لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"العرب لديهم أعظم موسيقى".. جملة دفعت أرمنيّ لتأسيس كورال "من غير آلات"

12:33 م الثلاثاء 16 يناير 2018

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- رنا الجميعي ودعاء الفولي: 

تصوير-محمود أبو ديبة

داخل كنيسة مار مارون الجميزة، ببيروت لبنان، كان لسان عربيّ يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويُبسمل، ثُم يترنّم قائلًا "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها". كانت الأعين تتجه ناحية الصوت، تدمع في خشوع، يلفتها حُب الفن العذب، وأداء كورال الفيحاء اللبناني، الذي اتفق أعضاؤه على نشر مُفردات الإنسانية، يضعونها فوق كل اعتبار آخر.

مطلع ديسمبر الماضي، انتشر فيديو، عبر موقع فيسبوك، لكورال الفيحاء مغنياً أنشودة أسماء الله الحسنى، ضمن مهرجان "بيروت تُرنم"، وحاز المقطع أكثر من مليون مشاهدة. من لبنان إلى القاهرة، يتنقل مؤسسو الكورال، يحاولون نشر غنائهم، القائم بالأساس على الأصوات وتناغمها، دون استخدام لأي موسيقى. لهم مشروع ضخم مفروش بالأحلام الكبيرة، مليء بالحيوية، يسعون له بصبر، لا يمنعهم فوزهم بأهم الجوائز الموسيقية عن المضي قُدمًا نحو الأفضل.

في مقرّ كورال الفيحاء بالقاهرة، أخذ المايسترو باركيف تسلاكيان يتذكر متى "انغرم" بأنشودة "أسماء الله الحسنى". سمعها للمرة الأولى منذ عشر سنوات، وقتها كان كورال الفيحاء-البالغ عدده 65 عضوًا- في بداياته "وقتها قولتلهم هايدا أنشودة ما نحرقها، لسه بكّير ما وصلنا للمستوى الموسيقى ده".

1

أحبّ باركيف الموسيقى العربية منذ 14 عامًا، حين قال له أستاذه "العرب عندهم أعظم موسيقى".. جُملة قصيرة تركت أثر بالغ بنفس القادم من ضيعة أرمنية في لبنان. كان وقتها شابًا يقود عدد من فرق الكورال الأرمنية الغنائية. تلك الجُملة صارت أشبه بجذر شجرة نمت، اسمها كورال الفيحاء، صار لها بعد التأسيس، ثلاثة أفرع بطرابلس وبيروت والقاهرة.

وجد قائد الكورال في الموسيقى العربية تحدياً كبيرًا، أنشأ في أول الألفية الثالثة كورال عربي "وقتها ما كنت عم أحكي عربي". كانت التجربة الأولى لهذا المشروع بالتعاون مع الكورال الأرمني "غنينا سوا الحلم العربي في مهرجان للكورال، جوات –في- الأغنية دخّلنا كلمات زي الله أكبر وهلالويا، كانت رسالتنا الموسيقية إننا ما عم نأذي حدا". لم تقم اختيارات باركيف للأعضاء على شرط الدراسة، بل الصوت "بدأنا بناس أول مرة يغنوا بحياتهم كورال".

2

في شكل الغناء الذي انتهجه الكورال-الأكابيلا- يتم الاعتماد على الأصوات فقط، لكن اللغة العربية ظلت مصدرًا شاقًا في صناعة أغنيات أكابيلا "حاولنا نشتغل على الايقاع، عملنا تقنيات جديدة حتى نقدر ننطق عربي". وعكف المايسترو مع أعضاء الفريق على دمج الأصوات مع بعض "حتى يفهموا شو معناه الهارموني".

كانت أسماء الله الحسنى مغامرة جديدة لباركيف، لمّا شبّ الكورال طُلب منه غناء أنشودة من التراث الإسلامي تُوزّع فيها كل الإيقاعات العربية، وقتها تذكّر المايسترو غرامه بها "أنا بسمعها بصير بمطرح تاني".

الترنّم بأنشودة أسماء الله الحسنى داخل كنيسة ليس غريبًا بالنسبة للمايسترو، هي الهدف الأسمى من الكورال "الغرب بيفكروا عن البلاد العربية إن الله اكبر معناها الدبح"، لذا يُصرّ دومًا باركيف على إلحاقها ببرنامجهم الغنائي في حفلات أوروبا. قبل غناء أسماء الله الحسنى يُوجه حديثه للجمهور المُستمع قائلًا "هتشوفوا شي انتو هتحددوه، هنغني تراث، والشعب اللي عنو تراث ما يمكن يكون إرهابي، لأنو التراث ما بدو يوم أو يومين، بدوا سنين لينخلق".

3

روح خفيفة تُطلّ من باركيف ذو الثلاثة وخمسين عامًا، أحلامه مازالت تتطلع لأعلى، وصوته يحمل صدق رسالة تقبع داخل نفسه "كانوا يضحكوا عليّ لما قلتلهم هايدي الكورال هيمثل البلدان العربية". يسخر مُستكملًا "كانوا يقولولي مش بيكفي شاب عنده طموح بس أرمني كمان".

عام 2007 بدأ الفيحاء في حصد نتيجة تعبهم؛ حصدوا جائزة أفضل كورال وقائد كورال في مهرجان وارسو الدولي للغناء الجماعي "بعدها بدأت بلدية طرابلس تدعمنا بشكل رسمي.. أعطونا مكان نتدرب فيه ومعاش لي".

يُنفق الكورال أموال كثيرة سنويًا على التدريب والسفر "نحنا بندفع لحتى نسافر نعزف بأوروبا.. هايدا تراثنا ولازم نوصله"، فيما يساعد الفريق حصوله على مقابل مادي من الحفلات التي يقيمها في الدول العربية المختلفة.

تمكّن باركيف، خلال الأعوام، من إعداد فريق غنائي مُنسجم، تتراوح أعمارهم بين الـ15 والـ40، كانت أول حفلة غنائية لهم بمدينة طرابلس عام 2004 "بتذكر كيف كان الجمهور مبهور وعم بيصقف، شكرتهم وقلتلهم احنا بعد مستوانا تحت الصفر".

4

تغنّى الكورال بالعديد من الأغاني التراثية، قطفوا أفضلها من البلدان العربية؛ من الشام "يا مايلة عالغصون عيني"، ومصر "طلعت يا محلا يا نورها"، ومن الأندلس تغنّوا بموشح "في ليالي كتمت سر الهوى". عبر ثلاث مُدن تفرّع الفيحاء، فمقرّه الرئيسي بطرابلس، إلى أن مدّ أغصانه إلى بيروت، وذلك في عام 2016، وثالثهما القاهرة "بدأنا بيونيو 2017".

جاء فرع القاهرة باقتراح من الموسيقى إيهاب أيوب، يقول لمصراوي "بنشتغل بأصوات مصرية لكن على قواعد كورال الفيحاء". منذ 5 أشهر بدأ الفريق المصري بالتدريبات للتجهيز لحفلات قادمة، لكنه تمكّن من الغناء مع الفيحاء اللبناني كتجربة أولى في مهرجان الموسيقى العربية، نوفمبر الماضي.

لم يتخيل أيوب مدى قوة الموسيقى العربية، فهو صاحب كورال يُغني بالإنجليزية "الثراء الموجود في الموسيقى العربية، زي ما بيقول المايسترو هي فعلًا أقوى سيف".

5

يُشرف باركيف على فرع القاهرة، بينما يُدرّب أيوب الفريق المصري مباشرة، لكنه يذكر أن مراحل تطور الكورال تتم بشكل أسرع مع كل زيارة للمايسترو "كأننا بنطلع السلم واحدة واحدة لكن لما ييجي بنطلع دور تاني".

لا يشعر كورال الفيحاء بالوحدة أبدًا "وقتا اللي بيظهر مشكلة الناس بتلحقنا علطول". يتذكر المايسترو عام 2016 حينما عانوا من ضائقة مادية "بعض المؤسسات الثقافية زي مؤسسة محمد الصفدي ورئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي دعمونا لحتى وقفنا على رجلينا".

يتعايش آل الفيحاء بالكاد مع فكرة الدعم المادي المتغير، لكنهم متمسكين بقاعدة أساسية "أول شرط عنا إنه المؤسسات اللي بيدفعولنا فلوس ما بيملكونا .. تدفع فلوس وملكش دعوة شو ما بيحدث بعد هيك".. يُدرك باركيف أن الاحتكار يقتل الإبداع، لذا لا يتنازلوا أبدًا عن ذلك الدستور.

6

مع الوقت لم يعد هدف الكورال اللبناني نشر التراث فقط، بل زرع الفن في نفوس المحرومين منه؛ لذا جاء مرورهم على مخيمات الأردن وأطفالها.

بالصدفة ومنذ عدة أعوام، أقام فرع منظمة اليونسكو في لبنان مسابقة دعوا فيها المهتمين لترشيح الجمعيات التي تخدم التقارب بين الثقافات والشعوب والأديان في الأردن وسوريا ولبنان "في حدا رشح الكورال في المسابقة رغم إنه مش جمعية"، يضحك باركيف قائلًا "يمكن لأنه إحنا عنّا مسيحين من جميع الطوائف ومسلمين سنة وعلوية وما حدا فينا بيفرق بين انتماء وانتماء". فاز "الفيحاء" في تلك المسابقة، وداخل فرع اليونسكو طُرحت فكرة تدريس الموسيقى في المخيمات.

 

7

"لما عرضوا علينا قولتلهم أنا قائد كورال واحنا بنغني.. كيف بدنا نعلم الأطفال". فوجئ الكورال بما يمكن أن تصنعه الموسيقى، وجد استجابة ضخمة من أطفال المخيمات على حدود الأردن "خلال 3 شهور الولاد حبّوا الغنا.. علاقتهم بالفن اتغيرت تمامًا.. صاروا أكتر انفتاحًا على بعضهم وعلى العمل الجماعي رغم كل الأسى اللي شافوه"، والآن يعمل الكورال على مشروع مُشابه للأطفال في أوروبا.

رغم التردد الذي انتاب المايسترو من تجربة تدريب الأطفال "بس كتير انبسطت".. رأى فيهم نفسه، متذكرًا ولادته بلبنان لعائلة أرمينية "كنا فقراء جدًا.. يادوب بنعيش بغرفة واحدة وأمي مريضة"، لا يتذكر صاحب الكورال أنه امتلك لعبة يومًا ما أو ذهب للمدرسة بشكل نظامي، غير أنه حوّل مأساته لأمر إيجابي، تعلم الموسيقى فيما بعد وطاف البلدان بفنّه وقلبه المتسع للأخرين.

8

نال الكورال الكثير من الجوائز. يفخر بها باركيف، ينسبها لـ"أبنائه" من العازفين، يوقن أنها أفضل تعبير عمّا عانوه ليصلوا لتلك المرحلة، يُعددها بسعادة؛ جائزة ثاني أفضل كورال في مهرجان وارسو للغناء الدولي 2005، والمركز الأول بنفس الحدث في 2007، جائزة كورال العام في مهرجان كورال الشرق الأوسط عام 2016، غير أن الأقرب دائما لقلب المايسترو هو جائزة الحقوق الموسيقية من المجلس الدولي للموسيقى عام 2015.

"هاي الجايزة هي نوبل المزيكا".. تقوم شروطها على خمسة حقوق أساسية ينبغي توافرها في الرابح؛ أهمها أن يعبر عن نفسه بحرية باستخدام الموسيقى، يتقن الأدوات الموسيقية، ويطورها دائمًا. وتشترط الجائزة على عدم ترشيح فرقة لنفسها "لكن المجالس الموسيقية الممثلة عن كل دولة هي اللي بترشح"، يروي المايسترو بأسف "وللي رشحنا كانت منظمة أوروبا للغناء الجماعي مش جهة عربية"، ذلك الترشيح كان مقدمة للفوز بالجائزة ثم تكريم الكورال في سبع دول أوروبية.

9

التجربة هي زاد الكورال؛ حينما سنحت الفرصة منذ 6 أعوام للانضمام لمسابقة "Arabs got talent" تردد باركيف قليلًا ووافق في النهاية "مكنتش مقتنع.. هايدي ما هي شغلانتنا"، لكن مع التفكير "لقيت إنها شيء عظيم لتوصيل فننا للعالم العربي.. مكنش غرضنا نفوز بشيء".

وصل "الفيحاء" للتصفيات في المسابقة العربية دون أن يربحوا، إلا أنهم أدركوا أثر المشاركة بعد ذلك "يا ويلي على كمية الناس اللي صاروا يعرفونا بأي مكان نروح فيه"، أصبح الكورال مثلا يُحتذى به عربيًا "فرق بتكلمنا عشان تنفذ فكرة شبيهة بنا وبيطلبوا المساعدة.. الإعلام كمان اهتم بنا"، أصقلت المشاركة الفريق كثيرًا.

10

لا يملك الكورال أغاني خاصة إلا تلك المتعلقة بمناسبات بعينها مثل معرض بيروت الدولي للكتاب أو المحافل الأخرى "لكن نحنا مؤخرًا بنشتغل على ألبوم بعنوان صوت ألحان مارسيل خليفة وبمشاركة المطربة أميمة الخليل".

مازال فريق الفيحاء يواجه صعوبات "أهمها إننا نضل نطور أداءنا الموسيقي ونوسع دائرة جمهورنا"، لكن تلك المعوقات بسيطة أمام شباب عقله "بدي أعمل كورال الفيحاء بجميع الدول العربية.. ولما نروح ع أوروبا نبقى روح واحدة". تسع أحلام المايسترو السماء فيُضيف "يمكن الحلم مش هيحصل إلا بعد 15 سنة بس نحنا مكملين".

فيديو قد يعجبك: