العيد في "مسطرد"| مسيحيون يتباركون بـ"العذراء" وسط تشديدات أمنية
كتبت - مارينا ميلاد:
تصوير - محمد حسام الدين:
عند السادسة إلا ربع صباحًا، ومع بداية صلاة عيد الأضحى، الذي يحتفل به المسلمون اليوم، لم يكن التوافد في منطقة مسطرد بحي شبرا الخيمة هذا العام من المسلمين فقط، إنما من المسيحين أيضًا، الذين جاءوا مبكرين إلى كنيسة السيدة العذراء الملاصقة لـ “المسجد الكبير"، لحضور صلاة القداس احتفالا بعيد العذراء مريم، الذي يتزامن مع أول أيام عيد الأضحى.
جلس زائرو الكنيسة على مقهى مجاور في انتظار فتح أبوابها عند السابعة صباحًا، ليبدأ بعدها الدخول وسط إجراءات أمنية مكثفة، بعد أن شهد هذا المكان قبل 10 أيام محاولة انتحاري تفجير نفسه بالقرب من الكنيسة، إلا أن قوات الأمن حالت دون ذلك بعدما أجبرته على التراجع، فاضطر إلى تفجير نفسه أعلى الكوبري.
لم تؤثر تلك الواقعة على أعداد الزائرين، الذين توافدوا بكثافة على الكنيسة مع مرور الوقت، يحتفلون بنهاية صوم دام 15 يوم، أحيوا به ذكرى "عيد صعود السيدة العذراء"، الذي هو -وفقًا للاعتقاد المسيحي- "رفع فيه الله جسد العذراء مريم إلى السماء بعد موتها"، ويأتي في شهر أغسطس من كل عام.
علىَ صوت الزغاريد داخل الكنيسة، الزغاريد التي يطلقها نساء فرحًا بزيارتهن إلى "المغارة" الآثرية، وبئر المياه المجاور لها، حيث أن وفقا لما تذكره الروايات المسيحية عن هذا المكان، "فقد جلست العائلة المقدسة هنا نحو ثلاثة أيام، وتواجد البئر لتلبية احتياجاتهم، ولم تجف مياهه منذ هذا الوقت حتى الآن، لذلك توارثت الأجيال الإيمان بأن هذه المياه تصنع المعجزات".
من بين هؤلاء النساء، كانت نانا ناصر (٣١ سنة)، التي جاءت مع زوجها وأبنيها كعادتهم كل عام، دخلت نانا إلى المغارة الصغيرة الضيقة، لتلمس صورة السيدة العذراء الموجودة داخلها، وتقبلها، وتطلق طلباتها كغيرها من الحاضرين، الذين يحملون العذراء أمنياتهم: "أشعر براحة كبيرة هنا، كأن العذراء موجودة في المكان، أشعر بالخجل، فلا أستطيع أن أقول شيئا وكأنني أصلي لأول مرة".
هذه المرة لم تكن عائلة نانا في كنيسة مسطرد مكتملة، ذلك بعد أن ذهب عدد منهم للاحتفال بدير السيدة العذراء بدرنكة في محافظة أسيوط، وهو أحد أهم النقاط التي مرت عليها العائلة المقدسة خلال رحلتها إلى مصر، ويتوافد عليه آلاف الزائرين من مختلف الأماكن سنويًا.
يستعجل الراغبين في زيارة المغارة خروج غيرهم من الموجودين داخلها، حتى يتمكنوا من الدخول، حيث أنها لا تكفي أكثر من شخصين أو ثلاثة على الأكثر، يحصلوا بعدها على نصيبهم المياه "المباركة" في أكياس بلاستيكية يوزعها عليهم خدام الكنيسة "مينا مجدي" و"بولا موسى" (16 عام)، الجالسان بجانب البئر، وقد أعدوها قبل ساعات لتكون جاهزة أمام هذا الكم الكبير من الزائرين في الساعات الأولى من الصباح.
مينا وبولا، اللذان يخدما في هذه الكنيسة منذ طفولتهما، يقولان إن "البئر لا تنقص مياهه ابدًا"، ويتمنان لو كانا يستطيعان تلبية طلبات من يطمعون في الحصول على أكبر قدر من الأكياس لتكفيهم حتى زيارتهم المقبلة إلى مسطرد، لكنها بالكاد يمكن أن تكفي الجميع.
يعاون مينا وبولا نحو 50 خادم أخر في تنظيم الكنيسة خلال هذه الفترة، أغلبهم من كنائس أخرى، جاءوا إلى هنا خلال الـ 15 يوم فقط.
محسن عطا الله، واحد من الذين حضروا إلى الخدمة مؤقتًا خلال هذه الفترة، حيث يعمل في بيع المنتجات الغذائية التي تصنعها الكنيسة، وهو الفعل الذي يواظب عليه منذ عام 1992: “الخدمة هنا فيها بركة كبيرة، وسأظل أخدم هنا كل عام في هذا الوقت طالما استطعت ذلك".
تزامُن عيد الأضحى مع عيد العذراء هذا العام، جعل محسن عطا الله، يستطيع الحصول على اجازة من عمله في أحد مصانع الملابس بمحافظة القليوبية لمدة أسبوعين ليتفرغ إلى هذه الخدمة.
ينتشر عدد من باعة المنتجات الغذائية مثل محسن في أنحاء مختلفة من الكنيسة، فهم سمة من سمات "المولد" السنوي، إلى جانب راسمي الوشم والصلبان على الجلد، وبائعي التذكارات، وحاملي دفاتر التبرعات، ومستقبلي النذور من المواشي أو غيرها، الذين تخصصهم الكنيسة لهذه المهمة.
يجاور ذلك عشرات من مريدين العذراء، افترشوا الأرض في كل مكان، ليقضوا أطول وقت ممكن في حضرة العذراء، ومنهم عائلة صلاح حنا، وهو عامل حر من محافظة أسيوط، قطع مسافات طويلة مع عائلته، لقضاء يومهم بالكنيسة الذي يبدأ بصلاة القداس مثلما جرت العادة كل عام دون أي طقوس مختلفة.
رغم العشوائية التي بدت على هذه المنطقة، التي تشتهر كونها منطقة صناعية، إلا أن كنيسة العذراء تعتبر من أهم النقاط المدرجة ضمن مشروع تطوير مسار العائلة المقدسة إلى مصر، الذي يصل طوله لحوالي 3500 كيلومتر، لتكون أحد المقاصد السياحية في برنامج الحج المسيحي، خاصة أنه في يونيو الماضي قد وصل وفد إيطالي يضم 52 سائحا في أول رحلة حج مسيحي إلى مصر.
يشار إلى أن هذا العيد هو واحد من 9 أعياد تخصصها الكنيسة للسيدة العذراء، ويتميز بأن بعض المسلمين يحرصون على صومه وزيارة عدد من كنائسها في هذا الوقت، كما أن بعض الأقباط يفرضون على أنفسهم الصوم مبكرًا عن الميعاد المحدد، قد يجعله البعض قاسيًا، حيث يتناولون المياه والملح فقط لساعات طويلة من أيام الصيام، مواظبين خلالها على حضور صلاة العذراء المسائية المقامة بجميع الكنائس، مرددين مديحها الأشهر: "السلام لك يا مريم".
فيديو قد يعجبك: