"إيريني" الرابعة أدبي تطمح لتكون سفيرة.. وتنصح الأباء: "متلخصوش أولادكم في كام درجة"
كتبت - علياء رفعت:
تصوير - روچيه أنيس:
عند ناصية شارع البهاء زهير؛ يستقبلك أهل المنطقة بفرحة عارمة، ويرشدونك إلى منزل ابنتهم "إيريني ماهر"، صاحبة الترتيب الرابع في قائمة أوائل الثانوية، وعندما تقترب من منزلها تستقبلك سيدة تقف في الكُشك مجاور لمنزلها، وهى تقول: "فرحة إيريني فرحتنا كلنا، دي زي بنتنا بالضبط شوفناها، وهي بتكبر قدامنا، وفرحتنا بيها النهاردة متتوصفش، كأننا بنزفها".
داخل المنزل يقف والد إيريني يوزع على الحاضرين الابتسامات، زجاجات البيبسي، والمياه "ده حلاوة تفوق إيريني"، بينما تنظر عيناه للابنة بمنتهى الفخر والحُبِ في آنٍ واحد.
في أحد الأركان، جلست "إيريني" ابنة السابعة عشر وهى تستقبل أسئلة الصحفيين تارة، وترد على المباركات التليفونية تارة أخرى. فيما تسترجع ذكريات الليلة الماضية "اثقل ليلة مرت عليَّ من ساعة ما خلصت امتحانات".
حين سمعت الفتاة بنبأ إذاعة أوائل الجمهورية، جلست في منزلها تترقب أن تكون واحدة منهم بعد مجهود كبير بذلته بشهادة والدتها: "كُنا متوقعين إنها تاخد ترتيب وتطلع من الأوائل"، ورغم ذلك جاوزت الساعة الخامسة عصرًا ففقدت الفتاة الأمل، وهاتفت صديقتها رغبًة في الخروج إلا أن القدر حمل لها أجمل المفاجآت حين هاتفتها الأم "تعالي على البيت يا إيريني كلمونا من مكتب الوزير وقالولنا إنك من الأوائل".
بُكاءٌ طويل انخرطت فيه الفتاة في طريقها إلى المنزل غير مصدقة. الفرحة تداعب نفسها وروحها: "قريت وعود كتير الليلة اللي فاتت بس مش عارفة ليه مبتتحقش"، أصبحت عقب دقائق إحدى المتفوقات والنجمات اللاتي تتجه إليهن الأنظار.
"شرفتنا كلنا ورفعت راسنا لفوق" قالها والد إيريني وهو ينظر لها بحُب، مؤكدًا أنه كان يتوقع لها تلك المكانة منذ أن بدأت الانخراط في استذكار دروسها، لكونها تجتهد دائمًا مما أهلها لتكون الأولى على مدرسة الراهبات بشبرا في كُل مراحلها التعليمية قبل أن تصل للثانوية.
رغبة "إيريني" في النجاح قامت على أساس قوى وخطة محكمة وضعتها الفتاة منذ اليوم الأول، دون أن تُلقى بالًا بكُل ما يشاع عن الثانوية العامة أو بكم الطاقة السلبية التي حاول الكثيرون تصديرها لها: "كنت شايفة إنها سنة عادية وإنى هجتهد واعمل اللي عليّ بعيدًا عن كلام الناس، والباقي على ربنا".
12 ساعة، ذلك هو مجمل الوقت الذي كانت تقضيه الفتاة في مذاكرة دروسها يومياً دون كلل أو ملل، تفهم ثم تحفظ فتُعيد وتُزيد.
وإلى جانبها كانت والدتها التي كرست كُل وقتها منذ بداية عام إيريني الدراسي لكي تكون عونًا لها ومصدر للقوة والإلهام: "كانت دايمًا بتطمني، وتسمع لي كُل دروسي كلمة كلمة من غير ما تزهق الفضل في كُل شيء ليها".
"بابا عمره ما رباني على إن قيمتي هي الدرجات اللي بجيبها، وعمره ما زعق فيا عشان المذاكرة، بس كان بيزرع فيها إني اجتهد وهو يؤكد لي إن أكيد ربنا سيكافئني" قالتها إيريني وهى تؤكد أن لوالدها دورٌ عظيم فيما وصلت إليه، وأن تربية الأبناء باللين وتقدير الأهل لهم؛ كُلها عوامل لابد أن تفضي بالأطفال للنجاح.
علاقة إيريني الطيبة بأخيها الوحيد أيضًا، كانت هى الآخرى من عوامل الطمأنة النفسية التي ساعدت الفتاة على التركيز وهونت عليها الكثير: "مينا كان دايمًا بيشجعني أذاكر، ويجيبلي هدايا، ويستوعب غضبي وتوتري من غير ما يزعل مني.. كنت حاسة أنه بيتعامل معايا بالراحة لأنه مر بالضغط ده من قبلي، وده كان مخليني أحس إن كل حاجة ممكنة".
الطريق للنجاح لم يكن سهلًا أبدًا كما توضح إيريني، فالعقبات كثيرة وكُلها اختبرتها الفتاة على مراحل ونجت منها بعزيمة وإصرار أكبر على المثابرة "كانت بتيجي عليَّ لحظات يأس كتير بعيط فيها بالدموع واحس اني هنسى كل حاجة، بس كنت بكلم نفسي واقولها اصمدي شوية كمان حرام تضيعي تعب كل سنين عمرك".
اجتهاد إيريني في المذاكرة لم يكن وليد المرحلة الثانوية فقط، فكونها طالبة بإحدى مدارس اللغة الفرنسية فرض عليها بذل جُهدًا مُضاعفًا لعدم وجود من يعينها بالعائلة على فهم اللغة، ولكنها خاضت من أجل ذلك معارك طويلة مع المذاكرة للإلمام الجيد بلغةٍ يدرسها عدد قليل ويتقدم للكليات التي تدرسها عدد أقل.
"هدخل سياسىة واقتصاد فرنساوي عشان نفسي اشتغل في سفارة مصر في فرنسا" هكذا تتمنى إيريني التي ستفتح لها كُل الكُليات أبوابها، ومن أجل تحقيق ذلك الحلم التحقت الفتاة مؤخرًا بإحدى الدورات المؤهلة للكليات الناطقة بالفرنسية في المعهد الثقاقي الفرنسي ولكن أولى صدمات الحياة العملية اصابتها.
في اليوم الأول بالمعهد، لم تستطيع إيريني فهم كُل ما تم شرِحه لها: "خريجين المدارس الدولية بس هما اللي كانوا فاهمين كل حاجة"، ورغم صعوبة الأمر، وكعادة الفتاة، قررت عدم الاستسلام والاستمرار في الجد والمحاولة، حتى استطاعت الإلمام بكل شيئ.
ولكن ذلك الموقف جعلها تدرك جيدًا أن صعوبة الأمر تكمن في اختلاف شكل المناهج الدراسية والتعليم في مصر عن نظيره في الخارج والذي يعتمد بدرجة أكبر على الفهم والابتكار: "عشان كده بتمنى نطور تعليمنا لأن في ناس شاطرة بس مش كلهم بيقدروا يصمدوا لو اتصدموا بالتغير بعد الثانوية".
لا تحلم إيريني سوى أن تصير مع الوقت سفيرة لمصر في فرنسا، ومن أجل ذلك تعد الفتاة نفسها وأبويها لا يدخرا أي جُهد، غير أنها تؤمن بأن النجاح دائمًا ما يبدأ من الأسرة التي تساعد الأبناء على ذلك، ولهذا فهي لا تتمنى على الأباء والأمهات إلا شيئًا واحدًا: "متلخصوش قيمة ولادكوا وحياتهم في كام درجة، حسسوهم بالحب والاحتواء، ودوروا معاهم هما ممكن ينجوا ويلمعوا في إيه حتى لو مش في الدراسة".
فيديو قد يعجبك: