إعلان

"شاب عاش منذ مئة عام".. السينما السودانية تُحرز هدفًا في مهرجان القاهرة

04:02 م الجمعة 29 نوفمبر 2019

فيلم ستموت في العشرين

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-رنا الجميعي:

هي شابّة، رغم أن عُمرها مئة وسبعة أعوام؛ فلا يُوجد في رصيد السينما السودانية سوى سبعة أفلام روائية، ومع أجواء الثورة المسكونة هناك تشقّ طريقها بسرعة، بحماس وقوة تُعافر السينما السودانية لتقول إنها هُنا، وهو ما عبّر عنه السينمائيون الثلاثة خلال ندوة تُحلل ماضي السينما السودانية ومُستقبلها، داخل مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ 41.

كانت أعينهم تفيض بالأمل، جلس أمجد أبو علاء، مخرج فيلم "ستموت في العشرين"، الفائز بجائزة "أسد المستقبل" من مهرجان فنيسيا، بجواره مروى زين مخرجة فيلم "أوفسايد الخرطوم"، وطلال عفيفي، مؤسس مهرجان السودان للسينما المستقلة، في الندوة التي يُديرها الناقد العراقي، عرفان رشيد.

1

كان حديث رشيد بليغًا في مُقدمة الندوة، حيث عبّر بفخر عن نهضة السينما السودانية "مُجرد ما ولدت قالوا ستموت في العشرين، وحينما شبّت وجدوها تتحدث للأشجار، تنبأوا أنها ستُسجل أوفسايد، لكنها أحرزت الهدف"، كان رشيد يُنوّه عن الأفلام السودانية الثلاثة اللاتي أعادت سيرة السودان مُجددًا في الأوساط السينمائية؛ فقد تنقلت تلك الأفلام بين المهرجانات تُكمل مدّ الثورة الذي اجتاح السودان، وهم؛ "ستموت في العشرين"، و"الحديث عن الأشجار"، و"أوفسايد الخرطوم".

في نفس التوقيت الذي يتحدث فيه العالم عن ثورة السودان، فاز فيلم سوداني بجائزة في مهرجان فنيسيا في سبتمبر الماضي، كان التوقيت مُذهلًا، وكأنها كانت تحية للشعب المُنتصر، الفيلم هو "ستموت في العشرين"، وكان أبو علاء يُوجه رسالة عبر الفيلم عن الدولة الشقيقة، مفادها " هو فيلم عن السودان التي كانت واقعة في الفخ".

2

في تاريخ السينما بالسودان، لم يتم إنتاج فيلم سوداني سوى بعد استقلال السودان في 1956، أما ما قبل ذلك فقد كانت أفلامًا غربية يتم إنتاجها في السودان، ويعتبر فيلم "آمال وأحلام" هو أول فيلم روائي طويل، ثم فيلم "شروق" للمخرج أنور هاشم، لذا يعتبر فيلم "ستموت في العشرين" هو الفيلم الثامن في تاريخ السينما السودانية.

في إبريل الماضي عزل الشعب السوداني عمر البشير، بعد 30 سنة داخل السلطة، وقتها كان السودانيون قد قضوا حوالي أربعة أشهر من الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالديمقراطية، وحين ظهر فيلم أبو علاء للعالم الذي كان يحكي فيه قصة طفل حددت نبوءة ما مصير حياته، بالموت في العشرين، وبعد تأويلات كثيرة للفيلم؛ عبّر المخرج عن تصوراته خلال الندوة قائلًا "يمكن أنا كنت بحكي قصتي وقصة السودان في الفيلم، عن السلطة والمجتمع اللي حددوا حياتنا وحاولوا يخلونا جوة الصندوق".

3

ويُذكر أن هناك فيلم آخر يُمثّل السودان خلال العام الحالي، وهو فيلم "الحديث عن الأشجار"، للمخرج صهيب قسم الباري، وقد فاز الفيلم بجوائز من مهرجان برلين وإسطنبول والجونة السينمائي.

أما داخل مهرجان القاهرة السينمائي فهناك مشاركة سودانية وحيدة؛ من خلال الفيلم الوثائقي "أوفسايد الخرطوم"، الفائز بجائزة العمل الأول في مهرجان أيام قرطاج السينمائية، وقد أمدّ الفيلم الجمهور بتفاصيل غزيرة داخل الصورة المأخوذة عن السودان، لتتسع المساحة أكثر، بالحديث عن حال النساء هُناك، من خلال وضع الكرة النسائية بها.

4

تلك التجربة كانت الفيلم الطويل الأول للمخرجة مروى، والتي خاضت العديد من الصعوبات حتى يرى الفيلم النور، فقد كانت المُشكلة الأكبر لدى مروى هو كسب ثقة فتيات فريق الاتحاد السوداني، فما تُريد التقاطه بعدسة كاميرتها –حيث كانت هي المُصورة أيضًا-حساس ودقيق جدًا، استغرقت مروى وقت طويل حتى تكتسب ثقتهم، بحسب ما قالته خلال الندوة.

كانت رحلة صعبة، لكنّها تمكنت من النجاح ذات ليلة قُبض عليها من قِبل السلطات السودانية، بصحبتها الكاميرا تُصوّر بها فتيات كرة القدم، وأضافت تعليقًا في حديثها، قائلة بصرامة وقوة "اليوم دا عرفوا إني زيي زيهم، انتوا مش عارفين تلعبوا كورة وأنا كمان مش عارفة أصور".

بعدما أثبتت السودان أن لديها سينمائيين بحق، كان السؤال الذي يخطر ببال أي مهتم بالسينما هو؛ كيف سيكون مستقبل السينما هناك، خاصة أن دور العرض مُغلقة منذ سنوات، وكما يقول قسم الباري في حواره مع وكالة رويترز "السينما السودانية لا يتطلب فقط صنع أفلام، فمثلًا ليست هناك حركة نقدية، ولا دور عرض أساسًا. النظام السابق سلمنا دولة منهارة".

5

كان ذلك الجزء من الحديث يخص أكثر طلال عفيفي، مؤسس مهرجان السودان للسينما المستقلة في 2010، والذي رأى أن الوضع الآن يحتاج إلى العمل أكثر منه للحديث "احنا كنا في مكان المعارضة وقت حكم البشير، لكن دلوقت احنا في موقع التنفيذ ولازم نتغير في طريقة أسلوبنا، ومحتاجين نعمل حاجات كتير أولها إعادة بناء السينمات".

عام 1924 أنشئت أول دار عرض بالسودان، ووصل عددهم إلى 67 دار عام 1980، لكن بعد الانقلاب العسكري في 1989، انخفض عدد دور العرض حتى وصل إلى سبعة فقط، وتم اهمالهم مع الوقت، لذا لا توجد قاعة سينما مجهزة داخل السودان، ولكن أماكن ثقافية تتيح عرض الأفلام، وهو شيء ليس كافي بالطبع، لكن عبر تلك الأماكن كانت هناك تمردًا يحدث، فقد كانت هي المواقع التي يلجأ إليها العاملون بالسينما لعرض الأفلام.

6

ولا يوجد بالسودان سوى مهرجانان معنيان بالسينما هما؛ مهرجان السودان للسينما المستقلة، ومهرجان خرطوم السينمائي، كذلك توجد مبادرة "سودان فيلم فاكتوري"، المعنية بصناعة الأفلام، بينما لا توجد جهة جامعية تُدرّس السينما، والدراسة تقتصر على معهد فنون مسرحية الذي يحتوي على مادة الدراما-والموجهة أكثر لفن المسرح-ضمن مواده.

ورغم تاريخ السودان الطويل في السينما، لكن عفيفي أوضح عن أن ثمّة فترات فراغ كبيرة في تاريخ السينما هناك "تاريخيًا عملية الإنتاج بدأت عام 1912، لكن فيه فترات فراغ كبيرة"، كما كانت ظروف صناعة السينما داخل السودان صعبة جدًا "فيه تعنّت من السلطات وروتين كتير"، ذلك بجانب العامل النفسي، والذي في رأي طلال هو الأكثر ارهاق، فقد كان صناع الأفلام في عهد البشير يشعرون بالتهديد وعدم الاستقرار طوال الوقت، كما لاقى التمويل من الخارج أزمات أيضَا "عشان توصلنا ميت دولار من أقرب دولة جمبنا بتبقى مشكلة كبيرة".

7

كانت الندوة سبيلًا لحديث من القلب، تكلمت مروى عن إجازات الصيف بالقاهرة، وفرصة مشاهدة السينما التي لا تتاح في السعودية مكان نشأتها، وعن امتنانها للمخرجين الكبار التي عملت جوارهم مثل داوود عبد السيد وخيري بشارة، وحُبها لمخرجة الأفلام التسجيلية عطيات الأبنودي، كذلك كانت الندوة فُرصة يتحدث فيها أبو علاء عن الملامح المتشابهة بينه وبين بطل فيلمه، وعن حُبه للسينما عن طريق أفلام يوسف شاهين، كما وجد عفيفي طريقه للتعبير عن حُبه للمهرجان الذي وُلد على يديه، قائلًا "صحيح أنه مهرجان صغير لكن قلبه كبير".

لازال الجمهور العالمي مُتعطشًا للتجربة السودانية في السينما، ولرؤية حكايات شعبها من خلال الكاميرا، وبجانب تعطش محبي السينما من أنحاء العالم لرؤية أفلام سودانية، فإن الجمهور السوداني نفسه عليه أن يرى السينما، ذلك الفن المُدهش الذي يثري العقول، ويتمرّد على أية حدود.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان