عائلة جورج.. هكذا أصيبت الأم بشلل مؤقت بعد نهب "منزل العريش"
كتبت - مها صلاح الدين:
داخل منزلهم الواسع في العريش، ظلت أسرة جورج تحتفظ بالحقائب المعبأة بحاجياتهم خلف أبواب المنزل، على أمل أن تعاد إلى أماكنها في المنزل إذا انصلح الحال. وطوال 9 أيام في فبراير الماضي، كان أفراد أسرة جورج، يرددون عبارة: "لو محصلش حاجة بالليل مش هنمشي"، لكن الحال لم ينصلح واضطروا في نهاية الأمر إلى حمل حقائبهم والرحيل إلى الإسماعيلية.
بين الإحساس بالغربة، والبحث عن الأمان، وأحلام العودة، يعيش جورج وزوجته وأبناؤه بمدينة المستقبل على أطراف محافظة الإسماعيلية.
لم تكن "المستقبل" هي مُستقبِلَهم الأول، لكن الأسرة المكونة من 4 أفراد اضطرت للإقامة في غرفة بمعسكر يدعى "القرش"، ضمن عشرات الأسر، لما يقرب من شهر، يتشاركون دورة مياه واحدة، يقول رب الأسرة، مبتسما بنبرة يغلفها الرضا: "إحنا كنا بنحلم بخيمة تأوينا، وكان ممكن نفضل قاعدين هناك".
التقطت زوجته "جميلة" أطراف الحديث لتكمل بنبرة شاكية: "بس كريستينا جالها انهيار هناك، وقعدت فترة كبيرة مبتتكلمش". يستعيد جورج ذكرياته، ويفتح الكومبيوتر، ويضغط على زر تشغيل مقطع فيديو، ويقول لمصراوي: "ده بيتنا الجديد في العريش، مسكناهوش".
فارق شاسع بين بهو البيت الكبير في العريش الذي يتسم بالفخامة، وبين شقة صغيرة، مكونة من غرفتين صغيرتين، وصالة لا تتسع لهم، ومطبخ ودورة مياه بدائيين.
وظيفة الأب، والمحل الذي تمتلكه الأم في العريش، ومدارس الأبناء، أنعشوا رغبة الأسرة في العودة إلى مدينتهم، فجورج الصعيدي مجبر على قضاء 6 أيام من الأسبوع في العريش ليحافظ على عمله هناك بعد أن فشل في إيجاد بديل.
أما زوجته "جميلة"، فما زالت تتمني العودة لمنزلها في العريش لتعيد افتتاح محلها الصغير، الذي تركته وفرت هاربة خوفا على أبنائها، كما أن الأبناء يحلمون بالعودة إلى مدارسهم الأصلية لاستئناف عامهم الدراسي وسط رفاق العمر.
"امتحنوا التيرم اللي فات هنا بالعافية في الاسماعيلية"، تحكي الزوجة عن رغبة أبنائها الملحة لاستكمال دراستهم بالعريش. مشاعر مختلطة لدى الأم تجاه أبنائها، بين الشفقة وقلة الحيلة، تقول: "أنا بحاول أهون عليهم بس مش عارفة، أنا اللي تايهة"، لا تعرف الأم شيئا عن المدرسة التي حولت أوراق أبنائها إليها بشكل تلقائي، لا تستطيع تقييمها، ولا تدري مدى إمكانية تأقلم أبنائها بها، خاصة أن ابنتها الكبرى في السنة الأخيرة بالشهادة الإعدادية، وعلى الرغم من تفوقها الذي تشهد عليه مجموعة من الشهادات على منضدة بسيطة في أحد أركان الشقة، تخشي الأم من حالتها النفسية المتردية التي انتابتها منذ قدومها إلى الإسماعيلية.
تتساءل الأم: كيف لطفلة لم تتجاوز الرابعة عشر من عمرها، تتعدى أفكارها حدود الخوف والأمان، لتفكر في أزمتهم الكبرى، بعد ترك منازلهم في مسقط رأسهم إلى ديار أخرى بإقليم آخر بنفس البلاد رغما عنهم، "هي فهمتهالي كدة، وأنا استغربت بصراحة إنها بتفكر كدة"، تقول الأم بدهشة، لتلتقط منها الصبية أطراف الحديث: "إزاي يغيب عني الأمان لدرجة إني مقدرش أحتمي في بيتي وفي مدرستي وشارعي، هما حاولوا يقنعوني كتير إنه كدة أحسن ولحد دلوقتي مقتنعتش".
تقول الأم إن ابنها مايكل، تغيرت شخصيته بعد الانتقال إلى الاسماعيلية فلم يعد يبالي شيئا، ولم يعد يثق في أحد، لا يأمل في إعادة تكوين صداقات، ولم يستعد للعام الدراسي الجديد، ولا يشعر أنه سيكون هناك جديد هنا في الاسماعيلية.
أسباب عدة، دفعت الأبوين إلى الاستجابة لرغبة أبنائهم في التفكير في العودة بالرغم من التهديدات التي تلاحق الأب كلما وطأت قدمه أرض العريش، والتهديدات التي ما زالت تطول أقاربه هناك، إلا أن إلحاح الأبناء كان الأقوى.
وبالفعل انتقلت الاسرة مجددا إلى العريش لكن لم يستمر الامر كثيرا ، فقد تسمرت قدم الأم حينما شاهدت منزلهما الجديد منهوبا، وانهارت بعد أن عجزت قدماها عن حملها، "قالولي شد عصبي"، هكذا فسر الأطباء حالتها الصحية، ورغبة الأبناء في العودة لرؤية رفاقهم تبددت مع الحواجز الترابية "الأكمنة" الفاصلة بين شوارع العريش، الأمر الذي منعهم عن مغادرة المنزل لمدة أسبوعين كاملين، حتى قرروا المغادرة إلى الإسماعيلية من جديد، ناهيك عن مدرستهم بالعريش التي لم تعترف ببيان نجاحهم بالإسماعيلية، وطالبتهم بالعودة لدخول امتحانات الملاحق لكي يتمكنوا من خوض عام دراسي جديد، واللافتات الحديدية المنصوبة بالشوارع تحذر النساء من السير بدون نقاب.
عادت الأسرة إلى الإسماعيلية بذيول الخيبة، ولم يستطع الأبناء الناقمون على البقاء بالاسماعيلية المراوغة مرة أخرى، إلا أنهم حتى الآن لا يريدون إقامة أي استعدادات لاستقبال العام الدراسي الجديد، خاصة أن رب الأسرة حتى الآن ليس بيديه أن يأتي بما يسعدهم، فيتجه جورج بعينيه بعيدا عن أبنائه، ويقول بابتسامة مكسورة: "لو الكنيسة بعتت هيخشوا، لو مبعتتش ربنا يبعت".
فيديو قد يعجبك: