إعلان

جريمة الرحاب.. «مصرواي» يرصد حقائق وشهادات حول الضحايا والمجزرة

09:35 م الخميس 10 مايو 2018

مذبحة الرحاب

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - عبدالوهاب عليوة ونانيس البيلي:

المكان: «فيلا27» بـ«الرحاب2».

التوقيت: ليلة الأحد الماضي «6مايو».

هدوء معتاد يسود أروقة الحي الراقي، الشوارع تخلو من المارة، باستثناء سيارات فارهة أغلبها معتمة تمر على فترات متقطعة و4 أفراد أمن يرتدون زيًا بني اللون، مميزًا بـ"بدج" يعلن عن هويتهم، وتبعيتهم للشركة المصرية للأمن، يجلسون داخل أكشاك متفرقة ومتباعدة يمتزج فيها اللون الأبيض بالأزرق.

في هذه الليلة ومع ملامسة عقارب الساعة الواحدة صباحًا، تغيرت الأجواء المعتادة، داخل منطقة الفيلات، أو ما يعرف بين عمال التشغيل بـ"الكمبوند" بـ«فيلات المنفلوطي»، في إشارة إلى تواجدها بشارع مصطفي لطفي المنفلوطي، حيث دوت أصوات سيارات الإسعاف والشرطة لتكسر حالة الصمت في أرجاء الحي الهادئ.

كانت بوادر هذا التغيير مع غروب شمس يوم السبت الماضي «5 مايو».

1

والبداية من خلف أسوار «فيلا 27»، وتحديدًا من الحديقة الأمامية، علا نباح كلب الحراسة، واشتكى اثنان من قاطني الفيلات المجاورة، وطالبا فرد الأمن بالتحدث مع قاطنيها.

تجاهل فرد الأمن الأمر "ده كلب هنعمل له إيه؟"، وفقًا لما رواه فرد الأمن لزميله إسلام محمد الذي كان يجلس مكانه أثناء تواجدنا بموقع الحدث، ومع تزايد واستمرار نباح الكلب، وتكرار الشكوى، تحرك فرد الأمن، لنقل تذمر الجيران إلى قاطني الفيلا المتواجدة بممر جانبي متفرع من شارع المنفلوطي وتبعد مسافة 200 متر عن كشك الأمن.

ضوء خافت يتسرب من زجاج شباك الطابق الأول فوق الأرضي، يعطي رجل الأمن انطباعًا بتواجد المقيمين داخلها، ضلفة الشباك بإطار أبيض وزجاج شفاف مواربة قليلاً، تزيد هذا الانطباع، لكن صوت الجرس الذي يطغى عليه نباح الكلب المتصاعد، يقول غير ذلك، يزيد الغموض رائحة كريهة غير معتادة تزكم أنف رجل الأمن، يتصل الشاب الثلاثينى عبر موجات جهاز لا سلكي بالمشرف المسؤول، وينقل شكوى الجيران، وعدم استجابة قاطني الفيلا لندائه والرائحة الكريهة التي تفوح في محيط المكان، يُطلب منه الانتظار.

تتواصل الإدارة مع مالك الفيلا يخبرهم بأنه أجرها أواخر 2016 لرجال أعمال يدعى عماد سعد، تستنجد الإدارة بقسم شرطة التجمع الأول بالقاهرة الجديدة بعد تأكدها من الرواية التي نقلها فرد الأمن.

2

عشرون دقيقة تصل بعدها قوة من مباحث قسم شرطة التجمع الأول، لتكتشف وجود 5 جثث مقتولين بالرصاص وآثارًا للدماء وفوارغ للطلقات بجوار الضحايا، يخطر الضابط المسؤول عن القوات العميد عبدالعزيز سليم مدير المباحث بقطاع القاهرة الجديدة «في مجزرة هنا يا فندم».

الفيلا التي يقطنها المهندس عماد سعد وزوجته وأبناؤه الثلاثة مدخلها الرئيسي يطل على ممر جانبي يتواجد فيه 4 مداخل: الأول والثاني خاصان بالفيلا التي تقيم فيها الأسرة المجني عليهم، بينما الثالث والرابع مدخلان للفيلا الملاصقة والجراج الخاص بها والتي تحمل رقم 26، يطل الممر على ثلاثة شوارع: الأول شارع نجيب محفوظ ويمثل الجهة البحرية للفيلا، ويواجهه في الجهة الأخرى من الطريق منطقة تحت الإنشاء خاصة بالتوسعات التي يشهدها نادي الرحاب، ويؤدي الممر من الجهة الأخرى إلى شارعي مصطفي لطفي المنفلوطي ومصطفي محمود.

يتواجد في محيط المكان 4 أكشاك لرجال الأمن الإداري كل كشك يقع في شارع من الشوارع الثلاثة التي يربطها الممر الجانبي، ورابعهم يتوسط الجزيرة التي تشطر شارع نجيب محفوظ، بينما يخلو الممر والشوارع الثلاثة في محيط المكان من وجود أي كاميرات مراقبة يمكن رؤيتها بالعين المجردة سواء على حوائط أو مداخل الفيلات وكذلك أعمدة الإنارة المتراصة بالشوارع الثلاثة والممر الجانبي، نفس الحال تنطبق على معظم شوارع "الكمبوند"، باستثناء منطقة البنوك والتسوق والترفيهات التي يتواجد بها كاميرات مراقبة.

شارع نجيب محفوظ أو امتداد طلعت مصطفي، كما يعرف بين العاملين، يعتبر أحد المحاور المرورية الرئيسية داخل مدينة الرحاب، حيث يربط معظم الأحياء والمناطق سواء السكنية أو الإدارية والترفيهية بالمدينة، والحركة المرورية عليه سريعة، بعكس شارعي المنفلوطي ومصطفي محمود اللذين يطغي عليهما الطابع السكني.

الفحص المبدئي للأدلة الجنائية أكد أن جريمة القتل وقعت قبل 4 أيام من اكتشافها، بينما حددت تصاريح دفن الجثث الخمسة تاريخ الوفاة يوم الأربعاء الماضي «2 مايو»، وكان اكتشاف الجريمة مساء السبت 5 مايو.

2018_5_9_21_56_3_592

التضارب حول الحادث، دفع «مصراوي» للنزول إلى موقع الحادث بمدينة الرحاب، ومقابلة بعض العاملين في محيط المكان والتحدث مع أقارب وأصدقاء الضحايا الذين كانوا على تواصل معهم قبل الحادث بساعات، وما دار في محيط الفيلا على مدار الأيام الأربعة بين وقوع الجريمة واكتشافها.

البداية كانت من موقع الحادث، وتحديدًا الفيلا التي تتكون من طابقين (أرضى وأول) وأسفلها بدورم، له مدخل خاص يمين المدخل الرئيسي للفيلا. وفقًا للآليات المتبعة من الإدارة يقتصر تعامل عمال النظافة على تنظيف الشوارع والممرات الخارجية وليس لهم علاقة من قريب أو بعيد بما يوجد خلف أسوار البنايات التي يقتصر التعامل معها على تفريغ صناديق القمامة الملاصقة للسور الخارجي، بحسب أحد مشرفي الخدمات بالشركة المسؤولة عن نظافة المدينة.

أمام باب الجراج الخاص بالفيلا تقف سيارة برونزية اللون ماركة هيونداي ألنترا، إطاراتها الـ4 مفرغة من الهواء، لكنها لم تتحرك من يوم الثلاثاء الماضي وفقًا لرواية 4 من العاملين بـ"الأمن والخدمات" بمنطقتي الرحاب 1و2، الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، بسبب التنبيهات عليهم بعدم التحدث مع وسائل الإعلام.

يؤكد أحد عمال الشركة أنه شاهد السيارة المركونة أمام الفيلا تقف في ساعات الصباح الأولي يوم الثلاثاء 1 مايو، مؤكدًا أنه لا يتذكر التوقيت بالتحديد ولم يعرف من كان بداخلها، لكنها كانت غير متواجدة قبلها بيوم واحد في نفس التوقيت في إشارة إلى يوم الاثنين «30 إبريل».

4

هذه السيارة خاصة بالابن الأكبر «محمد عماد»، حيث كان يذهب بها يوميًا برفقة شقيقته نورهان إلى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة المستقبل التي كانا يدرسان بها، وفقًا لـ"عمرو ي" الصديق المقرب لـ"محمد" الابن الأكبر وزميله بنفس السنة الدراسية بكلية السياسة والاقتصاد جامعة المستقبل.

يتذكر "عمرو" الأيام التي كان «محمد» يصطحبه معه إلى الجامعة «قبل ما أشتري عربية كان محمد ونورهان وهما رايحين الجامعة بيخدوني معاهم في طريقهم في العربية دي»، لكنه لم يكن يعرف هل هي مملوكة للأسرة أم مستأجرة من أحد معارض السيارات؟

من خلال أحد المصادر بإدارة مرور القاهرة حاول «مصراوي» التعرف على مالك السيارة التي تحمل لوحتها المعدنية حروف وأرقام «هـ ق ط 245»، واتضح أنها مسجلة باسم أحمد خالد عثمان بولاية والده وتابعة لمرور مدينة نصر، وينتهي ترخيصها في 2 مايو 2020 ويحمل الموتور، رقم 272139، وبينما الشاسيه مدون عليه رقم 154611.

5

"محمد" كان يتحرك بسيارة ألنترا قديمة قبل استخدامه هذه السيارة، لكنه تعرض لحادث قبل عام وباعها وبدأ يتحرك بهذه السيارة التي تتواجد معه منذ عام تقريبًا، بحسب صديقه عمرو.

الآليات التي تفرضها الإدارة على عمال النظافة، تختلف عن الآليات التي يعمل بها العمال المسؤولون عن الحدائق والمناطق الخضراء، سواء الخاصة بالبنايات السكنية أو العامة، حيث يتم المرور على حدائق الفيلا كل 15 يوميًا، لقص الحشائش وري الحديقة وتنظيفها.

وحتى يحدث ذلك يطلب العامل الإذن من قاطني الفيلا عبر جرس الباب، وإذا سمح له بالدخول يمارس عمله، وإذا رفض المقيمون، يكتفي العامل بتنظيف المساحات الخضراء الخارجية فقط، بحسب رواية محمد سالم الذي يعمل بالمدينة من 3 سنوات.

وأكد سالم أنه كان في إجازة في بلدته بمحافظة الفيوم، لكنه آخر مرة نظف فيها حديقة الفيلا كانت يوم 27 أبربل الماضي، واتبع التعليمات للدخول الفيلا، أخطر الأسرة أولاً، وسمح له الأب بالدخول، وقام بعمله وخرج كما يفعل كل مرة، ولم يكن هناك أي شيء غريب أو غير معتاد.

6

في حوالي التاسعة من مساء يوم الأحد "29 أبريل" كانت "أميرة عادل" تتحدث إلى قريبتها وصديقتها "نورهان عماد" ضحية مذبحة الرحاب، من خلال الرسائل النصية "الشات" عبر "فيس بوك"، بعدها اختفت "نورهان" ولم تظهر "أونلاين" على الموقع الأزرق "لأني فضلت أراقبها بس مكنتش بلاقيها بتفتح خالص"، قبل أن تفُجع بمقتلها وأفراد أسرتها عندما قرأت نعي أصدقائهم للأسرة "اتصدمت لأنها في آخر مرة كلمتها مكنتش بتشتكي من حاجة خالص، كانت بتعيش حياتها طبيعية جداً".

112222

قبل الاختفاء بدقائق، كتبت "أميرة"، "بوست عبر فيس بوك" يحمل حبًا ووداً لنجلة عمها "مهما شوفت ومهما عرفت عمري ما هحب حد زيك، إنتي الحاجة الوحيدة الحلوة أوي في حياتي، أنا بحبك أوي والله"، لتبادلها الشابة الضحية بتعليق يحمل ذات المشاعر "والله العظيم أنا اللي بحبك جداً ومش هلاقي زيك".

9

في العاشرة مساء من نفس اليوم «29إبريل»، التقي« عمرو ي» بصديقه «محمد» داخل فيلا الأخير وكان معهم مجموعة من الأصدقاء كعادتهم في أيام الإجازات، «محمد كان سهران معانا، كل فترة بنسهر بالليل في بيت حد من أصحابنا».

قضى الأصدقاء الليلة داخل منزل مضيفهم وتحركوا في السادسة صباحاً، وكان جميع أفراد الأسرة متواجدين والأمور طبيعية ولم يكن هناك أي شيء غير طبيعي أو مثير للشكوك، وفقا لما أكده عمرو لـ«مصراوي» في اتصال مسجل.

وظل محمد وفقًا لصديقه عمرو أون لاين على تطبيق "واتساب" حتي قرابة الساعة 11 صباحًا يوم 30 أبريل، «عشان لما أنا كنت أونلاين على واتساب هو كمان كان أونلاين وشفته».

وكان هذا الظهور الأخير لـ«محمد» على برامج التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت «فضل غايب طول النهار، وفكرناه هيظهر على آخر اليوم كالعادة» منذ هذا التوقيت لم يتوقف أصدقاء محمد عن الاتصال بيه تليفونيًا حتى اكتشاف الجريمة، بحسب رواية عمرو الذي يعتقد أن الوقت الذى اختفى فيه صديقه هو الذي جرت فيه عملية القتل «في الغالب ده الوقت اللي حصلت فيه جريمة القتل.. رأيي إن اللي قتلوهم قتلوهم في عز الظهر، يعني قبل إعلان الحادث بـ5 أيام».

اعتقاد صديق الضحية أكده مصدر من فريق التحقيقات بالقضية لقناة العربية الفضائية، عندما قال إن التحقيقات كشفت أن الجريمة وقعت بين الساعة 11 صباحًا وحتى الساعة السادسة مساءً.

بدأ أصدقاء محمد يشعرون بالقلق بعد غيابه يوم الاثنين «30 أبريل»، يقول عمرو «لأن غيابه طول وده مش على عادته، الساعة بقت ١٢ بالليل وبنتصل مبيردش»، ويشير إلى أنهم بعدها اتصلوا بشقيقته نورهان وشقيقه عبدالرحمن: «بردوا لقينا تليفوناتهم محدش بيرد».

10

في اليوم التالي، الثلاثاء 1 مايو، توجه عدد من أصدقاء محمد إلى فيلته في الرحاب للاطمئنان عليه «لأن لقيناهم اختفوا يوم كامل، وتاني يوم مفيش جديد، الكل بيسأل محمد ظهر وبردوا مفيش جديد».

هناك كما يقول عمرو «لم نجد أحدا، وكانت الفيلا مغلقة وسألنا الأمن هما الجماعة اللي هنا فين؟»، ويضيف أن فردي أمن أجابوهما أنهم خرجوا من الفيلا في سيارة جاءت لاصطحابهم «قالوا فيه عربية جت خدتهم ومشيت، ففكرناهم سافروا البلد هيغيروا جو ويرجعوا».

ويشير «عمرو» إلى أن أصدقاءهم وجدوا كلب حراسة الفيلا في حالة هيستريا «قولنا عشان لوحده»، وأنهم وضعوا له طعام ومياه من أسفل بوابة الفيلا لأنهم لم يستطيعوا دخولها لأنها محاطة بسور حديدي والبوابة مغلقة.

يتمتع رجل الأعمال عماد سعد الذي يعمل في مجال المقاولات وتجارة الأراضي بشبكة علاقات معقدة، لا تخلو من الصراعات والمضاربات، بحسب محمد فوزي جاره القديم بمنطقة الشرابية بشبرا مصر، الذي كان على تواصل معه حتي منتصف شهر أبريل الماضي، يقول «فوزي» إن عماد ترك منزلة القديم بمنطقة الشرابية منذ ما يقرب من 30 عاماً بعد وفاة والده، وتحديدًا في عام 1989 وانقطعت أخباره.

collage

في عام 1993 تعرف عماد سعد على زوجته وأسرتها التي كانت تقيم آنذاك بحي المطرية بالقاهرة، وتقدم لطلب يد ابنتهم وفاء وكانت وقتها في الثانوية العامة وبعد ظهور نتيجة الثانوية العامة تزوج "عماد ووفاء"، يقول والدها فوزي شومان الذي يتجاوز العقد السادس من العمر، إن شقة الزوجية التي انتقلت لها ابنته مع زوجها كانت في مدينة نصر عام 1995، ويتذكر وقتها أن نتيجة التنسيق الخاصة بابنته كانت كلية تجارة جامعة الزقازيق، ورفض وقتها زوجها سفرها إلى الزقازيق ولم تكمل تعليمها الجامعي.

collage

على مدار 21 عامًا تنقلت أسرة عماد سعد من شقة إلى أخرى في محيط مدينة نصر بحسب والدها فوزي شومان، حتى نوفمبر2016، انتقلوا لمدينة الرحاب.

منذ زواجهما، اعتاد «عماد» أن يُحضر خادمة تساعد زوجته في أعمال نظافة المنزل فقط «لكن وفاء طول عمرها بتطبخ بنفسها، جوزها ميحبش حد يحط إيده في الأكل إلا هي».

يقول والدها «فوزي»: الخادمة لم تكن تقيم معهم في المنزل «وقت ما تخلص شغلها تتوكل على الله تروح، مكنتش بتبات معاهم».

وبحسب الأب، كانت ابنته «وفاء» تتصل بالخادمة للحضور كلما احتاجت لمساعدتها فقط وليس بشكل يومي «وقت ما تعوزها تكلمها تيجي»، قبل أن تنقطع تمامًا قبل نحو 4 أشهر «لأنها جت في الفترة الأخيرة بقت مش منتظمة وبتيجي مرتين بس في الأسبوع، لحد ما أبوها أو جوزها منعوها خالص».

13

روايتان للقتل الأولى بطلها الأب الذي قتل أبناءه ثم انتحر، والأخرى تورط شخص أو أشخاص كان لهم خلافات مادية مع الأب وقتلوا الأسرة. الجهات الرسمية الأمنية والقضائية لم تصدر أي بيان رسمي يتعلق بالحادث حتى الآن في انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات التي تجري الآن.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان