قصة "صدفة" قادت الطفلة "رقية" لإجراء جراحة نادرة بمصر

كتب-أحمد جمعة ودعاء الفولي:

حين وُلدت رقية، طار بها سالم فرحا، هي طفلته الثانية و"البنات بييجوا برزقهم"، لكن بعد مرور ساعات على الولادة اكتشف الأب وجود قدم يُمنى زائدة لابنته، لم يعرف العامل المقيم في محافظة المنيا كيفية التصرف، أخبره طبيب الولادة أنها عملية بسيطة "بس هو مكنش جراح فمكنتش متأكد من كلامه"، ظل الشاب العشريني حائرا حتى جمعته الصدفة بمستشفى الطور، في جنوب سيناء قبل شهرين.

كان سالم في مدينة الطور لأجل العمل، طوال خمسة أشهر "مكناش لاقيين دكتور يطمنّا على حالة البنت"، قبل أن يقرر الأب الذهاب لمستشفى الطور "قلنا مش هنخسر حاجة".

في إطار سد عجز الأطباء بمستشفيات جنوب سيناء، وقعت مديرية الصحة بالمحافظة بروتوكلات مع جامعتي الزقازيق وعين شمس، ذلك ما دفع الطبيب والجراح محمد صقر، بجامعة الزقازيق، للتواجد في المستشفى وقت وصول الأهل "كنت أول مرة أشوف حالة كدة"، فمعظم الحالات التي يعاينها صقر لا تتعدى كونها تشوهات خلقية في الأصابع.

تصنيف حالة رقية ضمن "الحالات النادرة على مستوى العالم"، من قبل الطبيب خالد أبو هاشم، وكيل وزارة الصحة بجنوب سيناء، كانت دافعا آخر لصقر لقبول الحالة "هو تحدي طبي صعب والعملية كانت بالمجان تماما".

ولادة رقية بقدم زائدة جعل صقر يقرأ أكثر عن الحالات المشابهة، كانت المشكلة الأكبر تكمن في وجود شريان واحد له فرعين، يُغذي القدمين "بنعتبرها جراحة دقيقة بسبب صعوبة التفاصيل"، وبالإضافة لصغر حجم الفتاة، لم يتوافر داخل مستشفى الطور ميكروسكوب جراحي "اشتغلنا بنضارات مُكبرة".

في المقابل لم يتردد الأب سالم لإجراء العملية "مكنش فيه حل تاني، كنت عايز أطمن إن البنت هتمشي"، يقول صقر إن عمليات إصلاح لتشوه الخلقي عادة ما تكون قبل بداية وقوف الطفل كي يتم إعداده للمشي بشكل صحيح.

قبل أسبوع، أنجز الفريق الطبي المكون من جراح وطبيب تخدير، ونائب وممرض الجراحة في ساعة ونصف، خرجت الطفلة بسلام، لكن الاستعداد للعملية لم يكن يسيرا.

خلال سنوات العمل في المجال لم يناظر طبيب التخدير، محمد حامد، حالة كرقية "أغلب الأطفال بالحالة دي بيكون عندهم تشوه خلقي مزدوج، بيكون تشوه في الرجل وله تأثير على القلب أو المخ". لكن حالة الطفلة "عملنا كافة الفحوصات علشان نعرف لو عندها حاجة تانية، وظهر تجمع دموي في الظهر لكن ملوش تأثير على العملية، وكشفنا على عضلة القلب وكانت كويسة ولم تظهر أي تشوهات خلقية أخرى".

مع الوقت، تلاشت العوائق التخديرية أمام حامد، وأعطى لزميله الموافقة على بدء العملية بعد طمأنة أهل الطفلة بعدم وجود خطر.

طوال أشهر ما قبل العملية، غلّف سالم حالة ابنته بالسرية التامة "مكنش حد عارف غير والدي ووالدتي لأننا معاهم في نفس البيت"، لم يُرد صاحب الأربعة وعشرين عاما أن تسمع زوجته ما لا يرضيها "الناس مبتسيبش حد وبيركزوا في التوافه.. واحنا كنا صابرين بس متعجبين من الحالة".

لم تتوقف العملية عند استئصال القدم الزائدة، صنع صقر تصميما لشكل القدم والجلد عقب الجراحة "عشان نضمن إنه تجميليا ميبقاش فيه أزمة والجلد يبقى شكله كويس"، فيما اتفق مع الأم والأب على ضرورة متابعة الطفلة على مدى طويل، قد يصل لعشرة سنوات.

لا يعرف صقر على وجه التحديد تأثير الأمر على حركة رقية فيما بعد، فأحيانا ما يحدث اعوجاج في الساق أو مفصل الركبة "لكن بالعلاج الطبيعي الكويس نقدر نتلافى أي خطر"، أما الأب فيرضى بالوضع الحالي "إحنا كنا فين وبقينا فين"، فيما يتذكّر الأيام العصيبة التي مرت به "كان يصعب عليا أشوفها بالحالة دي"، لم تُسعفه الظروف المادية للذهاب للقاهرة بحثا عن متخصصين "بس ربنا سترها معانا وعوض تعبنا خير".

"الأهالي في سيناء بدأوا يستنجدوا بينا وبقت كتير من الزيارات بخصوص التشوهات الخلقية"، يقولها طبيب التخدير، والذي قابل في الأيام التالية حالة أخرى لطفلة لديها تشوه في قدمها ويطالب أهلها بإجراء عملية تجميل لها "الأهالي في المناطق المجاورة سمعوا بالعملية، ولقينا بعد كده طفلة عمرها سنتين عندها تشوه في صباعين رجل كبار، وأسرتها طالبونا بإجراء عملية لها"، فاستجاب الفريق الطبي لإجراء هذه الجراحة ونجحت أيضا.