صاحب وثائق "مصرية" تيران وصنافير: أوراق الحكومة بعضها "مفبرك".. وخرائط العالم تنصف مصر (حوار)
حوار- سامي مجدي وأحمد الليثي:
اعتبر تقادم الخطيب، الباحث بجامعة برلين الحرة في ألمانيا وجامعة برينستون الأمريكية، والذي ساهم بمجموعة من الوثائق جمعها من جامعات ومكتبات حول العالم أقنعت أعلى محكمة مختصة في مصر بمصرية جزيرتي تيران وصنافير، أن مناقشة البرلمان المصري اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية والتي تتضمن التنازل عن الجزيرتين لصالح المملكة، "نوع من العار التاريخي".
وقال الخطيب في حوار مع مصراوي عبر خدمة "ماسنجر" مساء السبت إن الحكومة تعيد تدوير وثائق قدمتها من قبل للقضاء ولم تقدم أو تؤخر في حقيقة أن الجزيرتين مصريتان، وهو ما قطعت به المحكمة الإدارية العليا في حكم نهائي بات لا يجوز الطعن عليه في 16 يناير 2017.
وأكد الخطيب أنه خلال أربعة شهور كاملة من البحث الدؤوب جاب عشرات من كبريات الجامعات والمكتبات حول العالم جمع خلالها مئات الوثائق التي تجزم بمصرية الجزيرتين، كما أنه لم يعثر خلال بحثه على أية وثيقة أو خريطة تثبت ادعاءات البعض بأن الجزيرتين سعوديتان.
وإلى نص الحوار:
كيف ترى الإجراءات التي تتخذها الحكومة مؤخرا باستخراج وثائق تزعم سعودية جزيرتي تيران وصنافير قبل أيام من مناقشة البرلمان للاتفاقية؟
ببساطة الحكومة لا تمتلك أية وثائق، وإذا كان لديها ما يثبت موقفها فلماذا لم تقدمه أمام المحكمة (المحكمة الإدارية العليا). والمستشار أحمد الشاذلي قال نصًا في حيثيات حكمه:
"وأخيرًا.. فإن المحكمة قد وقر واستقر في عقيدتها أن سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير مقطوع بها، وأن دخول الجزيرتين ضمن الأراضي المصرية آثر للسيادة المستقرة، وأن الحكومة لم تقدم ثمة وثيقة أي شيء آخر يغير أو ينال من تلك السيادة المستقرة".
إن ما تفعله الدولة هو نوع من العار التاريخي الذي لم أجد له مثال خلال عمليات البحث الدؤوب، وهو أن يُقبِل نظام على الاستماتة دفاعًا عن ترك أرض داخل حدوده لدولة أخرى.
البعض شكك في صحة الوثائق التي أخرجتها الحكومة مؤخرا، كيف ترى ذلك؟
شاهدت الوثائق التي أخرجتها الحكومة مؤخرا وأؤكد أنها غير جديرة بالثقة وبعضها "مفبرك"؛ كما أن بها وثائق تماثل أخرى أمتلك نسخًا منها وأنها ليست سرية أو جديدة كما يُشاع، وأصبت بحالة من الذهول الشديد من الثقة في مستندات لم تقدم ولم تؤخر أمام القضاء من قبل.
كما أؤكد أن الحكومة راهنت رهانًا خاسرًا حين حاولت إخفاء الوثائق التي تشير إلى مصرية تيران وصنافير؛ فعلى سبيل المثال حيث قدم المحامي الحقوقي خالد علي طلبا لهيئة المساحة المصرية للاطلاع على وثيقة توضح الحدود المصرية، أخرجت الهيئة له وثيقة بتاريخ 2013، لا توجد بها تيران وصنافير ضمن الحدود المصرية، غير أنه خلال رحلة بحثي اطلعت على نسخة صادرة عن ذات الهيئة تعود لأربعينات القرن الماضي توجد بها جزيرتي تيران وصنافير ضمن الحدود المصرية، الأمر الذي يشير إلى أن الحكومة تحاول بشتى السبل أن تثبت سعودية الجزيرتين على عكس الحقيقة.
البعض حاول تقديم رؤية أن جزيرتي تيران وصنافير ليستا ذات أهمية تذكر للدولة المصرية... كيف ترى ذلك؟
من يقول ذلك لا يعي أبجديات الأمن القومي المصري؛ فبعيدا عن خطأ الطرح، فإن كل شبر من أرض مصر له ذات الأهمية والمكانة التاريخية علاوة على أن تيران وصنافير هما مفتاح خليج العقبة، وفقدانهما يعني ضياع سيناء. ما الضمانة في عدم إنشاء السعودية قاعدة قريبة من حدودنا أو حتى إسرائيل العدو الرئيسي لنا ووقتها لا يمكننا الاعتراض كون الجزيرتين غير تابعتين لمصر.
هناك احتمالية أن يدعوكم البرلمان لمناقشة عامة.. كيف سيكون ردكم وقتها؟
لا أعتقد أن يقدم البرلمان على خطوة كهذه، فالمجلس الذي ينتهك الدستور ويقضي على أبجديات الفصل بين السلطات لا يعطي أي مساحة من التفاوض؛ فكل الأفعال التي يقوم بها المجلس عبارة عن استمالة لبعض القوى الضعيفة وليس له دلالة إلا أن يعمل في الخفاء ويخشى أي مواجهة حقيقية، خصوصا أن هناك حكما باتا من أعلى جهة قضائية مختصة في الدولة تدعم ما قدمناه من وثائق على عكس ما قدمته الحكومة.
في حال موافقة البرلمان على الاتفاقية وبالتالي تسليم الجزيرتين للسعودية، ما الخطوة التي تجهزون لها؟
بالنسبة لي، كل ما أستطيع أن أقوله أننا حصلنا على وثائق من أكبر مكتبات العالم وجامعاته وكلها تثبت بما لا يدع مجالا للشك مصرية تيران وصنافير، وأننا لن نصمت تجاه أي محاولة لتشويه التاريخ.
كونك أحد الفاعلين الرئيسين في الحصول على وثائق من جهات أجنبية، ما أبرز تلك الوثائق التي ساعدت المحامين في إثبات مصرية تيران وصنافير أمام المحكمة؟
خلال أربعة شهور كاملة جُبت عدد كبير من كبرى جامعات ومكتبات العالم، على رأسها مكتبة الكونجرس الأمريكي ومكتبة نيويورك العامة ومكتبة جامعة برينستون وجامعة برلين الحرة وكل ما بها من خرائط ووثائق تؤكد مصرية الجزيرتين. وأبرز الوثائق التي حصلت على نسخ منها: خريطة أفرجت عنها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي ايه) بتاريخ 1949، وفيها جزيرتي تيران وصنافير ضمن الحدود المصرية.
كذلك حصلت على خريطة من هيئة المساحة الروسية بتاريخ 1980، تشير أيضا إلى مصرية الجزيرتين، ولم يقتصر الأمر عند حدود خرائط وضعتها دول كبرى، فخلال رحلة البحث التي استمرت لأكثر من أربعة أشهر اطلعت على خرائط دولية لرحالة أوروبيين وأمريكان تعود إلى القرن السادس عشر والسابع عشر، كانت فيها جزيرتي تيران وصنافير ضمن الحدود المصرية. كما أن هناك عددا من الوثائق وضعها مؤرخون فرنسيون عقب انتهاء الاحتلال الفرنسي لمصر، في 1802 تشير إلى ملكية مصر للجزيرتين، ووثيقة فرنسية تعود لعام 1915 تؤكد الأمر ذاته، وهناك كتاب لأحد أهم مؤرخي ألمانيا ذهب في رحلة إلى شبه جزيرة سيناء وضع فيها تيران وصنافير ضمن الحدود المصرية.
وماذا عن الوثائق العربية؟
الوثائق العربية كثيرة لكني حاولت الاعتماد على المصادر الأجنبية كي تكون أكثر حيادًا، لكن يجدر الإشارة إلى وثيقة هامة جدا لإحدى جلسات مجلس الأمن قبل العدوان الثلاثي على مصر في 1956. حاولت إسرائيل تدويل خليج العقبة، بسبب صراعها مع الدول العربية حينها. وفي تلك الجلسة اعترض مندوب مصر لدى الأمم المتحدة وأشار في معرض كلمته إلى أن الجزيرتين مصريتان ولم تعلق السعودية وقتها.
لكن البعض يقول إن هذا كان باتفاق بين حكومتي البلدين؟
طبعا هذا ليس بصحيح؛ فداخل اتفاقية كامب ديفيد (بين مصر وإسرائيل) تقع الجزيرتان ضمن المنطقة (ج)، فلماذا لم تكن السعودية طرفا في الاتفاقية أو حتى الإشارة إلى ملكيتها لتيران وصنافير في الاتفاقية.
حدثنا عن حكاية أول وثيقة حصلت عليها؟
كانت أول وثيقة من مكتبة جامعة برلين الحرة، وبالصدفة التقيت برئيس قسم الخرائط في المكتبة وكان قد زار سيناء ضمن بعثة ألمانية في سبعينات القرن الماضي، وبمجرد ما سألته عن وثائق تشير لجزيرتي تيران وصنافير، أكد لي أنها تتبع مصر، وأمدني بأول وثائق جمعتها. من هناك كانت البداية.
خلال البحث، ألم تعثر على أية وثائق سعودية تشير إلى ملكيتها للجزيرتين كما تقول المملكة؟
من الواضح أن السعودية لا تملك وثائق تاريخية لحدودها على عكس مصر المعروف حدودها منذ قديم الأزل، كما تشير خرائط ووثائق معتمدة من أرقى الأماكن المتخصصة في العالم.
فيديو قد يعجبك: