لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

تمثال "نجيب محفوظ" وأصابع قابلة للأكل.. كيف حوّل أحمد عبد الفتاح النحت لحقيقة؟

01:28 م الأحد 06 يناير 2019

تمثال نجيب محفوظ

كتبت-دعاء الفولي:

عقب ثورة يناير 2011، اتخذ الفنان التشكيلي، أحمد عبد الفتاح، قرارا يتناسب مع المرحلة؛ بدأ العمل على نوع مختلف من النحت، يُسمّى "الهايبر رياليزم"، يصنع فيه تماثيلا تُشبه البشر تماما، ورغم أن المُدرس السابق بكلية الفنون الجميلة، لم يُجرّب ذلك الفن إلا مرّات قليلة، إلا أنه سلك طريقه منذ ذلك الحين، لا ينافسه فيه تقريبا أحد داخل مصر.

قبل يومين، نشر أحد أصدقاء عبدالفتاح على موقع فيسبوك صورا لتمثال الأديب الراحل نجيب محفوظ، كان عبدالفتاح قد انتهى من صناعته للتوّ. على أحد المقاعد وُضع التمثال بالحجم الطبيعي، بينما تكسوه نفس الملابس والشعر وحتى النظارات.

ما أن مرت ساعات قليلة، حتى انتشرت صور التمثال عبر موقع التواصل بشكل كبير "اتخضيت من ردود الفعل الواسعة" كما يحكي عبدالفتاح، استقبل تعليقات جيدة، شعر أن العناء لم يذهب هباءً "خاصة إن التمثال أخد شهر شغل".

صورة 1

فكرة التمثال كانت تجريبية، أراد عبدالفتاح ومجموعة من المهتمين معرفة لأي مدى يمكن تجسيد الشخصيات العامة المصرية بطريقة "الهايبر رياليزم"، واضعين أمام أعينهم متحف "مدام توسو" في بريطانيا، والذي يضم مجسدات لشخصيات عالمية متنوعة.

العمل على تمثال محفوظ لم يكن يسيرا، لكن عبدالفتاح برع في التعامل مع ذلك الفن منذ عام 2011، مستخدما مكونات لا يتم الاستعانة بها عادة "النحاتين غالبا بيستخدموا الجبس أو الخشب والحجر والجرانيت وغيرهم، كل ده مبينفعش"، لذا تعين عليه التعامل مع مكوّنات أخرى "أهمها البوليستر والسيليكون".

تكمن تقنية "الهايبر رياليزم" في استخدام خامات بها نسبة مرتفعة من الشفافية، لتُشبه جلد الإنسان ويمكن تشكيلها، لذلك قديما تم استخدام الشمع "بس دة مينفعش أوي في مصر عشان درجات الحرارة"، لذا اعتمد عبد الفتاح على البوليستر الذي يتم إضافة المواد له ليصبح أقرب للعجين ثم يُشكل، لكن الأمر ليس بتلك السهولة "النوع ده من الفن بيخلي اللي شغال يدخل في حاجات تانية كتيرة ومعقدة زي الشكل التشريحي للإنسان والمكياج والإكسسوارات".

صورة 2

خلال العمل، اكتشف النحّات عوائق أخرى "زي إن مينفعش نلبس التمثال باروكة"، فالشعر المستعار الموجود يُمكن تركيبه لإنسان لكن لتمثال من ذلك النوع "لازم نحط خصلة خصلة من الشعر"، لا يقتصر الأمر على ذلك، ففن "الهايبر رياليزم" يُعرض على الجمهور دون حواجز "يعني مفيش كاميرات ممكن تحسن جودة التمثال، فلازم يطلع طبيعي جدا"، كما يروي عبدالفتاح.

حتى عام 2010، كان عبدالفتاح مُدرسا في كلية الفنون الجميلة، لكنه أقام ثورة قبل تظاهرات يناير "قدمت استقالتي من الكلية وقررت أشتغل بشكل حر"، ثم جاءت الثورة الشعبية فأخذت بيده لمزيد من التمرد، حتى أن المعرض الأول الذي نفّذه كان عقب تنحي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بأشهر قليلة.

داخل مركز سعد زغلول الثقافي بوسط البلد، وضع عبدالفتاح عمله الأول للجمهور "كان بني آدم نايم في تابوت وبرأس حمار"، أراد النحّات التعبير عن امتنانه للثورة "إن الناس قبلها كانوا مغيبين ومُنساقين والتابوت عشان أقول إن كل ده خلص ومش هيتضحك عليهم تاني"، كاد الخوف من ردود الفعل يُفسد فرحة عبدالفتاح بتجربته الأولى، لكن ما حدث أثلج قلبه.

صورة 3

"مش ناسي لما اتنين من عمال الأمن في المركز راحوا يتفرجوا على الشغل وكانوا مبهورين بيه"، دائما ما عرف أن آفة الفن تعاليه على الجمهور، غير أنه اكتشف ذلك اليوم أن "الهايبر رياليزم" رُبما يقربه من قلوبهم وأعينهم.

ثورة عبدالفتاح لم يكن لها حدود، لكنها كلّفته الكثير، أدرك أن ما يفعله نادر "بالتالي التسويق له صعب"، كما أن التقييم من قبل المتخصصين ليس يسيرا "عشان مش بتنافس حد فبالتالي حتى العرض والطلب عليه صعب يتحسم"، إلا أن الفنان التشكيلي استمر في طريقه، افتتح معرضه الثاني، مبتكرا طُرق جديدة للتواصل مع الجمهور.

صورة 4

منضدة تُشبه الموجودة في المطاعم الشعبية، عليها عدة أطباق، يحوي أحدها وجه إنسان كامل، والآخر يغطيه الأصابع والآذان المصنوعة من الجيلاتين القابل للأكل "الناس كانت بتدخل تاخد صباح تاكله بعد ما تتفرج عليه"، يضحك عبد الفتاح قائلا إن "سوبر ماركت" هو اسم المعرض الثاني له، أراد من خلاله أن يوضح كيف تحول الإنسان إلى سلعة ُتباع وتُشترى في ظل وحشية المبدأ الاستهلاكي.

العمل على ذلك المعرض كان ممتعا، بحث الفنان التشكيلي عن مواد قابلة للأكل يمكن تشكيلها فنيا "استخدمت الجيلاتين ونكهة الفراولة عشان تدي طعم.. قعدت أسبوعين أطبخ وأجرب"، أتت التجربة بثمارها في النهاية "الناس تفاعلت مع المعرض مش مجرد شافوه من ورا إزاز ومشيوا".

 

يخوض عبدالفتاح تحديات أكبر كل فترة، يُصقل موهبته، يتّبع فنه أينما يصحبه، يبحث عن الجديد "الفترة دي بجرب أشتغل هايبر رياليزم بس بالبرونز"، ينتظر المُدرس السابق فرصا أكثر لعرض أعماله، متمنيا ألا يكون تمثال نجيب محفوظ الأخير.

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان