارا يتناوبان على العمل بعد ذلك "ممكن أيام نشتغل 24 ساعة وأيام نفتح ساعتين ونقفل.. حسب رجل الزبون"، بالنسبة لعمرو فالرزق مضمون خاصة أن مكان عمرو على الطريق العام "كل الناس بتعدي علينا، وحتى لو مفيش زبون من برة فأهل البلد بياكلوها كل يوم".

الثانويه العامه وأخبار التعليم

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان