مصائب قوم عند قوم فوائد.. المصريون يعانون من "التعويم" والسياح يهللون له فرحًا
كتبت- علياء رفعت:
قبل ثلاثة أشهر، اتخذت "فيرويكا" قرارًا بالسفر إلى مصر لزيارتها، كانت تلك الزيارة هى حلم يراود الفتاة الرومانية منذ فترة طويلة ويمنعها عنه فقط تأدية الامتحانات للسنة النهائية بالجامعة، عقب التخرج بدأت فيرونيكا بالبحث عن كل ما يخص زيارتها المرتقبة لمصر، وجمعت الأموال الازمة ثم قامت بحجز تذاكرة الطائرة والفندق وهى تترقب وصولها لمصر.
لم تكن الفتاة العشرينية على علم بتغير الوضع الاقتصادي المصري أو تحرير سعر الصرف الذي أدى لإنخفاض قيمة الجنيه المصري في مقابل اليورو الذي تتعامل هى به، ولكن بعد وصولها مصر بيومٍ واحد فقط ذهبت لإحدى مكاتب الصرافة لتغير العملة من يورو إلى الجنيه لتفاجىء بأن المائة وخمسين يورو الذي ارادت تبديلهم يساووا أكثر من ثلاثة آلاف جنيه مصري ليصيبها الذهول الشديد.
"اتفاجئت جدًا من المبلغ اللي أخدته مقابل الـ150 يورو، وقررت أمد زيارتي لمصر فترة أطول لأن المبلغ اللي معايا هيكفي نفقاتي كلها مدة أطول من اللي كنت مرتبة لها" قالتها فيرونيكا بابتسامة وهى تضيف أنها لم تكن تعلم أن مصر بلد رخيص بالنسبة للسياح حيث أن تلك الزيارة هى الأولى لها ولكنها لن تكون الأخيرة حيث قررت أن تعود للبلاد مرة أخرى ولكن برفقة أسرتها وأصدقائها.
الدهشة ذاتها التي تسلمت بها فيرونيكا الـ3000 جنيه من موظف مكتب الصرافة، أصابتها أيضًا وهى تقوم بدفع ثمن تذكرة زيارتها للمتحف المصري "الموظف طلب مني 35 جنيه بس لأني طالبة".
ورغم أن الفتاة العشرينية كانت تتوقع أن يكون ثمن تذكرة زيارتها لأحد أكبر المعالم السياحية باهظ الثمن إلا أن رخص سعر التذكرة دفعها للتفكير بزيارة كل الأماكن الأثرية التي لم تخطط لزيارتها في برنامجها ترشيدًا لنفقاتها التي ظنتها محدودة قبل أن تطأ مصر.
في الثالث من نوفمبر المنصرم، اتخذت الحكومة عِدة إجراءات كان ضمنها تحرير سعر صرف، مما أدى إلى انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار وكافة العُملات الأجنبية الأخرى، فانعكس ذلك بالسلب في بعض المناحي على المواطن المصري. فيما كان تميمة الفرح بالنسبة للسائح الأجنبي الذي تضاعفت قيمة عملته أمام الجنيه أضعاف مضاعفة فأصبح بإمكانه زيارة مصر أكثر من مرة في الموسم السياحي، بل والإقامة لمدة أطول وزيارة كافة المعالم السياحية بثمنٍ يقل كثيرًا عما اعتاده. حيث بلغت قيمة اليورو حوالي 20.30جنيه ، والدولار 17.90جنيه، والريال السعودي 4.74 جنيه
بجوار إحدى شركات السياحة الداخلية بوسط البلد، وقفت "منار" إلى جانب والدتها وشقيقتها قبل أن يدلفوا إلى الشركة ليقوموا بترتيب زيارتهم إلى مدينة شرم الشيخ لمدة اسبوع. العائلة السعودية كانت في طريقها لمصر لزيارة بعض الأقارب، لتقرر الأم أن تمد الزيارة لتصطحب بناتها في رحلة سياحية للترفيه قبل أن يعودوا للسعودية مرة أخرى.
"تكاليف الرحلة مش كبيرة، لكن في فرق كبير في قيمة الجنيه بالنسبة للريال من آخر مرة كنا فيها في مصر" تقولها منار وهى تؤكد أن ذلك كان سببًا قويًا دفع الأم للإذعان لرغبة بناتها بالترفية عن أنفسهم والسفر إلى شرم الشيخ قبل عودتهم للسعودية مرة أخرى "مرة التغيير كان لصالحنا ولصالح كل السياح".
في مارس الماضي، أصدر الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تقرير يُشير فيه إلى أن عدد السياح الوافدين إلى مصر من كافة دول العالم بلغت 654,9 ألف خلال شهر مارس فقط هذا العام2017، مقابل 440,7 ألف سائح خلال مارس العام الماضي 2016، مما يعني أن نسبة الزيادة وصلت إلى 48,6%.
وكشف التقرير أن أكثر الدول إيفادًا للسائحين لمصر هى ألمانيا بنسبة 43,9%، وفي المرتبة الثانية جاءت السعودية بنسبة تصل إلى 37,6%، فيما حلت أوكرانيا في المرتبة الثالثة بنسبة 21,6%.
بين أروقة المتحف المصري وقفت الشيقيقتان اليابانيتان "تيبو وان" و"ميستينز" إلى جوار مترجمهم "ليون" في انتظار أن يلتقطوا صورة ليودعوا بها زيارتهم للمتحف بعد أن استمرت لمدة خمس ساعات. زيارة مصر والتجول بين آثارها المختلفة لطالما كانت حُلمًا أرادت الشيقيتان تحقيقه حيث أنهما شغوفتان بكل ما يخص الحضارة والثقافة المصرية ولكن لطالما كانت قلة الأموال التي يملكونها وارتفاع الأسعار السياحية بالبلاد حاجزًا يقف أمامهم.
عقب تحرير سعر الصرف في مصر بعدة أشهر، كانت إحدى الشقيقتان تتصفح الانترنت لتكتشف الأمر بالصدفة بعد زيارتها لأحد مواقع أسعار العملات حيث كانت تخطط السفر بغرض السياحة لأحدى الدول التي تتناسب مع امكانياتها المادية، ولكن فور علمها بانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، عدلت عن رأيها وحولت وجهتها هى وشقيقتها لمصر على الفور.
"الرحلة اتكلفت حوالي 1500 دولار ودي تكلفة قليلة بالنسبة للي كانت عليه قبل كده" قالها ليون وهو يترجم عن ميستينز ما تقوله بفرحة عارمة فهى غير مصدقة أنها أصبحت أخيرًا في حضرة الآثار المصرية التي كانت تحلم يزيارتها دائمًا. "بالطبع لن تكون الزيارة الأخيرة لنا، ولكن نتمنى أن يستمر الوضع الاقتصادي في مصر هكذا لكي نستطيع زيارتها دائمًا" هكذا اردفت تيبو وان بالفرحة ذاتها التي كانت تتحدث بها شقيقتها.
وكانت وزارة السياحة قد أعلنت أن معظم منظمي الرحلات السياحية الألمان أكدوا ارتفاع معدلات الحجوزات إلى مصر هذا الصيف، وخاصة فى ظل الأسعار التنافسية التي يمتاز بها المقصد المصري وينافس بقوة من خلالها لاستعادة الحركة السياحية الوافدة اليه، مؤكدين استعادة السياح الألمان الثقة في المقصد السياحى المصري.
داخل مقر شركة "مصر للسياحة" بوسط البلد، كان "محمد" أحد موظفي الاستقباال يجلس خلف مكتبه وهو يتلقى الحجوزات المختلفة بالتليفون، عن طريق الانترنت، أو بمقابلة بعض الرواد الذين يدخلون المقر من حينٍ لآخر.
"السياحة مؤخرًا انتعشت بشكل ملحوظ مشوفنهوش في آخر سنتين" قالها الشاب الثلاثني محمد مُشيرًا إلى تحرير سعر الصرف ربما يكون أضر ببعض المصرين ولكنه أدى إلى انتعاش قطاع السياحة في مصر بشكلٍ غير مسبوق بعدما شهد هذا القطاع ركوودًا ملحوظًا منذ الثورة والتغيرات السياسية وتكرار الحوادث الإرهابية في البلاد باستمرار.
الأمر ذاته أكده رئيس شركة توماس كوك والذي أوضح، أن صيف 2017 سيكون أفضل من العام الماضي، حيث أن الطلب السياحي هذا الصيف أقوى بكثير مما كان عليها من قبل.
بنبرة يتمزج فيها الفرح بالأسى خرجت الكلمات من فم "تابيثا" الخمسينية "مصر ضيعانة بياللي غرقانة فيه".هكذا عبرت السيدة اللبنانية/ الأمريكية عن حزنها الشديد لما يصيب مصرباستمرار من حوادث إرهابية تؤدي لانقطاع السياح عنها بالإضافة إلى عدم اهتمام المسؤولين المصريين بالترويج للسياحة حسبما تري.
تابيثا واسرتها غادروا أمريكا عقب انتهاء امتحانات الفصل الدراسي، في طريقهم للبنان لقضاء العطلة الصيفية، لكن السيدة الخمسينية أصرت أن تقتطع من تلك الأجازة بلبنان أسبوعين لكي تزور به مصر مع أطفالها لحبها الشديد للبلاد.
"قِلة المصاري اللي راح ندفعها بالزيارة كتير شجعتني إنو أخد القرار" قالتها تابيثا وهى تؤكد أن زيارتها السابقة لمصر في السنوات الماضية كانت تتكلف أكثر بكثير مما تكلفته هذه الزيارة رغم أنها اصطحبت أسرتها بالكامل هذه المرة، مُضيفة أن وضع البلاد اختلف كثيرًا عما كان عليه في آخر زيارة لها وبالرغم من أنه أصبح يصب في مصلحتها كسائحة أجنبية إلا أنها لمست تأثيره السلبي على المصريين من خلال الحديث معهم، لتختتم حديثها قائله "ما بعرف أذا كان هايدا شي يفرح أو يحزن.. بس الله يحفظ مصر وتضل هى وأهلها سالمين".
فيديو قد يعجبك: