حضانة "الجدة عزة".. مشروع بدأ قبل 20 عامًا واستمر بالحب (صور)
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
كتابة وتصوير - دعاء الفولي:
فوق أريكة قديمة جلست عزة شرف الدين، أمامها منضدة منخفضة وبعض لعب الأطفال، حولهم جلس صغيران، أحدهما أتى للتو للحضانة التي تُديرها عزة وتُدرس فيها، والآخر يتردد عليها منذ أشهر، مدت صاحبة الـ64 عاما يدها لُتريهما آلية المكعبات، تسألهما عن لون إحدى الكُرات الموضوعة فيقولان: "أزرق"، تعاود السؤال باللغة الإنجليزية فيجيبان بطلاقة، تضحك وتنادي مساعدتها وفاء كي تُجهز لهما الطعام، تتكئ الجدة على طرف الأريكة، تقف وتخبرهما بحسم وحنو : "اللي هيخلص أكله هننزل نلعب في الجنينة".
منذ 23 عاما لم تُغلق عزة حضانتها الموجودة في منطقة المعادي بالقاهرة، أحبت التدريس دائما "ومكنتش عايزة أبقى تقليدية". تخرجت في كلية العلوم قسم كيمياء، عملت مُدرسة لفترة قبل أن تترك المهنة "لأني كنت لازم ألتزم بروتين معين للتعليم"، وقتها سمعت الأم لولد وبنت عن مشروع جديد يُسمى "حضانات الأسر المضيفة"، الذي دشّنته وزارة التضامن، وتسمح فيه لمن يرغب بإنشاء حضانة تعليمية داخل منزله "شرط إنه يكون كفؤ وثقة ومقيم في البيت وطبعا الوزارة بتيجي تفتش بشكل دوري".
وقتها عاشت عزة رفقة ابنتها الأصغر، فيما انضم الابن الأكبر لوالده، علمت الأم أن الأمر صعب "التعامل مع الأطفال محتاج موهبة وقدرة على التأقلم مع كل حد فيهم حسب شخصيته"، لكن مشروع عزة لم يكن عاديا، نفضت عن نفسها القواعد التي تُحجم الأطفال، استبدلتها بتفاصيل أكثر دفئا مازالت موجودة؛ لم تُقسم الحضانة لفصول منفصلة "الولاد في مكان واحد ولو فصلناهم بيكونوا في مكان مفتوح قصاد بعض" يُعلمهم ذلك التعامل مع الآخر بسلاسة، فيما لا تستخدم أبدا ما تُسميه "طريقة الكتاتيب" المعتمدة على تلقين الأطفال الحروف وترديدهم إياها "ده بيقتل الإبداع.. بيخلي العيال نُسخ من بعض".
في الصالة المُتسعة بمنزل عزة، أدخلت النوافذ الموجودة ضوء الشمس، لم تحتَج الجدة لإضاءة المصابيح، ارتأت أن ذلك يجعل الأطفال أكثر راحة وهدوءً، تجلس في منتصف المكان فيما يتابع الصغيران الرسوم المتحركة، تُناديهم فيما تُمرر أصابعها على بيانو قديم "كانت بنتي بتتعلم عليه"، تسألهما إذا كان أحدهما يُريد العزف اليوم، فيجيبان بالرفض، تنتظر حتى ينتهيان من الطعام ثم تطلب منهما الجلوس جانبها لتعلم بعض الحروف.
في قوانين حضانة "الأصدقاء"، لا تعني الحرية ألا يتعلم الأطفال شيئا "الفكرة هيتعلموا إيه وإزاي"، تُركز في بعض الأيام على الأحرف العربية، تُشير للوحة على الحائط تضم الحروف وما يعادلها من الكلمات، علّقتها في مستوى منخفض "عشان لما نبدأ الحصة أقول لحد فيهم قوم ورّيني حرف الألف فيتحرك مش قاعد كأنه تمثال"، فيما لديها صندوق آخر يحوي أشياءً مختلفة تستخدمها لتعليمهم كلمات اللغة الإنجليزية.
"فيه أيام تانية بيبقى الولاد معندهمش استعداد لفكرة الحفظ انهاردة خاصة لو صغيرين".. تستعيض عزة حينها بالألعاب التعليمية، تؤمن أن لها بالغ الأثر، تُخرج حقيبة سوداء تحتوي عدة أشكال من المغناطيس، تلهو بها مع الصغيرين الموجودين في الحضانة، يُتقنان بعض الألعاب التي تقوم على قوانين الفيزياء البسيطة، تستطيع صاحبة الـ64 عاما مجاراة الصغار جيدا، ليس فقط لأنه محور دراستها "لأني كمان بحب العلوم جدا"، تحكي بفخر أنها مازالت تساعد حفيدتها البالغة من العُمر 15 عاما في مذاكرة المواد العلمية، تروي عن بعض التلاميذ الأكبر قليلا والذين تلعب معهم أحيانا الشطرنج لتحسين قدراتهم العقلية.
علمت عزة منذ البداية أن مشروعها لن يُدر دخلا كبيرا، مازالت تحصل على مقابل زهيد، فيما تغيرت ظروف العمل للأسوأ على مدار السنوات "كان بيبقى عندي 10 أطفال وأحيانا 15"، بينما لا يزيد العدد الآن عن خمسة صغار "مبقاش فيه رجل على الحضانة أوي.. الناس عايزة الحضانات الحديثة"، حاولت الجدة إغلاق المشروع من قبل "أجّرت الشقة لناس تانية بس مستريحتش.. حسيت إن ربنا مش عايزني أقفل الحضانة".
يُصيب الإحباط عزة بين حين وآخر، تتذكر قول أبنائها: "إيه اللي جابرك على كدة يا ماما؟ اقعدي واستريحي"، فيكون ردها واضحا: "انا بحب اللي بعمله ومش عايزة أقعد في البيت مليش لزمة.. ولو فيه كام طفل بس اتعلموا حاجة هبقى مبسوطة"، تنهض السيدة الستينية فجأة، تُفتش عن ألبوم قديم للصور، احتفظت فيه بذكريات الحضانة "كنت بودي العيال فُسح حلوة كتير"، تُشير لإحدى الصور حيث تُمسك بيد ولد في السادسة من عُمره وشقيقته "دا اسمه مروان.. فضل معايا من وهو عنده سنة لحد ما دخل المدرسة".
ظل مروان على تواصل مع صاحبة الحضانة دائما "وعزمني من فترة على كتب كتابه"، فيما بقي بعض طُلابها يتصلون بها أيضا بعدما كبروا ليطمئنوا عليها، يُشرق وجهها حين تأتي سيرتهم، امتنانهم تجاهها يجعلها تستمر في عملها رغم كل شيء.
في منطقة المعادي، لم تتبق حضانات تابعة لمشروع الأسر المضيفة سوى التي تمتلكها عزة. تذهب السيدة بشكل دوري لمعارض الكُتب المتاحة، تتابع عبر الإنترنت كل جديد لتحاول نقله للأطفال، لا تُحب الاستغناء عن اللعب القديمة، تُعيد تدويرها بشكل مختلف، تُشجع العاملات معها على فتح حضانات إذا توافرت فيهن الكفاءة "فيه 3 من محافظات مختلفة كانوا معايا وبقى عندهم حضانات خاصة"، تُنظم رحلات بسيطة أحيانا للصغار في مدينة ملاهي قريبة من المكان، تتطوع باصطحاب بعض الصغار من بيوتهم للحضانة تخفيفا عن الأهالي، فيما لا تتعنت تجاه المقابل المادي الذي يدفعونه؛ المهم بالنسبة لها ألا تتوقف دورة الحياة في حضانة الأصدقاء.
فيديو قد يعجبك: