لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

858 ساعة من عُمر يناير.. أرشيف ثوري "يرجعك لأيام الميدان"

09:53 م الأحد 11 فبراير 2018

858 ساعة من عمر يناير

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - شروق غنيم وإشراق أحمد: 

في حركة عفوية تمامًا كما انهمرت الجموع يوم الخامس والعشرين من يناير، رفع البعض هواتفهم المحمولة لتصوير ما يحدث، لم يعلموا أن اللحظة التي يحملونها في قبضة يديهم كذكرى شخصية، سترسو بعد سبع سنوات في أرشيف مُصوّر يحمل 858 ساعة من عُمر الثورة، أطلقه موقع مُصرين في يناير الماضي.

قبل سبعة أعوام؛ قرر عدد من الشباب نصب خيمة بين المعتصمين، لتجميع فيديوهات المشاركين "بهدف إثبات جرائم الشرطة ضد المتظاهرين" كما يقول المتحدث باسم المشروع لمصراوي. من هُنا بدأت فكرة الأرشيف من رحم ميدان التحرير.

مئات المقاطع المصورة أقبلت عليهم، من فئات مختلفة صوروا عبر هواتفهم المحمولة أو كاميراتهم، ترددوا على الخيمة لتسجيل شهادتهم وكانت "النواة الأولى". وفي 16 يناير 2018 خرج الموقع إلكتروني باسم أرشيف "858" بالتزامن مع الذكرى السابعة للثورة، لكن ذلك لم يكن مقصودًا، فقط ظروف العمل دفعت لذلك "أخذ وقت ومجهود سواء للتفكير في أفضل طريقة نقدمه بها أو التنسيق بين الأفراد المشاركين في المشروع" يسترسل المتحدث باسم المشروع –الذي فضّل عدم ذكر اسمه.

انفضّ جمع الاعتصام في ميدان التحرير، لكن شمل أعضاء "مُصرين" -تعاونية إعلامية تشكلت خلال أيام الثورة- ظل قائمًا "ابتدينا احنا نفسنا نصور ونجمع فيديوهات في القاهرة وأماكن تانية"، إلى جانب ذلك لم يتوقف دراستهم للمنصات التقنية المختلفة التي يمكن الاستفادة منها في تقديم الأرشيف.

Untitled

منذ عام 2011 استمر العمل، غير أن إحباط أصاب القائمون، فضلاً عن ظروف دراسة بعضهم أو العمل، فتوقفوا إلى أن مسَهم الأمل من جديد قبل ثلاثة أعوام. وعكف 15 شخصًا من أعضاء التعاونية على إنجاز المشروع لإخراجه إلى النور.

جاء الموقع الإلكتروني مُنظمًا. 858 ساعة مقسمة بالموقع الجغرافي، التاريخ، الموضوع، والكلمات المفتاحية "يعني مثلًا كلمة غاز مسيل للدموع هتوصل المستخدم للقطات عنها في فيديوهات مختلفة".

مع كل ضغطة على تاريخ أو مكان تنبُض تفاصيل الثورة، تسير بلحم ودم أمام الشاشة. ربما تلمح بين السائرين صديق أو زميل تعرفه، أو تجد نفسك عابرًا صدفةً بين الهاتفين، وقد تتسمر عيناك لمرور شهيد سبق أن شاهدت صورته.

1

معظم المادة المصورة التي يضمها الأرشيف هي من تصوير أعضاء "مُصريِن" أما البقية تم تجمعيها من مصورين معروفين أو مجهولين وذلك عبر نشاطات التعاونية الإعلامية التي كانت تقام في سنوات الثورة كما يقول المتحدث.

البعض يهرول، آخرون يهتفون بحُرقة، شتائم ونقاشات في الخلفية، "كادرات" مُرتبكة، وأخرى تتحرك كما صاحبها، جودة رديئة، أخرى عالية.

في 25 يناير كانت الهتافات موصولة، من السويس تتعالى "بكرة الثورة لما تقوم مش هتسيب على الكتف نجوم"، يتبعها تساؤل من التحرير "قولي مين في الشعب اختارك.. يسقط يسقط حسني مبارك"، فيما دوّت "باطل باطل" في ميادين مختلفة.

في يناير كانت التجربة البِكر؛ أول مرة تتعرف أنف أحدهم على رائحة دخان القنابل المسيلة للدموع، ارتباك في التعامل مع الموقف، فيما وقف أحدهم في منتصف ميدان التحرير يعطي نصائحه "القنبلة صوتها عالي متخافش منها، امشى عكس اتجاه دُخانها، متدعكش عينك.. اغسلها بالمية من جوة لبرة"، وبكاميرا متواضعة رصد أحدهم الموقف قبل أن تقطعه أصوات مُريعة لسرينة عربات الشرطة، يتبعها جري الجموع ومعها الكادر الذي تشاهده على موقع مُصرين.

من بين 250 موقعًا مختلفًا داخل وخارج القاهرة، كان للعاصمة النصيب الأكبر من المواد التوثيقية للثورة، لكن إيمان الفريق بأن مدد الثورة تغلغل في البلد بأكملها دفعهم لاستكمال تجميع مواد أكثر من المحافظات خلال الفترة المقبلة "لاقتناعنا بأهمية عدم مركزية الجهد على القاهرة بس، لأن الثورة وصور المقاومة اللي تزامنت في السنين السابقة انتشرت في مصر كلها".

سجل الحضور في الأرشيف لا يستثني أحدًا، المشاهير والمغمورين، حتى في تسجيل شهاداتهم عن الثورة في ذكراها الأولى، إذ قام "مُصرين" بالتصوير صوت وصورة، فتجد الحقوقيين أمثال خالد علي، وممثلين مثل أحمد مالك وغيرهم.

وفي مقطع مصور على الأرشيف يسأل صوت أنثوي مجهول أحد الأشخاص عن سبب مشاركته في السادس من فبراير 2011. "بقالك أد إيه هنا؟" ليرد الرجل "خمس أو ست أيام".. طيب نزلت ليه؟ "شوفت العربيات بتاعة الأمن المركزي اللي فعصت الناس".. وجاي منين؟ من حلوان.. طيب وأسرتك تحب تقولهم إيه؟ إحنا بنعمل عمل وطني ويشرفنا قدام العالم الراجل ده بجد قضى على كل حقوق المواطن المصري".

12313

لم يكن توثيق الأحداث مجرد مشروع، الثورة جزء من فِعل "مُصِرين"، شاركوا وانغمسوا في تفاصيلها، أما الكاميرا فكانت عيونهم التي تشهد على ما جرى "أداة بتساعدنا على لعب دور داعم للثورة"، لكن هناك لحظات لم تستطع العدسات توثيقها، ظلّت محفورة في ذاكرة الفريق "شايلينها معانا في أرشيفنا الداخلي، أرشيف مشاعرنا".

858 من عُمر الثورة شاهدها الفريق، ورغم انخراطهم في الحدث إلا أن هناك مشاهد أدهشتهم، يشاهدون بعفوية ما وثقته أدوات المشاركين الآخرين، تأرجحت مشاعرهم إزاء التفاصيل "اتفرجنا على حاجات عيشناها وتانية ناسيين تفاصيلها أو حاجات مكناش شوفناها، العودة للمادة والفرجة بتأني وسماع الناس وكلامهم شيء بيدعو للأمل".

333333

مشاعر مختلفة انتابت القائمون على الأرشيف، بينما يواصلون مشاهدة كم هائل من مقاطع مصورة للثورة، تحمل تفاصيل بعضها يروه للمرة الأولى. ما بين فخر بحدث عظيم وحزن "على القمع اللي الثورة بتواجهه النهاردة" كما يقول المتحدث، كان ثمة أمل من قوة وقدرة المصريين "لما بيفيض بيهم الكيل".

توجهت دفة التفكير نحو أن مَن قام بهذا الحدث لازال موجودًا، فدب في النفوس طاقة للاستمرار، إذ لم تكن مشاهدة الفيديوهات "لمجرد التذكر والنوستالجيا" لكنها "أداة لمقاومة محاولة تزوير التاريخ".

25 يومًا مرت على إطلاق الموقع الإلكتروني "استقبال الجمهور عمومًا كان جيد جدًا"، في حين حرص "مُصرين" على عفوية المواد الأرشيفية دون أي تدخلات عليها، لذا جاءت الفيديوهات وكأنك مٌشاركًا مع المصور في الحدث، اهتزاز الكادر بينما هو يهرول هربًا من بطش قوات الأمن، سيدة تُرثي الحال الاقتصادي الذي قضى على أحلام أسرتها، والارتباك الأول في حفظ الهتافات وتريد الجموع لها سويًا.

ما كان إطلاق "أرشيف ثوري" –كما يصفون- أمرًا هينًا؛ مخاوف عدة لاحقتهم، بعضها يتعلق بالتوقيت المناسب لإخراج المشروع "في ظل الظروف السياسية المتغيرة للأسوأ"، والبعض الأخر بالمستقبل. يحمل أعضاء "مُصرين" صوب أعينهم غايتهم في أن يتوسع حتى يصبح "أرشيف مفتوح" لا يرتبط بالمجموعة.

يأمل أصحاب أرشيف "858" أن يتجاوزوا يومًا صعوبة تحقيق حلمهم الكبير، كما استطاعوا تذليل الصعوبات التقنية والتنسيقية بين مجموعات العمل خلال مسيرة المشروع.

فيديو قد يعجبك: