"المماليك" في الأباجية.. جولة محفوفة بمحبة الآثار و"المنع"
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
كتبت وتصوير - إشراق أحمد:
مكان واحد يفصل أحمد سعيد عن تحقيق أمنيته "فاضلي منطقة المجاورين وأكمل 40 جولة في القاهرة وأشوف 400 أثر إسلامي تاريخي"، فمع زيارته منطقة الأباجية –شرق العاصمة- في جولة مبادرة المماليك للتعريف بالآثار الإسلامية، الجمعة الماضية، أتم الرجل الثلاثيني 39 جولة منذ عرفت أقدامه طريق صحبة الزيارات الأثرية قبل نحو عامين، إذ أصبح لأيام العطلات مذاق خاص له ولمتابعين جولات "المماليك".
143 تسلسل الجولة التي دعا إليها الباحث في الآثار الإسلامية، يوسف أسامة، لمعرفة ما تضمه منطقة الأباجية التابعة لحي الخليفة من آثار. ذلك المكان المصنف في جولات الباحث الأثري بـ"شيق وفيه حكايات كتير".
من وقت إطلاق مبادرته للتوعية بالتاريخ الإسلامي عبر صفحة فيسبوك باسم "المماليك" في فبراير 2017، ولم يبرح يوسف الطرقات، يُرشد المشاركين في الجولة بما درس ويعكف على قراءته، يريهم ما ألفته العين ولم تألف، لا يحيده عن فعله أي صعوبات تلازمه في كل مرة يصحب فيها جمع لمنطقة تحمل أثرًا، فهذا يمنعه من الدخول، وذاك يحدد له الوقت أو يتهمه بتصيد الإهمال، فمع انتهاء زيارة يرتب لأخرى "مش فلسفة بس اللي عايز يعمل حاجة كويسة بيتحمل أي تعب أو عرقلة. أنا مكمل عشان الناس بتيجي وعايزة تعرف" كذلك يوقن يوسف، ويذكر نفسه قبل أن يهم بالرحلة.
في الميعاد والمكان المحدد عند مسجد "سيدي أحمد بن عطاء الله السكندري" داخل مقابر التونسي، بدأ الجمع يفد مع العاشرة إلا الربع صباحًا، مستعدين لجولة تنتهي مع الثانية ظهرًا.
داخل المسجد الواقع على طريق الأوتوستراد، قبيل كوبري التونسي. كانت البداية مع الرحلة المحفوفة بالمنع؛ فما إن جلس الوافدين وأمامهم يوسف، وأخذ يسرد الحكاية الأولى للمكان وصاحبه، حتى ناداه القائمون على المسجد، مع أول ضغطة لزر كاميرا، ورغم معرفتهم بصاحب مبادرة المماليك، لكنهم طالبوه بحظر التصوير وعدم البقاء لأكثر من 10 دقائق، وقال إمام المسجد "ممنوع التجمعات هنا وأنت عارف"، ذلك في وقت قدوم المزيد من المشاركين.
لم يطل يوسف البقاء وواصل بالخارج، بالمرور على مقام قاضي القضاة تقي الدين القشيري المعروف باسم بن دقيق العيد، وخلوة السيدة نفيسة وقبر طه حسين.
طيلة 4 ساعات يتصدر يوسف الفوج. يمشي الجميع على خطاه، حتى من سبق له خوض التجربة لمرات، أثناء السير يموج المشاركون مع بعضهم البعض، نحو 30 شخصًا متنوعي التخصص، يجمعهم حب الآثار والتاريخ، ولا يفرقهم تباين العمر.
مختلف الأعمار حاضرة، تمسك سارة ذات الست أعوام بيد والدتها زينب، للمرة الرابعة تصحب الأم الثلاثينية "المماليك" حبًا في رؤية أماكن جديدة، فيما أصبح اليوم لابنتها "فسحة" خارج المنزل، تعقد فيه اتفاق مع والدتها مقابل الشعور بالملل والمشقة "اليوم ده بوديها تاكل بره وتجيب اللي حاباه".
مسجد السادة الوفائية. وجهة أخرى في مسار الأباجية تعسر دخولها. تشير الساعة للحادية عشر صباحًا، أوشكت صلاة الجمعة أن تقام، يتقدم الجمع نحو الساحة الخارجية للمقام الأثري المغلق. يخرج العامل في المكان والساكن جواره، يصيح موجهًا حديثه ليوسف "مش هفتح.. كل شوية تجيب ناس يتفرجوا. أنتوا مش جايين تزوروا أنتم جايين تتفرجوا وتصوروا وتمشوا".
ارتبك يوسف أمام غضب الرجل، فيما تولى القدامى في الزيارات الحديث إلى "عم أحمد" الذي سمح بالدخول أخيرًا شريط عدم التصوير والخروج سريعًا، فيما ظل كالرقيب بينما يتحدث الصحبة لنحو ربع الساعة عن أصحاب المسجد وفارق العمارة فيه عن غيره من الجوامع المبنية في الحقب الفاطمية والعثمانية.
"لازم يكون في تصريح من وزارة الآثار، هم عارفينه ولما بينزل صور على صفحته إحنا بنتأذي" لا يهتم "عم أحمد" خادم مسجد السادة الوفائية بما سوف يفعله الجمع بقدر "الروتين" والعواقب التي تعود عليه، فيما يؤكد يوسف أنه لا يوجد ما يُسمى بتصريح لدخول مكان أثرى موضوع على خريطة الأماكن السياحة، بل تذكرة وموظف تابع لوزارة الآثار يُنظم تلك الأمور.
لم يكن يتعرض يوسف لمثل هذه المواقف وقت جولاته الفردية وفي بداية توسعه بعد نجاح مساره الأول "شرحت لأصدقائي وهم اللي شجعوني أني أكرر الموضوع ومع أول جولة كان في 50 واحد من معارف صحابي"، فبدأت الصعاب مع الشهرة التي بلغت تكريم اتحاد الأثريين العرب لجهوده في التعريف بالأثار مطلع الشهر الجاري "مقابل أن الناس عرفتني أكتر وبقت تيجي. بقى في ناس تتعمد تمنعني.. يا ريت حتى بشكل رسمي".
تنطلق الصحبة مرة أخرى في براح، يتحدث الزائرون الأوائل مع المستجدين في الجولة، يتبادلون المعلومات الإنسانية والمعرفية، فمع السير ينبت الود، وهو ما لاقاه محمود متولي قبل عامين في أحمد سعيد، صاحب البشرة السمراء ومندوب مبيعات في شركة آيس كريم "من الناس اللي عرفتهم من الجولات، مع أني كنت مستغرب في البداية من فكرة الخروج مع ناس معرفهاش". أصبح يوم الزيارات الأثرية "مقدسًا" لمتولي، موظف وزارة الثقافة، خاصة لتطوعه في التنظيم.
بين طرقات تمتد على جانبيها أحواش المقابر، تدور الأعين على التفاصيل، تنبهر فاطمة عبد المحسن لما تراه "مشوفتش مقابر بالنضافة والرقي ده وفيها أماكن كتير أثرية". تخلت أسرة فاطمة عن وجهتها الأسبوعية إلى النادي مع الأبناء، علي ويوسف ورقية، واستجابت لاقتراح زوجها الصيدلي مصطفى الدرديلي بالذهاب إلى الأباجية "من 3 شهور عرفت الصفحة ولقيت يوسف شاب عنده معلومات غزيرة وبيعمل ده بمجهود فردي".
أراد الدرديلي أن يمنح أولاده مصدرًا حياً لاستقبال التاريخ غير حبه لذلك التخصص "مكنتش عايز أكون صاحب الرؤية الوحيد. يجوز قصة من القصص اللي بتتحكي تأثر فيهم وتلهمهم".
يزيد عدد السائرين في الجولة بمرور الوقت، يتصل أحدهم بالمنظمين وينضم إلى مكانهم، مثل إيناس عدلي، فاتها الوجهة التي من أجلها قررت المجيء من المطرية إلى حي الخليفة "كنت عايزة أعرف عن مسجد سيدي بن عطاء الله السكندري"، تفضل ذات السابعة والثلاثين ربيعًا مثل هذه الجولات بعدما خاضت التجربة وحدها لسنوات "كنت بروح المساجد المعروفة لكن في حاجات مش عارفاها ومعرفش اروحها ازاي"، لذلك عزمت أن تعود لنقطة البداية بعد انتهاء المسار.
لكل من المشاركين هدفًا من المجيء؛ يكرر سعيد ومحمود زيارتهم، يجد الأخير في الجولة إضافة "بتعرف على ناس وبزود معلومة كانت ناقصاني ممكن مكنتش شوفتها في الجولات اللي قبل كده"، وكذلك سعيد، يذكر سبيل سليمان أغا "مأخدتش بالي منه في المرة اللي فاتت"، فيما تعلق قلب إيناس بالمساجد دفعها لمصاحبة "المماليك" هذه المرة، أما أكثرهم معرفة أبو العلا خليل ما كان ليفوت زيارة إلى المقابر "محدش يعرف منحة المعرفة هتيجي امتى".
كأنما في حصة دراسية خاصة، ما إن يشرح يوسف حتى يتعمد يربط الحكايات ببعضها، يوجه حديثه للقدامى في الزيارات، يسألهم عما سبق أن عرفوه في الجولات من أسماء مساجد أو صوفيين، فيما يتابع جمع الجالسين، يلتفت لأحدهم إن انشغل عن السمع، ويدفع المستجدين للمشاركة.
لم تنته الجولة بعد، يندهش الكثير لرؤية مسجد شاهين الخلوتي المتواجد في قلب جبل المقطم، يتسأل أحد الحضور بينما يمد عنقها لأعلى "هو أحنا هنصلي الجمعة هنا؟"، يجاريه أحدهم مبتسمًاـ، فيعرف الشاب أن ذلك لن يحدث ويقول "تمام لو حد هينزلنا السبْتّ نطلع ماشي"، ويمضي الجميع في سيرهم نحو نقطة أخرى.
يتوقف الجمع للاستراحة وصلاة الجمعة، وبعدها تأتي منحة ورؤية الجانب الآخر لمن يلتقوا في المسار، ففي مسجد عمر بن الفارض، وجدوا الترحيب وحسن الضيافة، البراح والراحة، مما أتاح ليوسف فرصة تقديم أصحاب الخبرة؛ ترك الشاب متسع في الجلسة لأبو العلا، الرجل الستيني صديق الجولات، من عُرف بين الزائرين بعشق الترحال إلى الأماكن الأثرية، فينصت الجمع كبارًا وصغارًا، يدون أحدهم في دفتره ويحفظ آخرون.
"ده مش جديد على طول بنشوف النوعين من الناس" يقول سعيد، بينما يوضح أنه في الجولات التقوا مفتشين أثار رحبوا بتواجدهم وأخرون استاءوا، ذلك رغم ما تمتع به يوسف من انتشار بالظهور في الإعلام ونشر العديد من المقاطع المصورة التي يتابعها أكثر من 600 ألف شخص على صفحته "المماليك".
تنقضي الساعات وتنتهي الجولة مع رؤية مسجد اللؤلؤة، ومشهد "أخوة يوسف"، ليعلم المشاركون أنه رمز أثري ذي تراث معماري فريد أقيم بعدما أبصر أحدهم في الحلم رؤية لأشقاء سيدنا يوسف، لتكون آخر نقاط المنع، إذ استوقفهم شاب من سكان المنطقة أحدث جلبة توقفت بعد التواصل مع "المعلم" كما يصفه.
مع الثانية ظهرًا تفرق الجمع، ليعود كلا لأدراجه، غادروا وفي نفس البعض شيئًا من التمني، يود الصيدلي مصطفى أن تصبح الجولة أكثر تنظيمًا، فيما يرغب سعيد أن يتغير مفهوم حماية الآثار "نحافظ عليها مش معناها نقفلها لكن نعرف الناس بيها"، لهذا يأمل أن يتسع مدى الزيارات "نفسي توصل للشباب الصغيرين والناس اللي حوالين الأثر يعرفوا يحافظوا عليه" يقولها بينما ينظر تجاه مسجد "الخلوتي" البادي في قمة الجبل، ممتنا للجولة التي أجابت تساؤله عن ذلك المكان الذي رآه لأول مرة وهو في الصف الابتدائي.
فيديو قد يعجبك: