صور|سبيل "أم محمد علي".. تاريخ التهمه حريق رمسيس

كتبت - مارينا ميلاد

تصوير: روجيه أنيس - مارينا ميلاد

منذ العام 1961 لم تفارق السيدة فاطمة محمد، مسكن عمها في سبيل "أم محمد علي" الأثري في منطقة رمسيس، حيث كانت تقيم معه قبل وفاته، وانتقال ملكية الشقة إليها، حيث تقطن وزوجها وأولادها بعقد إيجار لوزارة الأوقاف الجهة المسؤولة عن السبيل والمؤجرة للشقه، لكنها الآن ودعت ذلك المنزل بعد أن فارقته الحياة جراء الحريق الذي اندلع في الحي في الساعات الأولى من صباح اليوم.

وفقًا للمعلومات الأولية المتوفرة، شب الحريق أولاً في غرف فندق "الشمس" المجاور للسبيل، ومنها امتد إلى عقار قديم، الذي انهار بفعل النيران التي امتدت بدورها إلى السبيل، في حادث لم يسجل أي ضحايا.

السبيل الأثري المكون من طابق أرضي، وأخرين علويين، تتزاحم النقوش والزخارف الإسلامية في جدرانه، شيدته السيدة زيبا قادرين عام 1867 على شكل نصف دائرة، بمداخل ثلاثة، تنقسم شققه على جانبيه، ما انخفضت معه نسبة الخسائر التي انحصرت في أحد الجوانب فقط، وخاصة في مخزن للأدوات الصحية بالطابق الأول، وشقة السيدة فاطمة في الطابق الثاني.

ويتكون السبيل من خمسة شقق، إحداها أغلقتها وزارة الأوقاف، والثانية حيث المخزن الذي يمتلكه شخص يُدعى "جورج فهيم"، والثالثة حيث مسكن السيدة فاطمة، إلى جانب شقتين أخرتين، يقطن بإحداهما "أحمد محمد" منذ 40 سنة: "منعرفش مصدر النار، احنا اتفاجئنا بنار طالعة من مخزن الأدوات الصحية، وبعدين طلعت على شقة الحاجة فاطمة، الله أعلم سببها".

الفندق المجاور للسبيل، لم تظهر عليه أي معالم للحريق من الخارج، فلم نستطع دخوله ومقابلة صاحبه بسبب معاينة المعمل الجنائي، إلا أن العاملين فيه أكدوا: "الفندق سليم، والحريق لم يخرج منه، والأهالي استعانوا بخراطيم المياه منه فقط". لذلك رجح بعض السكان أن الحريق اندلع من داخل مخزن الأدوات الصحية، وهو ما نفاه صاحبه "جورج فهيم"، الذي يمتلك محال في شارع الجمهورية، والذي أكد أسفًا على خسارته: "المخزن غير مؤمن عليه، لا يمكن أن أترك أي شئ يتسبب في تدميره"، مضيفًا: "حتى لوحة الكهرباء داخله تفصل إلكترونيًا مع أي طارئ... لا أعرف سبب الحريق ومن أين جاء، لكن أؤكد أن مصدره أي شيئ غير مخزني، بدليل أن السقف لم يسقط في حين سقط سقف شقة السيدة فاطمة".

"فهيم" الذي يتخذ من هذه الشقة مخزنًا طوال 10 سنوات، حاول أثناءها تقنين أوضاعه بعد أن اشترى الشقة من صحابها، قدر خسارته بنحو 4 ملايين جنيه: "موظفو وزارة الأوقاف أخيرًا جاءوا ورفعوا المساحات، وكنت اقتربت من إنهاء عقد إيجاري، لكن لا أعلم ما الوضع بعد ما حدث اليوم (أمس(.

تجلس السيدة فاطمة في مدخل السبيل تبكي، ولا تعلم هل ستعوض عن خسارتها ماديًا أو بشقة أخرى، تأويها وولديها، لكنها في الوقت نفسه ترى أن لا شئ يمكن أن يعوضها مسكنها، الكائن على مساحة 300 متر بنظام الإيجار القديم المحصل كل عام أو عامين، والذي قضت فيها كل هذه الفترة من حياتها.

من جانبه، قال حسام عبد الفتاح مدير عام ترميم أثار شرق ووسط القاهرة، لـ"مصراوي"، إن الترميم الأول للسبيل كان قبل سنوات عدة، بينما كان الثاني في العام 2010، لكنه ليس ترميمًا بالمعنى الحرفي وإنما اقتصر على عمليات تنظيف للواجهة من الخارج، لأن السبيل به سكان لا تستطيع وزارة الآثار إخراجهم.

وأوضح عبد الفتاح أن مسؤولية الترميم تقع على وزارة الأوقاف، بحسب قانون حماية الأثر، الذي ينص على أن تتدخل وزارة الآثار فقط في حالة الخطورة، مشيرًا إلى أن حالة المباني سيئة، وإذا كانت في وضع أفضل مما هي عليه الآن، لكانت الخسائر أقل بالتأكيد.

وتنص المادة 30 من قانون حماية الآثار، بعد إقراره من مجلس النواب في إبريل الماضي، على أن: "تتحمل وزارة الأوقاف وهيئة الأوقاف المصرية وهيئة الأوقاف القبطية والأفراد والجهات الأخرى المالكة أو الحائزة للعقارات الأثرية، نفقات ترميمها وصيانتها، تحت إشراف المجلس الأعلى للآثار، وإذا رأى المجلس ضرورة لذلك، وأن تقوم وزارة الآثار في حالات الخطورة بأعمال الترميم والصيانة دون أي سلطة تقديرية".

ولم يتسن لنا الحصول على تعليق من مسؤولي وزارة الأوقاف.

وأمرت نيابة الأزبكية اليوم الثلاثاء بانتداب المعمل الجنائي لمعاينة السبيل والعقار المجاور والفندق، كما أمرت بسرعة إجراء تحريات المباحث حول الواقعة. وفي الوقت نفسه، تستعد السيدة فاطمة للرحيل إلى منزل ابنتها "أماني" لتقيم عندها هذه الفترة، لكنها تخشى من طول مدة الإجراءات بسبب احتراق عقد إيجارها داخل مسكنها، وقد تضطر إلى خوض رحلة الحصول على نسخته الموجودة بوزارة الأوقاف.​