ضحايا "السعودة والتكويت".. ماذا فعل العائدون بعد سنة من "التفنيش"؟
كتبت – نانيس البيلي:
جرافيك - مايكل عادل:
لم يتخيل "أحمد كامل"، موظف الشئون الإدارية "HR"، يوماً أن يكون ضحية من ضحايا "السعودة"، وهي الخطة التي أطلقتها السعودية لإحلال مواطنيها مكان الوافدين، حتى تلقى إخطاراً قبل 5 أشهر بإنهاء خدمته في شركة الأجهزة الطبية التي عمل بها على مدى 11 عاماً.
لم يكن أمام الشاب أي حل سوى العودة إلى بلاده مصر، والبحث عن فرصة عمل بها، إلا أنه لم يجد وظيفة حتى اليوم. وبعبارة لا تخلو من عتب يلخص الشاب ما حدث له ولمئات المصريين قائلاً: "السعودة ضيعت ناس كتير وقطعت عيشهم، بس هما عايزين يشغلوا ناس بلدهم برضو".
الآن كل ما يبحث عنه الشاب، صاحب الـ38 عاماً والأب لثلاثة أطفال، هو تأسيس مشروع يساعده على تربية أبنائه "أي حاجة كويسة أبدأ بيها حياتي". يقول "كامل" إنه لم يستقر بعد على طبيعة البزنس الذي سيبدأه "رأس المال موجود، بس السوق نايم شوية وده اللي مخوفني".
موظف "HR" بلا عمل.. و"شرقاوي" اشترى توكتوك.. و"سمير" يزرع الأرض
"كامل" نموذج يعبر عن آلاف المصريين الذين تم تسريحهم من مهن ووظائف مختلفة في إطار قرارات صارمة بدأت المملكة والكويت تطبيقها قبل أكثر من سنة. ويبدو أن عددا كبيرا من العائدين لا يزالون يبحثون عن وظائف حتى اليوم.
"هبة".. طبيبة عادت منذ سنة
"هبة الله محمد"، مصرية عملت في السعودية كطبيبة عامة طيلة 7 سنوات، وفي نهاية المطاف أبلغوها بـ"التفتيش" في سبتمبر من العام الماضي، وبعد شهر واحد غادرت المملكة عائدة إلى مصر رفقة أطفالها الأربعة، وحتى الآن لم تستطع الحصول على وظيفة، بينما تفكر في العودة إلى عملها الحكومي براتبه القليل.
من خلال عقد عمل حكومي تابع لوزارة الصحة السعودية، سافرت الطبيبة المصرية رفقة زوجها "أحمد محمد" الذي يعمل صيدلياً بشركة أدوية بذات الدولة، يقول الزوج الثلاثيني لمصراوي إن عقد زوجته لم يتضمن أي شروط جزائية، غير أنه كان من بين بنوده احتمالية الإحلال الوظيفي لتوطين أحد مواطني المملكة، "كانت ماضية في العقد إنها ممكن تسيب الوظيفة في حالة إحلال مواطن سعودي مكانها".
تعرضت هبة لـ4 محاولات "تفنيش"، كانت المرة الأولى عقب 5 أشهر فقط من عملها، غير أن علاقات زوجها بالمملكة نجحت في إعادتها مرة أخرى "أنا عن طريق الوسايط والمعارف عرفت أرجعها كام مرة قبل كده" يقول "أحمد".
بينما لم يتمكن "أحمد" في المرة الأخيرة من فعل شيء أمام قرارات الدولة الصارمة "المرة الخامسة دي مكنش فيه أي حل إن إحنا نرجعها تاني". عقب ذلك، اتخذ الزوج الشاب قراراً بترك وظيفته هو الآخر والعودة إلى مصر رفقة زوجته وأبنائه حتى لا تتشتت الأسرة.
"موضوع الإحلال الوظيفي ده بيجي حظ" يوضح الصيدلي المصري آلية استبدال العمالة الوافدة بالسعوديين في الوظائف من خلال تواجده لسنوات بالمملكة بجانب تجربة زوجته وأصدقائه، ويقول إن الاختيار يكون عشوائي عبر جهاز الحاسب الآلي "كل الناس الأجانب اللي شغالين في الحكومة هنا ليهم رقم وظيفي، بيبقى موجود في مكتب العمل وقصاده كلمة ممتليء، فبالتالي الكومبيوتر بيختار أرقام عشوائية لما يكون فيه مواطن سعودي عاوزين يوظفوه".
وبحسب "أحمد" يكون الإحلال في الوظائف الموجودة بالمدن والمناطق التي تتواجد وسط العمران "لأن السعوديين طبعًا عايزين يتوظفوا في الأماكن دي"، يقول إنه قبل ذلك كانت هناك فرصة لعودة العامل الوافد الذي تم الاستغناء عنه ولكن في أماكن نائية "وعشان تشتغلي في أماكن نائية منلاقيش فيه مدارس وبتكون الخدمات قليلة"، ويضيف أن العام الماضي اختلف الوضع وأصبح الإحلال والاستغناء بشكل نهائي "يعني اللي بيجي رقمه بيمشي خالص".
فارق العملة والراتب كانت أبرز المشكلات التي واجهتها أسرة "أحمد" بعد عودتهم إلى القاهرة "طبعا الموضوع اختلف كتير جداً لأن الحياة في مصر غالية نار". يقول الصيدلي، الذي تعود أصوله إلى محافظة المنيا، إن مصروفات أبنائه الأربعة الذين يدرس إثنان منهم بالمرحلة الابتدائية أثقلت كاهلهم "الولاد متعودين على عيشة السعودية، هنا في مولات ورفاهيات ومصاريف كتيرة، فعشان تنقليهم نقلة لمصر ده كان وضع مختلف تماما".
الاستغناء عن العامل الوافد وإبلاغه بإنهاء العقد وسط فترة الدارسة، مشكلة آخرى واجهت كثير من العمالة الوافدة خلال الفترات الماضية، وفق ما يقول "أحمد": "مفيش مراعاة إن الولاد مرتبطين بمدارس وعاوزين يكملوا سنتهم الدراسية"، ويضيف أنه واجه أزمة كبيرة عقب عودته لمصر خلال شهر أكتوبر في إلحاق أطفاله بمدارس "لفيت السبع لفات عشان أعرف ألاقي مدارس لولادي".
بنبرة حزينة، يذكر الصيدلي الشاب أن التشتت الأسري بينه وبين أطفاله وزوجته كان أمراً ثقيلاً آخر عليهم "صعب يبقى هما في مكان وأنا في مكان تاني".
"الدنيا هنا وقعت خالص للعمالة الوافدة" يقول "أحمد" عن تبدل الحال بالمملكة خلال الفترات الآخيرة مع قرارات الإحلال والسعودة، ويشير إلى أن أكثر ما يشغل تفكيره حاليًا هو البحث عن فكرة مشروع بعد رجوعه إلى مصر خلال أشهر قليلة "مجال بيزنس سواء مرتبط بدراستي زي صيدلية أو أي حاجة هتجيب لقمة عيش ودخل كويس"، يصمت قليلاً قبل أن يضيف ضاحكًا "أنا شغال حكومة وطبعًا شغل الحكومة في مصر ما يأكلش عيش".
"شرقاوي" عاد إلى التوك توك.. و"سمير" يزرع الأرض
6 سنوات قضاها "محمود الشرقاوي" و"محمد سمير" كعمال بشركة بترول بالكويت، قبل أن يتم إنهاء خدمتهما العام الماضي وإحلال مواطنين كويتين بدلاً منهما ضمن خطة بدأتها الدولة الخليجية تعرف بـ"التكويت".
وبعد سنوات من الغُربة عاد الشابان إلى مصر وعملا ببعض المهن البسيطة كسائق توك توك ومُزارع بأرض لتلبية احتياجاتهم الأساسية، دون تحقيق الطموحات والأماني التي سافروا بحثًا عنها.
عن طريق مكاتب إلحاق العمالة بالخارج المنتشرة بالقاهرة، تمكن "سمير" 29 عاما ابن محافظة المنوفية و"شرقاوي" 33 عاما القادم من الشرقية من الحصول على عقد عمل بدولة الكويت في عام 2011. وقتها لم يكن الشابان يعرفان بعضهما، دفع الأول 8 آلاف جنيه ثمن عقد العمل "وكنت طاير من الفرحة"، بينما دفع الثاني 4 آلاف جنيه "ربنا يعلم جمعتهم إزاي، بس قولت أخيراً هسافر وأحقق كل اللى كان نفسي فيه".
حوالي 7 آلاف جنيه كان راتب الشابان كأجر عن 8 ساعات عمل نظير العقد التابع للقطاع الحكومي، في مقابل ذلك وفرت الشركة للعمال "سكن، وجبات، أتوبيسات التنقل"، بحسب ما يقول "سمير".
ويضيف أن بعض الصعوبات واجهوها في البداية منها وجود محل الإقامة في منطقة نائية تبعد عن الخدمات الضرورية "كان معزول تماماً عن العالم، أقرب مستوصف طبي يًبعد أكثر من ساعة عن السكن"، بجانب بعد مقر العمل بحوالي ساعة ونصف عن سكنهم "كان 3 ساعات يوميًا في الطريق ذهاب وعودة".
خلال تلك الفترة، كان الشابان يُصبران أنفسهما بأنهما يبنيان مستقبلهما، يحاولان الإدخار من راتبهما، وبعد عام واحد تمكن "شرقاوي" من الزواج "خدت 45 يوماأجازة ونزلت مصر قبل الفرح بيومين".
ظلت الأمور مستقرة طوال عامين، حتى بدأت الشركة في تأخير صرف الرواتب، "وصل التأخير لـ4 شهور وفاض الكيل بينا، قالولنا فيه أزمة ولازم نستحمل"، بعدها نظم بعض العمال إضرابًا للمطالبة بصرف مستحقاتهم المتأخرة.
بعد أيام قليلة، بدأت الشركة في اتخاذ إجراءات للاستغناء عن عدد من العمال الوافدين، بحسب الشابان، منها فتح باب التوظيف للمواطنين الكويتين "سمعنا إنهم نسبة من الكويتين مفروضين على المشروع" يقول "سمير"، ويضيف "شرقاوي" أنهم طلبوا من البعض الانتقال إلى مقر سكن آخر ليحل محلهم عمال آخرون "لما سألنا قالولنا علشان فى ناس تانية هتيجي مكانكم".
يقول "سمير" إنه خلال تلك الفترة إزداد الوضع سوءً بعدما أصدرت الكويت بعض القرارت الخاصة بالعمالة الوافدة منها فرض رسوم على الإقامة وروسوم آخرى على النقل من كفيل إلى آخر "أصبح شبه مستحيل إني أنقل لكفيل تاني أو من عقد حكومي لشغل أهلي أو خاص".
حصل "شرقاوي" على مستحقاته وجواز سفره بعد الاستغناء عنه من قبل الشركة وبعدها عاد إلى مصر "لقيتهم مجهزين الشيك، رحت صرفته وأنا معايا الشنطة بتاعتي وطلعت على المطار"، بينما قرر "سمير" ترك العمل والعودة "رغم إني عارف بصعوبة المعيشة لكني مقدرتش أتحمل الضغط والظلم من جميع الجهات".
شعور سيئ سيطر على الشابين بعد عودتهما من الكويت "مكناش عارفين هنعمل إيه لأننا نازلين إيد ورا وإيد قدام"، بعد فترة اشترى "شرقاوي" توك توك بالتقسيط ويعمل عليه الآن ليتمكن من الإنفاق على زوجته وطفليه، بينما ينتقل "سمير" بين عدد من المهن الحرة لتكوين نفسه والإقدام على خطوة الزواج "عندنا أرض بأزرعها وأيام بسوق تاكسي.. نفسي زي أي شاب ألاقي مشروع يغطي احتياجاتي العادية وأتجوز وأستقر".
فيديو قد يعجبك: