لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بالصور-مصراوي يعايش تعامد الشمس على "أبو سمبل".. الأحبة في "قدس الأقداس"

02:12 م الإثنين 22 أكتوبر 2018

تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني في معبد أبي

كتبت- رنا الجميعي ودعاء الفولي:

تصوير-كريم أحمد:

على مد البصر وقف كثيرون أمام معبد أبو سمبل في جنوب أسوان. الظلام يغطي كل شيء، لكن رغبتهم في رؤية شعاع الضوء الأول يتعامد على وجه تمثال رمسيس الثاني، حوّل المكان الهادئ لساحة مزدحمة، بطلها الانبهار.

كل عام تتعامد الشمس على تمثال الملك رمسيس الثاني وتماثيل الآلهة آمون ورع حور، حيث تخترق أشعة الشمس معبد "أبو سمبل" في أسوان، لتصل إلى الحجرة الداخلية أو ما يسمى قدس الأقداس.

1

قبل الحدث بليلة كانت الأجواء مبهجة، فرق الفنون الشعبية تجوب المدينة، تختلط زغاريد المصريات بتصفيق السائحين، إذ أقامت الهيئة العامة لقصور الثقافة احتفالية تزامناً مع التعامد احتفاءً بمرور نصف قرن على الانتهاء من ترميم معبد "أبو سمبل" بإشراف منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة (اليونسكو). والتي أطلقت حينها حملة إنقاذ دولية لحماية الآثار في النوبة من الغرق في مياه بحيرة ناصر.

"الليلة عيد".. قالها حسن سليمان بصوت مرتفع. كان حارس المعبد صاحب الـ38 عامًا يقف على بابه ينظم حركة الزائرين لمشاهدة الظاهرة، جسده مرهق من التحضيرات وعقله قلق "بس مبسوط أن ناس كتير جاية تشوف المعبد النهاردة" يقول الحارس بحماس.

أفنى سليمان عمره داخل المعبد "سبت شغلي في القاهرة من ١٢ سنة وجيت هنا ومش عايز أخرج"، وُلد آباؤه في النوبة قبل التهجير وتربى هو في مدينة "أبو سمبل"، عايش حكايات كثيرة داخل المكان، بات يعرف عنه جيدًا، رغم أنه لا يتقن القراءة والكتابة "كنت أسمع من المرشدين وهما بيشرحوا للناس والوزراء لحد ما بقيت أنا أشرح للي ييجي".

2

تحدث ظاهرة التعامد مرتين في العام؛ أولاها في فبراير والثانية في أكتوبر. لم يستطع طه عبيد اللحاق بالمرة الأولى "لما عرفت أن فيه رحلات طالعة النهاردة قلت لازم أجي". بقدم اعتراها التعب يتحرك الرجل الخمسيني، لكنه لم يكن ليفوت الحدث "ببقى فخور بالآثار دي لأن الأجانب بييجوا يتفرجوا فمش معقول نبقى هنا ومنروحش". تلك المرة هي الأولى لعبيد داخل "أبو سمبل" رغم أنه يقطن في مركز نصر النوبة.

أسباب القادمين كانت مختلفة، فبينما وقف الناس في ساحة المعبد، تقافز يونس صاحب الاثني عشر عامًا وأصدقاؤه، أخذوا يعبثون بجيتار صغير أحضروه معهم، هدف زيارتهم واضح "بنخش نلعب جوه في المعبد"، لا صبر لديهم على انتظار الظاهرة، أما آيات محمود المدرسة بمحافظة أسوان فغلبها الحماس تمامًا، حتى أنها ذهبت للمدينة ليلا لتحجز دورها.

منذ خمس سنوات تُدَرس السيدة تاريخ التعامد في مادة اللغة العربية للصف الثالث الابتدائي، تشرح للأطفال ما يحدث تمامًا "بس عمري ما روحت قبل كدة"، لذلك ما إن أتيحت لها الفرصة حتى انتهزتها "منها أشوف ناس بقالي كتير مقابلتهاش ومنها أبقى شايفة وحاسة أنا بشرح إيه".

3

ينقسم بهو المعبد العريق لثلاثة أجزاء؛ يتساوى الأيمن والأيسر في الطول والعرض، بينما يحتل الأوسط المساحة الأكبر، يزينه على اليمين تماثيل ضخمة لحراس الآلهة، فيما تغطي الرسومات كل المكان؛ واحدة عن انتصارات الملك رمسيس، أخرى عن الحروب وثالثة عن تعامله مع الأعداء.

ذلك العام قررت وزارة الآثار تنظيم الحدث بشكل مختلف "الناس تدخل من شمال المعبد ويبقى ليها مسار بيمر بتمثال رمسيس وقت التعامد ثم يكملوا من الممر الموازي لحد باب الخروج" يشرح سليمان حارس المكان، قبل أن يقطع حديثه ليقول بصوت مرتفع "محدش يصور بفلاش يا جماعة.. نو فلاش".

تنتهي وردية الحارس سليمان باكرًا، في الأيام العادية لا يُستقبل المعبد الكثير من الزائرين، يسمح ذلك له بمزيد من المتعة بين الأجداد "ساعات ألاقي نفسي بمدد على مصطبة جوه المكان وأنام محسش بحاجة"، يسخر منه أصدقاؤه أحيانًا أو يصفونه بالجنون "أصلي متجوزتش، فهم بيقولوا أن الفراعنة خلاص جذبوك ومش هتتحوز" يضحك الحارس مؤكدا حبه للمعبد "كفاية أمي جنبي بقدر اشتغل على توكتوك وأحسن دخلي".

4

في الممر الأيسر اجتمعت الصفوف، مصريون جلسوا يتحدثون جوار الأجانب. الوقت بطيء لا يكاد يمر، بعض الصغار أسندوا رؤوسهم على كتف الأمهات وناموا، بينما تأفف آخرون من ارتفاع درجة الحرارة والرطوبة، فاضطر الحرّاس لإدخال بضع زجاجات من المياه لتروي الظمأ، فيما اتخذت ريناد وهنادي ركنا قصيا عسى أن يثمر الانتظار شيئا جيدًا.

تعيش هنادي العشرينية في أسوان، رغم ذلك لم تزر المعبد من قبل، استغلت قدوم صديقاتها من محافظة الإسكندرية لتحقق حلمها "مقرتش عن الموضوع كتير بس متأكدة إنه هيبقى مختلف"، الشمس لها جلال في نفس الشابة وكثير من الموجودين، لكن أشعتها الدافئة غابت تقريبًا عن المعبد في إحدى السنين، يتذكر سليمان ذلك كأنه الأمس.

عام ٢٠١٣ استعد سليمان للشروق المختلف "كان فيه وزرا وسياح وسفراء وغيرهم"، كانت السماء غائمة "فضلنا مستنيين الشمس بس مطلعتش" حتى أن الحضور انفض عقب ربع ساعة من بداية الحدث، غير أن حظ الحارس كان أفضل "الشمس تعامدت ٣ دقايق بس واختفت تاني وأنا كنت موجود"، يمتن سليمان لعمله كثيرا "في ٢٠١١ محدش جه يحضر، كنت لوحدي وصورت فيديو ولا ملك زماني"، لا تُتاح له فرصة الاستمتاع بالظاهرة عادة، بل يعاني الأسوأ "لما الظاهرة بتبدأ بيحصل تدافع وشد وجذب بين الناس عشان يلحقوا يتفرجوا واحنا بنتدعك في النص".

في المقابل يدرك سليمان أهمية وظيفته، أتاحت له رؤية ثقافات مختلفة "فيه ناس وقت الظاهرة بينزلوا يسجدوا ولما سألت عرفت إنهم عبدة الشمس"، كذلك يلمس احترام السائحين للآثار بشكل ضخم "ناس منهم بتيجي تلمس كل حتة في المعبد ويمسحوا على جسمهم كأنهم بيتباركوا بيه".

5

قبل شروق شمس اليوم بسبع دقائق، أُطفئت إضاءة المعبد بالكامل، شهقات الانبهار خرجت من الواقفين في الممر الذي لا يزيد عرضه عن مترين، الحماس بلغ أعلى درجاته، الأعين متأهبة لرؤية شيء جديد، سيدة إسبانية وزوجها يدفعان ابنهما الجالس على مقعد متحرك أمامهما، الحراس يتحركون جيئة وذهابًا، الهواتف مرفوعة لتلتقط الصور في اللحظة المناسبة، يسير الحضور تجاه الأربعة تماثيل. لا يدخل أحد الغرفة سوى المصورين، أما البقية فلديهم ثوان معدودة لمشاهدة الشمس بينما يحثهم أفراد الأمن على سرعة الحركة.

حوالي خمسة آلاف شخص حضروا الظاهرة، منهم ما يقارب الألفين دفعوا تذكرة الدخول التي تضاعف سعرها ليصل عشرين جنيهًا بمناسبة الحدث، حسب قول أحد موظفي شباك الدفع، بينما جاء البقية مع نقابات أو أحزاب أعفتهم من الدفع.

٢٥ دقيقة فقط هي مدة الظاهرة. خارج المعبد ازداد طول الطابور على أمل الدخول، فيما رقصت فرق الفنون الشعبية استقبالا للسائحين، بينما كان الحارس سليمان يؤدي عمله في التنظيم، ينتظر رحيل الجميع ليخلو له المكان ويتحدث مع الأجداد، ويعود "ملك زمانه" مرة أخرى.

7

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان