كيف يرى "توانسة مصر" جدل "المساواة في الإرث"؟
كتب- عبدالرحمن السيد:
منذ أن سمع بمقترحات قانون المساواة بين الرجل والمرأة الذي تقدمت به لجنة الحريات الفردية التونسية إلى البرلمان في بلده تونس خلال أوائل الشهر الحالي، لم ينفك بلال الصاوي الذي يمتلك إحدى شركات التسويق العقاري بمصر منذ 8 أعوام، من مناقشة الأصدقاء والمعارف من الجالية التونسية المقيمة في مصر، بشأن تلك القوانين وكيفية ومدى تأثيرها في المجتمع.
لا يجد التونسي صاحب الـ25 عاما مشكلة كبيرة في تلك القرارات، وخاصة ما يتعلق منها بضمان حق المرأة وحفظ مكانتها في المجتمع "المرأة لها حقوق، ومنها إنها مينفعش تضرب، الكل أكيد موافق عليه".
أما بالنسبة لمساواة المرأة بالرجل في الإرث، فرغم اقتناعه بأنه شيء مخالف للشرع والتعاليم الإسلامية، إلا أن "الصاوي" يرى فيه ما يواكب المجتمع العصري بحداثته "بعيدًا عن الدين، ده مناسب للوضع اللي العالم العربي فيه حاليًا".
غير أن ما يجده الصاوي ثقيلًا على نفسه أن تتقبله هو فكرة زواج المرأة المسلمة من غير المسلم، بالنسبة له هو مبدأ مرفوض تمامًا لما يترتب عليه من مشكلات عديدة منها تخالط في الأنساب غير مرحب به، بحسب رأيه.
مساواة الإرث بين المرأة والرجل، وزواج المرأة المسلمة من غير المسلم، هما من ضمن مقترحات عدة تضمنها مشروع قانون طرحه لجنة الحريات في تونس وأيدها الرئيس التونسي باجي قايد السبسي ودعا إليها في خطابه بمناسبة العيد الوطني للمرأة التونسية، وسيتم عرضها على مجلس النواب للتصويت خلال أيام. منها أيضًا قوانين حماية المعتقدات الدينية والحريات الشخصية والتوجهات الجنسية لبعض الناس.
يرى محمد بن علي -"ممثل التوانسة" كما يطلق عليه موظفي السفارة التونسية بمصر- صاحب شركة تصدير إكسسوارات ملابس، أنه من الطبيعي طرح قوانين غريبة على الساحة التونسية طبقًا لطبيعة تونس الديموقراطية وحرية طرح الآراء "عرفت تونس منذ الاستقلال وحتى قبل الاستقلال بطرحها لمواضيع الحريات الشخصية، ومجلة الأحوال الشخصية خير دليل على ذلك". يبقى موضوع الطرح ذاته هو محل الاختلاف بالنسبة له.
يوضح الرجل الخمسيني أن رأيه الشخصي حول الأمور دائما ما يستند إلى مرجعية دينية أولًا دون التغاضي عن القوانين المدنية إن كانت في المصلحة العامة ولا تتعارض مع الشرع بحكم الخبرة التي اكتسبها في سنوات عمره، التي قضى 10 أعوام منها بمصر.
"أنا دون أدنى شك أعارض وبشدة تغيير القانون للمساواة في الإرث"، هكذا عبر "بن علي" عن عدم موافقته على الخروج عن النص الديني بهذا الشكل كما يصفه، لكن تبقى دائما حرية الاختيار هي الأساس بحسب بن علي.
مع ذلك يعتقد أنه في حالة تمت الموافقة على القانون - وهو ما يستبعده تمامًا- فسيكون له دور إيجابي في المجتمع بشكله الجديد مادامت كل الأطراف في العائلة متفقة.
وأبدى "بن علي" اعتراضه على زواج المسلمة بغير المسلم، ووضع قانون يحمي المثليين في ممارساتهم "أن يكون مثليًا هو حر، لكن الجهر بذلك يجب أن يعاقب عليه القانون"، لكن اذا تعارض القانون مع الدين، كما يقول فلابد من فض الاختلاف وترجيح الشرع "بحكم أننا دولة اسلامية". يقول "المجتمع التونسي متجانس تمامًا رغم تعدد الآراء واختلافها من النقيض للنقيض"، مؤكدًا أنه سواء تم التصويت أم لا لن يغير شيئا في المجتمع التونسي.
يتعجب بن علي من الصدى الواسع الذي أخذته القضية، ويرى أن المجتمع التونسي عنده من القضايا كمقاومة الإرهاب ودعم الاقتصاد، ما يهمه أكثر من أن يتقاسم الأخ وأخته الإرث أو لا، "دا نص المجتمع يتوفى ولا يترك ميراثا إلا منحة الوفاة أو التقاعد".
يستشهد "بن علي" بمسيرتين حدثتا في تونس العاصمة، واحدة تؤيد القوانين وأخري ترفض، لم يكن لهما صدى وباقي المحافظات كانت صامتة. "البلبلة التي أثيرت هي كالزوبعة في الفنجان".
يشيد بن علي بدور الأزهر الشريف في حفظ الشريعة الإسلامية ولا يعتبر ابداء رأيه الديني تدخلًا في السياسة الداخلية التونسية، كما اعتبره البعض، خاصة كونه مؤسسة لها اعتبارها في التشريع الإسلامي الحديث "الأزهر الشريف هو من القلة التي تبقت تدافع عن التشريع الإسلامي".
"أي حاجة بتمس الشرع ونص القرآن لا يجوز تأييدها" هكذا بدأت جودة بن منصور حديثها مع "مصراوي"، ترى أن القوانين لا تقدم ولا تأخر وأن الأشخاص لهم حرية الاختيار، المرأة التي تقتنع بالشرع لا يمكن أن توافق على مثل ذلك "حتى لو الأب أو الأخ موافقين على كده المرأة مش هترضي".
ترفض المرأة الثلاثينية التي تعمل منذ 3 سنوات في مصر بمحافظة الإسكندرية كمعلمة لغة فرنسية فكرة زواج المرأة المسلمة من غير المسلم تماما "لو ده حصل الأولاد هيطلعوا مشتتين دينيًا، وممكن يوصلوا إنهم يبقوا بلا ديانة من الأساس".
تحكي جودة عن انفتاح المجتمع التونسي وتحضره وكون ذلك شيء إيجابي، لكن لا تصل لدرجة تغيير في النصوص الدينية والشرع. "بحسب رأيي تلك القوانين تم طرحها تمسكًا بالحكم ولأهداف سياسية"، تعتقد "جودة" أن تلك القوانين عبارة عن بلبلة مقصودة لشغل الناس في الاختلاف داخل المجتمع.
وتؤكد على عدم احتياج المجتمع التونسي لمثل تلك القوانين "أنا بتكلم بصوتي، أنا مستائين من تلك القرارات الهزلية" كما وصفتها.
كان لنجلاء الهمادي، مخرجة فيديو، زاوية أخرى للنظر إلى الأمر، فهي تراه على أنه مجرد لعبة سياسية لتمرير بعض القوانين، ومحاولة لكسب ود المرأة التونسية باعتبارها قوة مؤثرة في المجتمع، وظهر ذلك بوضوح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فهي بهدف الحفاظ على الحكم "لما تييجي تقول مساواة وتحطها اختياري يبقى إنت معملتش حاجة، يعني قانون مالوش لازمة". بالنسبة للهمادي، غالبًا ما يتم ظلم المرأة في الميراث سواء من الأخ أو الأب، رغم كون ذلك ممنوع في الدين الذي أمر بإعطاء المرأة حقها.
لذلك ترى أنه من المهم أن توجد آليات وقوانين تضمن للمرأة حقها بأي طريقة كانت، سواء بحسب الشرع أو بالمساواة مع الرجل "سواء كده أو كده المهم تاخد حقها فعلًا".
من وجهة نظر السيدة التونيسية التي تقيم في مصر منذ 16، لن يقبل زواج المسلمة من غير المسلم معتبرة أن هذا غير مقبول فكريًا "ده شيء مرفوض تمامًا، اللي عايزة تعمل كده دي حاجه بينها وبين ربنا مش محتاجه قوانين".
وشهدت أروقة البرلمان التونسي العام الماضي، مشروع قانون يهدف إلى تسهيل المساواة في الإرث، لكنه واجه معارضة من مفتي الجمهورية التونسية آنذاك، بعكس موقف دار الإفتاء التونسية، حيث أيدها هذا المشروع عثمان بطيخ المفتي العام، بينما رفضها فاضل عاشور، الأمين العام للأئمة التونسيين.
استطاعت جميعات حقوق المرأة التونسية تحقيق العديد من مطالبها منذ منتصف القرن الماضي، فمنذ عام 1956 يمنع القانون التونسي تعدد الزوجات، ويمنح المرأة حق تطليق زوجها، وكذلك المساواة في العمل والحياة السياسية، وبعد الثورة التونسية في عام 2011 طالبت منظمات المجتمع المدني في دعوة قضائية إلغاء المادة 73 التي تمنع زواج المسلمات بغير المسلمين.
فيديو قد يعجبك: