لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

في أول يوم عمل رسمي.. "المترو رايق والدنيا برة زحمة" (معايشة)

10:42 م الأحد 13 مايو 2018

مترو الانفاق

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- علياء رفعت:

زحام شديد في صباح كل يوم عمل اعتاده المصريون لركوب مترو الأنفاق، الوسيلة التي كانت الأرخص في مصر، لكن الحال تبدل بعد قرار وزارة النقل برفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق وانتقل المواطنون من تحت الأرض إلى فوقها، حيث المواصلات العامة الأقل كلفة.

وشمل الحد الأدنى لتذكرة المترو 3 جنيهات للمنطقة الأولى والمحددة من "محطة إلى 9 محطات"، و5 جنيهات للمنطقتين بمجموع "16 محطة"، و7 جنيهات للثلاث مناطق والتي تبدأ من "16 محطة فيما فوق".

ويأتي قرار زيادة أسعار تذاكر المترو في إطار خطة حكومية سبق الإعلان عنها، وشملت تركيب ماكينات تذاكر جديدة، لتفعيل تقسيم محطات المترو إلى عدة مناطق. وأرجعت وزارة النقل إقرار تلك الزيادة إلى الحد من الخسائر المتراكمة لمرفق مترو الأنفاق.

3 مشاهد رصدها "مصراوي" يكشف حال الإقبال على المترو والمواصلات العامة في أول يوم عمل رسمي للمواطنين.

المشهد الأول

المكان: محطة شبرا الخيمة

الزمان: التاسعة صباحًا

خارج شباك التذاكر الخاص بالمحطة، كان الجموع يتزاحمون للحصول على تذكرة واحدة، طابور طويل امتد مسافة خمسة أمتار وأكثر للحصول على تذكرة مترو، ولكن بالاقتراب من الشباك والوصول إليه، لم يحصل على تلك التذكرة إلا عددٍ قليل.

وبرغم الأنباء التي انتشرت عن زيادة أسعار تذاكر المترو منذ نهاية الأسبوع الماضي، إلا أن العديد لم يكونوا قد علموا بالأمر أو حسبوا عدد المحطات التي يركبونها، ليفاجأ البعض منهم عند الشباك أن عليه شراء تذكرة بـ7 جنيهات، بينما لا يكفي ما تحتوي عليه حافظة نقوده تلك التكلفة "رايح جاي" إلى جانب أجرة الأتوبيسات والميكروباصات.

وانصرف العديد من أمام شباك التذاكر، وهم يضربون كفًا بكف: "إحنا هنركب الأتوبيس.. حسبي الله ونعم الوكيل"، ثم استدار باحثًا عن مكان أقرب موقف للأتوبيس.

بين الجموع، وقفت "ميرفت" أمام شباك التذاكر لتحصل على تذكرتها هي الآخرى: "من هنا للمنيب أخد تذكرة بكام؟"، أطلقتها وهي تسأل موظف الشباك ليعطيها تذكرة فئة الـ7 جنيهات، أخذتها السيدة الأربعينية وهي تتمتم "المضطر يركب الصعب.. إحنا عشان نروح أشغالنا هنأكل العيال زلط اليومين دول".

داخل المحطة، أخذت ميرفت مكانها على الرصيف في انتظار القطار، بينما على الرصيف المقابل وقف رجلٌ خمسيني يسب السيدات والرجال، حتى استدعوا الأمن له. "ما إنتوا لو بتتحركوا وتعملوا حاجة مكنش ده بقى حالنا"، قالها الرجل بعد وابل من السب واللعن، وبوصول رجال أمن المحطة أجهش بالبكاء، وهو يردد: "مبقيتش عارف أجيب منين ولا منين.. الغلا مش بس أكل مرتباتنا.. ده أكلنا وأكل عيالنا"، ليهدئه الجميع، ويتركه الأمن يمضي لحال سبيله.

1

المشهد الثاني

المكان: محطة العتبة

الزمان: العاشرة والنصف صباحًا

بجوار إحدى جداريات المترو، اتخذت سماح محمد الأربعينية مقعدها، أسندت رأسها على الحائط، وأغمضت عينيها من الإرهاق في انتظار سماع الصوت الذي ينذر بوصول القطار القادم، لم تشعر سماح حتى الآن بزيادات المترو المقررة منذ أواخر الأسبوع الماضي.

قبل الزيادة بيومين، وقفت لتشتري تذكرتين، وأعطت الموظف 10 جنيهات، ولقلة "الفكة" وضيق وقتها طلبت منه أن يأتيها بالمبلغ كله تذاكر.

"حسيت إني محظوظة بعد الزيادة عشان معايا تذاكر يومين مش هحمل همهم"، تقولها السيدة الأربعينية وهي تضحك وتردد: "هم يبكي وهم يضحك صحيح.. وصل بينا الحال إن تذكرة المترو تبقى عبء على المواطن، ده كان أرخص وسيلة مواصلات زمان".

من ضواحي الجيزة إلى الدراسة، طريق تسلكه "سماح" يوميًا في سبيل الوصول إلى مقر عملها، تتخذ فيه المترو كوسيلة مواصلات أولى حتى رمسيس ثم ميكروباص يوصلها للدراسة، بعد زيادة أسعار التذاكر الجديدة، ستتكلف سماح يوميًا 10 جنيهات لتذاكر المترو فقط دون سواها: "عاوزين مرتب على المرتب عشان نقدر نروح أشغالنا في مواعيدها".

لا يوجد أمام السيدة الأربعينة بديل عن المترو سوى أن تستيقظ في الرابعة فجرًا لتنزل من بيتها في الخامسة وتصل عملها في الثامنة إن أرادت أن تستقل الأتوبيسات، لكن رفض زوجها لنزولها في الظلام حسم الأمر ليتركها في حيرة، "مش عارفة المرتب اللي كنت بساعد بيه في البيت لما يروح على المواصلات هنعمل إيه.. هي الحكومة عاوزانا نشحت ولا إيه؟".

إلى جوار "سماح"، في المحطة ذاتها، كان يجلس محمد مصطفى وزوجته يلتقطان أنفاسهما، شابُ ثلاثيني في مُقتبل عمره وزوجته العشرينية "هند" تحمل ابنتهما الوحيدة على كتفها، ينتظرون قدوم المترو، ويحملون في أيديهم أوراق قرارات علاج "محمد" على نفقة الدولة.

أخذ الشاب اليوم، إجازة ليمضي في إجراءات العلاج، ولكن الخروج من المنزل بصحبة زوجته وابنته كان له تكلفة أخرى بعد زيادة أسعار تذاكر المترو، 28 جنيهًا هي تكفلة التذاكر التي تكبدها "محمد" ذهاب وعودة له ولزوجته بعد أن انتقلوا من المنيب في طريقهما إلى محطة الخلفاوي، حيث المستشفى.

"يعني أصرف 50 جنيه بس مواصلات عشان أروح المستشفى وأنا مرتبي مبيكملش ألف ونص.. نموت أحسن ولا إيه طيب؟"، قالها الشاب وهو يرثي حاله، الذي أصبح - بحسبه - حال الكثيرين أيضًا بعد الزيادات المقررة.

وبرغم قلة الرزق، وضيق ذات اليد إلا أن الوضع الآن أصبح حاله "لا يُطاق" كما يصفه، "بس الناس ساكتة عشان خايفة، والغلابة مش حمل يتقبض عليهم ويتبهدلوا لو اتكلموا".

سوء الأوضاع المعيشية، وارتفاع الأسعار بشكلٍ يومي، دفع محمد لاتخاذ قرارٍ حاسم وضعه في مواجهة و"خناقات" يومية مع زوجته التي ترغب بالإنجاب مرة أخرى، "مش عاوز أخلف تاني، هو أنا لاقي أكل بنتي وأشربها وأصرف على نفسي مواصلات بس عشان أجيب لنفسي عيل تاني!"، هكذا يرى محمد أن طفلًا آخر سيشكل مسؤولية لن يستطيع أن يتحملها في ظل ما يحدث من غلاء.

2

المشهد الثالث

المكان: محطة العباسية

الزمان: الثانية عشر والنصف مساءً

على رصيف المحطة، كانت "هدير" تمسك في يدها بملزمة المراجعة النهائية، تحاول أن تحشو عقلها بما تيسر من المعلومات قبل الامتحان، بينما تسترجع قدرًا آخر قد استذكرته من قبل، من شبرا الخيمة وحتى كلية البنات، مسافة طويلة تقطعها الفتاة العشرينية يوميًا في سبيل الوصول إلى جامعتها، لم تعرف طريقًا آخر غير المترو للجامعة، إلا أن ارتفاع أسعار التذاكر دفعت والدها لحسبة ما ستتكلفة مواصلاتها اليومية.

"لقيت نفسي هصرف 14 جنيه مترو و5 جنيه ميكروباصات.. يعني 20 جنيه كل يوم من غير أكل وشرب"، تلك التكلفة اليومية التي تراها الفتاة باهظة بالنسبة لطالبة جامعية في عامها الثاني دفعتها للتفكير في البديل على الفور، "هسأل النهاردة على مواصلات بالأتوبيسات اللي بتعدي من قدام الكلية، عشان مكلفش أهلي كل المصاريف دي لأن عندي أخوات تانيين".

ببطء شديد، كان "عثمان" الستيني يتحسس خطواته، وهو ينزل عن سلالم المترو سلمة تلو الأخرى، لم يعرف طريقه إلى المترو من قبل، اعتاد كأبناء جيله ركوب الأتوبيسات التي كان يتنقل بها طول عمره، ولكنه اليوم لم يجد موطأ قدم واحدًا في أي واحدٍ منهم إلى حيث وجهته، فقرر ركوب المترو، ليبدو كُل شيء واضحًا بالنسبة له، بعدما طالبه الموظف بخمس جنيهات ثمن التذكرة، قائلًا: "الناس سابت المترو واتحشرت في الأتوبيسات عشان غلوا سعر التذكرة".

رغم سمعه الثقيل، والتجاعيد التي ظهرت على وجهه بوضوح، لا زال الرجل الستيني يذكر الحال قبل عامين، "كانوا خايفين ياخدوا قرار برفع سعر التذكرة، والناس وقتها قالت يغلوها من جنيه لاتنين لأنها كانت رخيصة، دلوقتي غلوها من غير ما يغمضلهم جفن متين المية".

اعتياد الغلاء هو أحد الأسباب التي يرى عثمان، أن الحكومة تراهن عليها، ولذلك استغلت الأمر ورفعت التذاكر بشكل مبالغ فيه، رغم أنه يرى أن إدارة المترو "يستحيل تكون بتخسر" لكثرة الإعلانات الدعائية داخلها في كل اتجاه، ولكثرة عدد رواد المترو.

يقول الرجل الستيني، إن الحكومة لو أرادت تطبيق زيادات، كان يجب أن تجعلها تدريجية حتى لا يضج الشعب، أو ترفع من ثمن الإعلان داخل المحطات لتوفر النفقات، مضيفًا: "مكنتش فاكر إني هلاقي المترو فاضي كده بس لما عرفت حكاية الأسعار فهمت.. أهو رايق بس الدنيا برة زحمة، والناس بقت كوم لحم فوق بعض في الأتوبيسات عشان الحكومة تتبسط".

3

فيديو قد يعجبك: