فيلم البحث عن أم كلثوم.. تاريخ كاريكاتوري وأسئلة بلا إجابات
كتبت- رنا الجميعي:
أضغاث أحلام، كأن فيلم "البحث عن أم كلثوم" أشبه بهلاوس لمخرجته "شيرين نشاط"، ليس هُناك تفسير يُوضّح العمل الفني، سوى كونه خيالات لصاحبته، شططاً عقلياً استجابت شيرين لإغوائه، أسئلة تركتها المخرجة للمتفرجين دون إجابة تبل الريق.
استخدمت شيرين داخل العمل تكنيك فيلم داخل فيلم، حيث تُقدم قصة عن مخرجة تدعى ميترا تصنع فيلماً عن أم كلثوم، وتنتقي ممثلة لأداء دورها، وهي الممثلة "ياسمين رئيس"، التي تعمل كمدرسة لها أحلام بسيطة، أما المخرجة فهي المعادل لشيرين، لا تصنع سيرة ذاتية شبيهة لحياة أم كلثوم، بل تؤدي رؤية شخصية بحتة لكوكب الشرق كما تراها.
منذ سبعة أعوام انشغلت المخرجة الإيرانية "شيرين نِشاط" بالأيقونة العربية، أم كلثوم، كانت مشروع فيلمها القادم، تقول المخرجة في حوار سابق لمصراوي إنها بحثت عن أيقونة بحجم أم كلثوم داخل إيران، فلم تجد، تهتمّ نِشاط في أعمالها الفنية بالمرأة، ظهر ذلك بصورة حادة بفيلمها الأحدث، على لسان المُخرجة التي تقوم بدورها بالفيلم، حيث يُعاديها أحد الممثلين، فتقول إنه لا يعمل تحت رئاسة امرأة.
رغم ما صرّحت به شيرين سابقًا بأن فريق البحث معها من مصريين، ذهبوا إلى قرية أم كلثوم، طماي الزهايرة، بالسنبلاوين، وأنها اجتمعت مع أقارب الست، وأيضًا لقاء مع الشاعر الراحل "أحمد فؤاد نجم"، إلا أنها لم تلتزم في الفيلم بأية فترات تاريخية، لم يكن ضمن اهتماماتها ذلك، هكذا قالت أيضًا داخل الفيلم، حيث تقوم بدورها الممثلة "ونيدا رحمنيان".
بجراءة اختارت ممثلاً فلسطينياً، الممثل "قيس ناشف"، لأداء دور نجم، خلال أحداث الفيلم يتصارعان، فيهددها بانسحابه، ترد عليه أنه حتى لم يكن مصرياً، إذاً فالسؤال، لماذا اختارته منذ البداية؟، ولماذا اهتمت بالبحث وراء أم كلثوم، وهي لا تهتم بسيرتها الشخصية، والأهم لها هي رؤيتها الذاتية جدًا.
تُقدّم شيرين في فيلمها صورة كاريكاتورية عن مصر، تأخذنا إلى مُظاهرة نسائية تتم عام 1914 تخلع فيها السيدات النقاب، وتزجّ فيها بأم كلثوم الشابة، رغم أن أول مظاهرة نسائية معروفة كانت أثناء ثورة 1919، كما تُظهر قرية طماي الزهايرة كأنها قادمة من عصور الجاهلية.
يسير الفيلم عبر خطين، وهما صناعة المخرجة فيلم عن أم كلثوم، وآخر عن حياة كوكب الشرق داخل الفيلم، أحيانًا تظهر ثومة للمخرجة كخيالات، تراها في أحلامها، تعاني المُخرجة من إحساس بالذنب تجاه ابنها الذي تركته منذ سبعة أعوام، والذي يُرسل إليها برسالة يقول فيها إنه يكرهها.
تُناقش نِشاط عبر الفيلم ثُنائيات متضادة، الحياة الشخصية أم النجومية، العائلة أم التحقق الشخصي، غير أنها لا تُعطينا أية اجابة أو تحليلاً لسيرة أم كلثوم عبر تلك الثنائيات، تُشير إلى ارتداء الست ملابس الأولاد وهي صغيرة فقط، لكنها لا تُكمل تفسيرها للثنائيات، تُظهر أم كلثوم عبر نجاحاتها، وتضع في الطريق سؤالاً آخر، هل كانت السيدة تُغني للناس أم للسلاطين، تضع أم كلثوم كمُعتقلة من قِبل الجيش، لكن اتضح أن عبدالناصر يحتفي بها في الإذاعة، واصفًا إياها بالهرم الرابع.
نجحت الممثلة رحمنيان في أداء دور المُخرجة التي تعاني من التيه، عيناها دومًا تُبرز حيرة، وأسئلة دون رد. بالنهاية تنتقم ميترا من أم كلثوم، وتجعلها تقف وسط حفلة كبيرة، بينما صوتها يعجز عن الغناء، وفي مشهد أخير تتقابل السيدتان، تقوم بدور أم كلثوم في مرحلة متقدمة من العمر الممثلة المغربية "ناجية الصقلي"، وتقف "الست" بجوار المخرجة قائلة لها "ليه حطمتِ صورتي؟"، فتجيبها "تعبت من شهرتك وعظمتك".
كصورة فالفيلم قدّم الكثير، حيث يمتلئ بكادرات ممتعة، وموسيقى جميلة من صنع المؤلف التونسي أمين بوحافة، كذلك كان اختيار مروة ناجي جيد لتسجيل صوت أم كلثوم عبر الأغاني الموجودة بالفيلم "أنا في انتظارك، انت عمري، يا ليلة العيد" وغيرها، أما عن الأزياء فلم تمثل مصر أبدًا، حيث كانت أشبه بعباءات لها طابع مغربي أكثر.
لا ضرر من الجرأة إذا كنت تفهم ما تفعله، لكن الفيلم به كوارث كثير؛ معظم طاقم العمل غير مصري، وفي حضور ياسمين رئيس لعرض الفيلم بسينما الزمالك صرّحت بأن نشاط أصرّت على البحث عن فنانة مصرية لتقوم بالدور، فإذا كان بإمكانها الاستغناء عن وجود مصريين بالفيلم، حتى عبدالناصر لم يكن ممثل مصري، فلماذا لم تجعل أم كلثوم إيرانية مثلًا، كونها تُقدّم بالنهاية رؤية شخصية لها، ولها من الجرأة أن تحطم الصورة الأيقونية لأم كلثوم.
عُرض الفيلم يوم الاثنين الماضي، بحضور البطلة "ياسمين رئيس"، داخل سينما الزمالك، ضمن فعاليات "أيام القاهرة السينمائية ". ذلك هو العرض الثاني للفيلم بمصر، الأول كان بمهرجان الأقصر لأفلام المرأة، في فبراير الماضي.
وتم عرض الفيلم لأول مرة بمهرجان فينسيا في سبتمبر الماضي، ثم تابع مسيرته بمهرجانات أخرى منها تورنتو بكندا ولندن، ولم يحصل على أية جوائز.
فيديو قد يعجبك: