معرض الكتاب بدون "سور الأزبكية".. وباعة "النبي دانيال": حرمونا من عيدنا
كتب- أحمد شعبان
على مدى 20 عامًا، ظلّ "حسين حمدي" يحمل بضاعته، من كتب قديمة ومجلات نادرة، آتيًا من شارع "النبي دانيال" بالإسكندرية إلى القاهرة، يشارك بفَرحة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، في شهر يناير من كل عام.
يستعد جيدًا طوال السنة لليوم الذي يعرض فيه كتبه أمام زوار المعرض، لذا حين أتاه خبر عدم مشاركة تجار "سور الأزبكية" في المعرض هذا العام، مسّه حزن كبير، ارتفع ضغط دمّه، وتحسّر على كتبه ومجلاته "جبت بضاعة بأكتر من 200 ألف جنيه بس خلاص يعوّض علينا ربنا".
عاش الرجل الخمسيني، منذ صغره، بين الكتب القديمة، ألفها فصار منها وصارت منه، ورثَ مهنة تجارتها عن أبيه وجدّه، قبل 50 عامًا، استكمل الطريق واعتاد هو وحوالي 12 بائعًا آخر في شارع "النبي دانيال"، من بين خمسين بائع كتب يضمهم الشارع الشهير، أن يشاركوا في معرض الكتاب.
خيّبت آمالهم ما وصفوه "بالشروط المجحفة" التي وضعتها الهيئة العامة للكتاب، برئاسة الدكتور هيثم الحاج علي، واتحاد الناشرين برئاسة الدكتور سعيد عبده، لمشاركة تجار "سور الأزبكية" في المعرض، فما كان منهم إلا أن قدّموا مذكّرة جماعية للاعتذار عن المشاركة في النسخة الخمسين المقرر انطلاقها في 23 يناير الجاري.
في الأيام الماضية، حفلت الصحف والقنوات التليفزيونية بتصريحات عدة لـ"الحاج علي" و"عبده"، تحدثا عن أسباب استبعاد باعة الكتب القديمة، منها إصرار تجار السور على المشاركة بكامل عددهم 108 مكتبات، بالرغم من قلة الأجنحة في المعرض بعد انتقاله لمقره الجديد في أرض المعارض الجديدة بالتجمّع الخامس، ما يجعل مشاركتهم تقتصر على حوالي 33 بائعًا فقط، وذلك بعد أن أعلن اتحاد الناشرين أنه المنوط به اعتماد مشاركة التجار بعد فحص الطلبات التي قدموها، لتحديد ما إذا كان أحد منهم يعمل بالكتب المزورة، وقال رئيس اتحاد الناشرين إن المعرض مجهّز بأحدث التقنيات والصالات المكيّفة وبالتالي ذهبت أولوية الحصول على أماكن العرض للناشرين وليس باعة الكتب القديمة.
في البداية، رضخ بائعو السور لمطالب الهيئة العامة للكتاب واتحاد الناشرين، ووافقوا على نقل الكتب فقط للمعرض، وتأجير الأرفف والطاولات والكراسي مقابل مبالغ مالية، وكذلك وافقوا على تأجير متر العرض لكل مكتبة من السور مقابل 1200 جنيه، على الرغم من أن الهيئة تؤجر المتر بـ950 جنيها لمكتبات اتحاد الناشرين، حسب حربي محسب، بائع بسور الأزبكية، غير أن الشرط الخاص بمشاركة 33 بائعًا فقط من أصل 108، رفضوه بشكلٍ قاطع.
لسنوات طويلة، ظلّ باعة الكتب القديمة رمزًا من رموز معرض القاهرة الدولي للكتاب، جزءًا من هوّيته، يأتون من أماكن عدة في مصر، من سور الأزبكية بالعتبة، وسور السيدة زينب، ومن شارع "النبي دانيال" في الإسكندرية، ومن طنطا، ومحافظات أخرى، أضحوا ملجأ لكثيرين، وجهةً للباحثين عن النوادر، لا تكتمل زيارة المعرض إلا بهم، وبينما أقام باعة سور الأزبكية بالعتبة في القاهرة مهرجانًا لبيع الكتب، في الفترة من 15 يناير الجاري إلى 15 فبراير القادم ، كردٍّ على عدم مشاركتهم في المعرض، يبدو مصير باعة شارع "النبي دانيال" وغيرها مجهولًا.
الحاج حسين سالمان، رئيس جمعية "النبي دانيال" للكتاب المستعمل، يقول إنه رفض و4 من باعة الشارع، وآخرون من باعة سور الأزبكية بالعتبة والسيدة زينب، دخول المعرض "ويبقى المنظر إن فيه سور أزبكية وخلاص"، اتفقوا جميعًا "يا ندخل كلنا زي كل سنة يا بلاش".
وأضاف أن باعة الكتب حالتهم المعيشية متوسطة، بعضهم اقترض مالًا ليشتري بضاعة يشارك بها في المعرض، وآخرون يعوّلون على عائد البيع لسداد التزاماتهم وتدبير احتياجات أسرهم، كذا كل مكتبة يعمل بها من 4 إلى 6 أفراد طوال فترة المعرض، سيتأثرون جراء عدم المشاركة "المعرض بالنسبة لنا العيد بتاعنا، حرمونا منه وبيوت كتير مفتوحة حالها اتوقف كده".
في رأي صاحب الـ53 عامًا، فإن الهيئة العامة للكتاب "تواطأت" مع اتحاد الناشرين على حساب باعة "سور الأزبكية"، يُرجع ذلك إلى أن السور وجهة كثيرين من زوّار المعرض، فهو يعجّ بالكتب والمجلات النادرة بأسعار زهيدة، تجذب القراء خاصة بعد الزيادات في أسعار الكتب في العامين الماضيين "احنا منافسين ليهم منافسة قوية جدًا واستبعدونا لأغراض شخصية!، احنا شباك المعرض والقاريء بييجي عندنا"، يبدي دهشته من اتهامهم بتزوير الكتب، فهو يشارك في المعرض منذ سنوات، ويعمل فقط في الكتب القديمة والمستعملة والمجلات والدوريات "لو فيه قلة بتزور عاقبهم عندك رقابة ومصنّفات لكن متمنعش الكل، ليه تاخدني بخطأ غيري".
فيما يقول "حمدي سليم"، بائع آخر بشارع "النبي دانيال"، إن اتفاقًا جرى بينهم وبين سعيد عبده، رئيس اتحاد الناشرين، بخصوص الكتب المزورة، بحيث تغلق مكتبة من يبيعها، ويُحرم من دخول المعرض لمدة 4 سنوات، ويضيف أنهم يعملون في تجارة الكتب القديمة والنادرة فقط، كذا تزوير الكتب غير قاصر على بائعي "سور الأزبكية"، إنما هناك دور نشر، لم يسمّها، تفعل الشيء نفسه، وبالرغم من ذلك تشارك في معرض الكتاب، وفق ما زعم.
لم يفاجأ حمدي، 40 عامًا، بأزمة بائعي السور هذه الدورة، بالنسبة إليه فإن هناك عداءً تجاههم من قبل القائمين على المعرض، يزداد عامًا تلو آخر "استبعادنا بشروط مُجحفة مقصود وليه توابع من سنين"، فيما يبدي اندهاشه قائلًا إنه من المفترض أن يكون هناك تسهيلات لبائعي السور "المُلتزمين" في معرض القاهرة، غير أنهم وجدوا صعوبة وتعنّتا من قبل القائمين على المعرض هذه الدورة، وذلك على عكس التسهيلات التي تتمتّع بها دور النشر، حسب قوله.
منذ عام 1996، يشارك حمدي، بمكتبتين في المعرض، استأجر العام قبل الماضي مساحة 18 مترًا لكل مكتبة دفع على إثر ذلك مبلغ 5 آلاف و500 جنيه لكل منها، زاد العام الماضي ووصلت تكلفة استئجار المكتبة الواحدة لـ8 آلاف و500 جنيه، فيما أبدى استغرابه حين علم أن المبلغ ارتفع ليصل هذا العام إلى 42 ألف جنيه للمكتبتين بنفس المساحة.
الهيئة ترد
بدوره، نفى هيثم الحاج علي، رئيس الهيئة العامة للكتاب ما تردد حول "منع" مكتبات سور الأزبكية من المشاركة في دورة هذا العام. وقال إن عزوف باعة السور يرجع إلى رفضهم الموافقة على شروط وضوابط المشاركة في المعرض، الذي أعلن عن تفاصيل دورته الخمسين في مؤتمر صحفي أقيم قبل عشرة أيام.
"إدارة معرض الكتاب وضعت قواعدًا جديدة هذا العام، حتى يكون المعرض أكثر تنظيمًا، ولكي يواكب المعارض العالمية، ما أدى إلى خفض المساحات المخصصة لسور الأزبكية، والتجار أصرّوا على المشاركة بكامل عددهم، ولم نستطع توفير سوى 33 جناحًا فقط"، على ما ذكر "الحاج علي".
بشكلٍ خاص؛ استعدّ باعة الكتب القديمة للدورة الخمسين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، يقول حسين سالمان "كنا عاملين تخفيضات كبيرة وعروض وهدايا كتير لكن للأسف هم مش عاوزين"، لذا يبحث بائعو "النبي دانيال" إقامة مهرجان للكتب، أسوة برفاقهم في سور الأزبكية بالعتبة، حتى لا يُحرم الباحثون والطلبة والقراء من اقتناء ما يحتاجون، وذلك في الفترة من الخميس 24 يناير الجاري وحتى 15 فبراير المُقبل.
يحاول الرجل جاهدًا إقناع جميع باعة كتب "النبي دانيال" للمشاركة في المهرجان، غير أن قلة عدد التجار السكندريين تصعّب مهمته "بيشارك في المعرض 12 تاجرا فقط من حوالي 50 وده رقم قليل مقارنة بتجار العتبة والسيدة زينب"، فيما يأمل أن يقام المهرجان ويشارك به كل الباعة.
لا مقارنة بين إقامة مهرجان موازٍ لمعرض الكتاب، وبين المشاركة بالمعرض، يدرك الباعة ذلك جيدًا، يعرفون أنهم سيفتقدون قراء يأتون من جميع محافظات مصر والدول العربية، لكن ليس أمامهم حلا آخر "ده مش تعويض ولكنه اجتهاد في مقابل القرار الجائر اللي صدر"، يقول حمدي، ويشير إلى أنهم سيروجون لمهرجانهم بالملصقات الدعائية في شوارع الإسكندرية وعبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي "بننسق برضه مع تجار سور الأزبكية وبندعم بعض كلنا"، ورغم إدراكه للخسارة الواقعة عليهم إلا أنه يرى ميزة لذلك، هي توفير الكتب النادرة التي لا تتوافر لسكان الإسكندرية والمدن المجاورة لها في الأيام العادية، وكانوا يختصون بها زائر معرض القاهرة فقط " كنا بنسافر بالكتب وبنحرم القارئ السكندري من الكتب لأن المساحة عندنا مكنتش بتسمح بعرض كل حاجة وكمان هنوفر عليهم المشوار والسفر، وهنعمل عروض احتفاءً بالقارئ السكندري"، كذلك يفكرون في إقامة مهرجان آخر للكتب في الإجازة الصيفية.
يبحث الباعة عمل تخفيضات تصل إلى 30% على أسعار الكتب الزهيدة أصلًا، كذا يقول حمدي سليم إن زائر المهرجان، حال إقامته، سيجد كتبًا جديدة كل يوم، في مجالات عدة، فالمخزون لديهم كبير، ومساحة العرض قليلة، لذا سيوزعون ما لديهم على مدار أيام المهرجان، يراها فرصة للباحثين، ويؤكد أن كل قارئ وباحث سيجد ما يريد وأكثر.
بينما يقلل "حمدي حسين" من فرص نجاح المهرجان بشارع النبي دانيال، حال إقامته، على عكس مهرجان العتبة "احنا معندناش مكان مقفول زي العتبة والعربيات رايحة جاية في الشارع"، كذلك أحوال الجو غير مستقرة في المدينة الساحلية تعد عائقًا، فيما يشير "محمد عواد"، 28 عامًا، بائع بـ"النبي دانيال"، إلى أنهم قد يجدوا صعوبة في الحصول على موافقة من رئاسة الحي والمحافظة، ويتمنى تسهيل ذلك.
لا تقتصر خسائر باعة الكتب بشارع النبي دانيال على الجانب المادي فقط، سيفتقد الباعة، فرحة المشاركة في اليوبيل الذهبي للمعرض، الاحتكاك بالزوار من مختلف العالم العربي، تبادل الخبرات والثقافات، لقاء زبائنهم الدائمين، مساعدة قارئ أو باحث أو طالب على إيجاد ما يبحث عنه بسعر مخفّض، "احنا بنساهم في بناء أجيال، عايزين نبني مش نهدّ، بنخدم الباحثين وبنقترح عليهم الكتب، الموضوع بالنسبة لنا مش مكسب وربح وبيزنس وخلاص"، يقول رئيس جمعية النبي دانيال للكتاب المستعمل، فيما يتمنى أن يكون هناك "مسئول خايف على البلد وعارف يعني إيه ثقافة، ويعني إيه سوق النبي دانيال للكتب، لكن للأسف هم ناسيين كل حاجة".
"كنت عامل حسابي إني هجوّز ابني بعد المعرض" قالها حمدي حسين، قبل أن يضيف بحزن بالغ أنه اعتقد أن يكون باعة الكتب القديمة هم "واجهة" المعرض في يوبيله الذهبي، ولكن "اعتبرونا جرثومة لازم يتخلصوا منها، الفقراء ملهمش حظ وحقنا عند الله".
فيديو قد يعجبك: