لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

حكايات "منسي" لا تنتهي.. هكذا عاش بطلا ومات شهيدا

03:31 م الجمعة 18 أغسطس 2017

الشهيد أحمد صابر منسي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- نانيس البيلي:

حكايات بطولية في حياة الشهيد "أحمد منسي" يرددها أصدقاؤه وزملاؤه لـ "مصراوي" داخل أحد مقاهي الزمالك، قبيل أيام من ذكرى الأربعين، الهدوء والبسمة كانتا نهجه في الحياة رغم كونه مقاتل شرس، يحضر التدريبات العسكرية كقائد جسور وبعدها يختلي بنفسه باكيًا على معشوقته "مصر"، سيرته حاضرة في وجوده وغيابه فذكر اسم "منسي" يصلح بين متنازعين بعد استشهاده، وينقلون أمنية أسرته ومحبيه بتأريخ حياته في كتاب أو عمل درامي.. قصص على لسان زملائه وأصدقائه وينشرها "مصراوي" في جزء ثانٍ بعد حلقة أولى من الحكايات نُشرت قبل يومين، ومعايشة في ذكرى الأربعين من داخل قبر "الشهيد الخالد".

زميله: منسي يهتم بالإنسانيات رغم أنه مقاتل شرس

1

"كان دايما يقول اضحك واتفرج واهدى وانت تكسب" يقول "وديع" عن الشعار الذي اتخذه الشهيد "منسي" طوال حياته، ويضيف أنه اتسم بهدوء الطبع في تعامله واتخذ العقل واللين والذكاء أدواتا للتفاهم مع الآخرين، رغم أنه مقاتل شرس وقائد من الطراز الأول "ميحبش الصوت العالي ولا الناس اللي بتتعامل بعنف"، يكمل "الغيطاني" قائلا إنه على المستوى الإنساني دائمًا ما يفكر في المحيطين به يحمل هم مشاكلهم "لينا واحد صاحبنا والدته متوفية، كان يكلمه باستمرار ويبدأ يلعب معاه دور الأم، يشوفه بياكل إيه بيشرب إيه ولما ميردش يطلب مننا نروحله بيته نشوفه.. كإنه ابنه".

صديقه: رفض التقديم في مشروع للشقق وقالهم "الغلابة أولى"

2

"بني آدم يتعامل مع الله في كل خطوة" يقول زملاء الشهيد عن مراعاته لضميره ومبادئه، ويروي "وديع" واقعة منذ سنوات، عندما قدم مجموعة من زملائه الضباط استمارة للحصول على شقة ضمن وحدات سكنية أعلنت عنها مدينة العاشر من رمضان آنذاك، وأنهم اقترحوا عليه الفكرة فتقدم بأوراقه معهم، لكنه سحبها ثانية في اليوم التالي، ورفض التقديم "قالهم عشان دي مش حقنا، دي للغلابة وإحنا عايشين كويس وعندنا شقق من الجيش"، يلتقط أنفاسه ويضيف أنه بعد علمه بقبول أوراق زملائه واستلامهم الشقق "ابتسم وقالهم على فكرة أنا كسبت أكتر منكم"، وأنهم لم يفهموا المغزى الذي يقصده وهو إرضاء الله.

صديقه: يختلي بنفسه لساعات يبكي على مصر بعد مشاهدته تدريبات فرقة "السيل" بأمريكا

3

حٌب "منسي" لمصر وحزنه الشديد عليها خاصة مع كل حادث إرهابي تتعرض له، دفعه للاختلاء بنفسه لساعات والجلوس منفردا للبكاء على حالها، أكثر من مرة، بعيدا عن أعين زملائه بالكتيبة، فيقول "وديع" إنه عقب عودته من أمريكا قبل 10 سنوات، التحق بمعسكر مع زملائه لعمل بروفات على عروض تخرج دفعات الطلاب بالكلية الحربية قبل شهر من موعدها، وأنهم كانوا يقومون بالتدريب على تلك العروض مرتين، أول وآخر اليوم، "ونرتاح وسط النهار"، لكنه كان يغيب عنهم 3 ساعات.

ويروي صديقه أن أحد الزملاء أراد معرفة سبب اختفاء منسي تلك الفترة، فبحث عنه "لقاه قاعد في عربيته وبيبكي بشدة"، وأنه فور رؤية "منسي" له ناداه وحذره من إخبار أحد بما شاهده، ويضيف أن زميله وافق على شرط إخباره بسبب بكائه ليجيبه "زعلان على مصر وببكي على حالها"، وأنه أخبره أن سبب انزعاجه هو مشاهدته للتدريبات الضخمة داخل فرقة القوات الخاصة بأمريكا خلال سفره للحصول على فرقة "السيل" منها، بينما كانت التدريبات بمصر أقل منها "أمريكا بتجهزعشان تقاتلنا في يوم من الأيام وإحنا مبنعدلهمش زي ما بيجهزوا لينا".

صديقه: أنشأ صفحة عبر فيس بوك لنشر الإيجابيات بعيدا عن السياسة

4

قبل عامين، أنشأ "منسي" صفحة عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" أسماها "مصر" بهدف نشر الإيجابيات بين الناس وفعل الخير بعيدا عن السياسية، بحسب "وديع": "كان عاوز نزرع شجرة، نرسم ابتسامة على وش الناس، نوريهم إن بلدنا حلوة وإن المصريين أحسن ناس في الدنيا"، ويضيف أنه طلب منه أن يكون أدمن بها، يصمت قليلاً ويكمل أن لم يطلب منه نهائيًا تمجيد شخصية معينة أو إبداء رأي سياسي عبر تلك الصفحة "هو كان عايز الإنسانيات بين الناس وإزاي يحبوا بعضهم".

زملاؤه: غضب عندما كتبنا على "فيس بوك" إنه "بطل" بعد إصابته.. وقالنا "شيلوا القرف اللي كاتبينه ده"

5

يناير الماضي، أصيب "منسي" في كتفه خلال عملية إرهابية استهدفت قسم العريش، بحسب زميله "دخل دعم ونزل من العريية وبدأ يقاتل فجاتله شظية في كتفه"، ويضيف "الغيطاني" أنهم راودهم القلق فور علمهم بالأنباء وأراودوا الذهاب إلى العريش بأنفسهم للاطمئنان عليه "اتصاب بالنسبة لينا في سيناء معناها رجله اتقطعت، إيديه طارت، مبنفكرش في طلقة" يقول "وديع"، ويكمل أن العبوة الناسفة تقلب المدرعة العملاقة بالسهل الممتنع "بتشقلبها زي الكانزاية في الهواء، ما بالك باللي راكبين فيها".

عبر "فيس بوك" نشر أصدقاء "منسي" خبر إصابته لكنه غضب وطلب منهم حذفه "قالنا شيلو الكلام ده وياجماعة عيب"، بحسب زملائه، يبتسم "وديع" ويضيف أن عددا من الجنود وصفوه بالبطل وأنه يشبه الشهيد إبراهيم الرفاعي، ليعلق غاضبًا على ما كتبوه عبر صفحاتهم "دخل قالهم شيلوا القرف اللي انتوا كاتبينه ده"، ويفسر "الغيطاني" ذلك بأنه كان ينزعج من تمجيده "كان بيقول أنا أجي فين في رامي حسنين وباقي الشهداء".

زمليه: "باكستانيين انهاروا بعد استشهاده.. وقالولنا كان بني آدم رائع

6

كمساعد ملحق عسكري في باكستان، عمل "منسي" بعد التحاقه بـ"الوحدة 999 قتال"، وهي وحدة فرق الإرهاب الدولي، وحصوله أيضًا على "فرقة السيل" من مصر وأمريكا، ويشير زملاؤه إلى تأثيره الكبير في جميع من عملوا معهم بالقنصلية المصرية بباكستان، وحزنهم عليه بعد علمهم بخبر استشهاده عن طريق "فيس بوك" وهو ما عرفوه من زملائهم المصريين "لقوهم منهارين من العياط، وقالولهم ده كان بني آدم رائع وفوق الطبيعي".

صديقه: كان بيقولي نفسي أصلي الجمعة مع حمزة ابني في المسجد.. وخدمته بالشارع وقت الثورة منعته

Untitled-1

علاقة مميزة جمعت الشهيد بوالده طبيب الأطفال "صابر منسي"، انعكست في تربيته لابنه الأكبر حمزة، صاحب الـ7 سنوات، بحسب زميله "عنده أبوه رقم واحد في الكون"، ويقول "وديع" إن إخلاصه في عمله كان يشعره ببعض التقصير تجاه نجله، خاصة عندما يقارن بتربية والده له، ويروي أنه في الشهور الأولى من أحداث ثورة يناير كلف بتأمين مبنى السفارة الأمريكية "كان متبهدل وبيقف في الشارع طول النهار"، ودائمًا ما يغيب عن منزله يوم الجمعة بسبب التظاهرات، وكان يتمنى اصطحاب نجله الصغير إلى المسجد "نفسي أصلي الجمعة مع حمزة ابني زي ما أبويا كان بياخدني الجامع.. ده كان قمة طموحه في وقت الثورة".

"منسي" غائب حاضر.. وزميله: أصلح بين عائلتين بالزقازيق بعد استشهاده

Untitled-1

بينما نستعد لمغادرة المقهى، التفتَ إلينا رجل تخطى الخميسن يجلس على مقربة منا، وبدأ يتحدث بكلمات لم نسمعها جيداً، للوهلة الأولى اعتقدنا أنه يؤنبنا على أصوتنا العالية وتسببنا في إزعاج الموجودين، لنقترب منه ويفاجأنا بسؤاله عن معرفتنا بالشهيد "منسي"، ويخبرنا بعدها أنه لواء سابق بالصاعقة وقابل الشهيد وتعرف عليه قبل سنوات خلال حضورهما إفطار رمضان الذي تنظمه القوات المسلحة لرجالها بالخدمة وخارج الخدمة والمحاربين القدامى، يصمت قليلاً قبل أن يصفه بالنبل ودماثة الخلق والشجاعة "قالنا حسيت إن هو ابن موتة".

بعد مصافحتنا للرجل، انصرفنا جميعًا بينما تعلو الابتسامة والدهشة وجوهنا، يقطعها "وديع" قائلاً إن الشهيد كان يحب الحديث مع المحاربين القدامي وقادة حرب أكتوبر، للتعلم من خبرتهم وتجاربهم "كان بيصنع لنفسه منطقة مختلفة ملهاش دعوة بالحاضر ولا الماضي، منطقة خاصة بيه، مش بغرض التميز قد إنه بيعمل الصح أوي".

يلتقط "الغيطاني" أطراف الحديث ويشير إلى أن سيرة منسي الطيبة حاضرة في غيابه مثل وجوده، ويروي واقعة حدثت بالزقازيق بعد أيام من استشهاد "منسي"، عندما تشاجرت عائلتين مع بعضهما، وتصادف أن فرد بإحدى العائلتين خدم مع "منسي" كمجند وعلمت العائلة الأخرى، بادرت بالتصالح مع الأخرى إكرامًا لذكرى قائده الشهيد "العيلة بتاع الواد اللي اتضرب باسوا التانيين وقالولهم خلاص حصل خير وبيادتكوا فوق راسنا".

أسرته تتمنى توثيق حياته بكتاب أو فيلم

9

كتاب أو عمل درامي يؤرخ حياة وبطولة الشهيد المنسي، هو ما يتمناه أصدقاؤه وأسرته، وفق ما ينقله زملاؤه لـ"مصراوي"، ليكون قدوة للنشأ الجديد "الأجيال اللي طالعة من حقها تعرف الرموز زي منسي"، ويذكر "وديع" قصة فيلم The Last Samurai، قائلاً إن بطل العمل "توم كروز" ذهب إلى الإمبراطور بعد وفاة معلمه بالحرب، فسأله عن كيفية موته لكنه عدل السؤال مجيبًا "لأ أنا هقولك الأول هو عاش إزاي"، يصمت قليلاً ويضيف أنه لكي يفهم المصريون سر المكانة الكبيرة التي كرّم بها "منسي" بعد استشهاده، يجب أولاً أن يعرفوا حياته وقصص بطولاته.

ويختم وديع حديثه قائلاً إن الشهيد وقت خدمته بعمليات الصاعقة كان يطلب بإلحاح من قادته إرساله إلى أرض الفيروز "ودوني سيناء أنا بعرف أموت حلو، أنا مش بتاع القاعدة دي".


اقرأ أيضا:

"منسي لن يُنسى".. 10 حكايات من دفتر "الشهيد الخالد"

حكايات بطل.. من داخل مقابر "منسي" في ذكرى الأربعين

 

 

فيديو قد يعجبك: