مشروع Everyday Egypt.. كيف تكسر النظرة النمطية عن دولة بالتصوير؟ (حوار)
حوار- شروق غنيم:
اُفتتِح الاثنين قبل الماضي، المعرض الأول لمشروع "Everyday Egypt"، في بيت الصورة، والذي انطلق عام 2014 من قِبل مؤسسته المصورة البلجيكية الأمريكية تينا فان لون، يضم المعرض المستمر حتى 15 مايو الجاري، 1600 صورة ترصد الحياة اليومية للمصريين، بعدسة مصوريين مصريين وأجانب، وتحكي تينا في حوار مع مصراوي عبر البريد الإلكتروني، كيف بدأت هذا المشروع منذ ثلاث سنوات.
في الثامن من يونيو 2014؛ كانت تتأهّب مصر لتنصيب الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيسًا للجمهورية، تابعت الصحف المحلية والعالمية الحدث باهتمام بالغ، تصدرت البلد "المانشيتات" مقرونة بأحاديث عن العملية السياسية، في ذلك الوقت كانت تفكر المصورة "تينا فان لون" أن الوقت قد حان لكسر الصورة النمطية عن بلد تزخر بثقافة وحِراك يومي يستحق إلقاء الضوء عليه أيضًا.
قبل أن تنتقل تينا إلى مصر؛ اقتصرت معرفتها بالبلد على تاريخها وحضارتها القديمة وثورة الخامس والعشرين من يناير والأخبار المرتبطة بأحداث عنف، لكن ماذا عن الحياة التي تدّب بين قاطنيها؟ وما يدور وراء تلك الأحداث؟ بعيدًا عن البيانات الخبرية الجافة، فأرادت أن تنقل "روح البلد"، ومن هنا جاء دافع تينا لتأسيس مشروع مصر في كل يوم "Everyday Egypt".
ومن خلال إطلاق هاشتاج #everydayegypt، يُمكن لأي مصور في مصر سواء "ابن البلد" أو أجنبي، هاوٍ أو محترف، مشاركة صور عن الحياة اليومية التي يراها، وبعدها تُنشر على صفحتي المشروع بـ"فايسبوك وانستجرام". تأمل تينا أيضًا أن يصبح هذا المشروع توثيقي لهذه الفترة من عُمر البلد، ومن حياة المصريين، حتي يكونوا بعد 50 عامًا مثلًا على مقدرة من رؤية كيف تطوّرت أشكال البشر والحياة، من مبانٍ، طعام، وأزياء.
ومنذ إطلاق هذا المشروع، وتفكر تينا في إقامة معرض بحيث تنقل الصور المنشورة خلاله، والتي بلغت 1600 صورة، من عالم الوسائل الرقمية إلى العالم الحقيقي، وحتى تصل تلك الحكايات إلى أناس آخرين قد يكونوا غير معجبين بالصفحة على وسائل التواصل الاجتماعي، فيخلق طريقة للتواصل مع مجتمع المصورين.
"حينما تفقد التصور الحقيقي عن أي بلد، تبدأ الصور النمطية في التشكُل"، لذا كان الوقت المثالي بالنسبة للمصورة البلجيكية الأمريكية لإطلاق مشروعها، هو يوم تنصيب الرئيس الجديد، فيصبح مشروعها منصة تُعطي انطباعًا عن الحياة اليومية في مصر، وتوضح أنه وراء الأحداث السياسية، ثمّة تفاصيل قد تبدو عادية جدًا لكنها تكوّن طبيعة هذا الشعب.
يُعد "Everyday Egypt"، ضمن حركة كبيرة لمشروعات من هذا النمط قد انتشرت منذ عام 2012، حيث أسس المصور بيتر ديكامبو، والكاتب أستين ماريل، "Everyday Africa"، وهي الصفحة التي استلهمت منها تينا التجربة، وبعدها تمدد ذاك النوع من المشاريع، فسار آخرون على نفس النهج في آسيا، الشرق الأوسط، أمريكا اللاتينية، سيرلانكا، إيران، الولايات المتحدة الأمريكية ومصر.
تؤمن تينا أن تلك المشروعات ليست فقط من أجل نشر صور عن دولة ما، بل إنها تُظهِر الحياة اليومية التي قد تكون أكثر قيمة وإثارة للاهتمام من الأحداث التاريخية، لذا من المهم جدًا توثيقها، "فهي تخبرنا عن الحياة الحقيقية التي نحياها".
ومثلًا الصفحة الخاصة بإفريقيا، قد كسرت الصورة النمطية عن القارة بأنها مكان استهلكته الحروب، الفقر والمرض، بل أبرزت حياة شعوبها، بالإضافة إلى صفحة الولايات المتحدة، التي كسرت النمط بشكل معاكس، إذ غيّرت من المفهوم المثالي عن البلد، تحّدت ذلك بأن الحياة أحيانًا لا تكون وردية، وأن أمريكا أيضًا لديها فقر وجرائم تُرتكب.
كل ذلك أحدث نوع من "الثورة" في المفاهيم النمطية لدى الشعوب عن بعضها الآخر، قرّب من المسافات بينهم، من خلال صور تبرز هويّة البلاد، وفي صيف 2014 استضاف "انستجرام" أول معرض رسمي لمشاريع "Everyday"، وناقش بشر مختلفي الجنيسات، العديد من الخطط مثل إقامة معارض وورش عمل وحملات التعليمية للمساعدة في تعزيز الهدف المتمثل في تحدي وسائل الإعلام الرئيسية وكسر القوالب النمطية في جميع أنحاء العالم.
حينما بدأت المصورة البلجيكية الأمريكية مشروعها في مصر، بحثت عن مصورين متحمسين لمشاركتها، فانضم لها 20 مصورًا أساسيًا، وبعد أيام قليلة من تدشين صفحتي المشروع، حققا نجاحًا مذهلًا، وبدأت أعداد المتابعين في التزايد ووصل حتى الآن إلى 350 ألف متابعًا على فيسبوك، و90 ألف على انستجرام.
"ما أدهشني حقًا أن أغلب المتابعين مصريين، ما عكس اهتمامهم بمعرفة ما الذي يحدث في دولتهم" وتضيف تينا أنها ذُهلِت من اكتشاف عدد هائل من المصوريين الهواة الموهوبين في مصر، وفي اليوم قد يصل تنشر الصفحة 6 صور، أو أقل بحسب المُشاركات الموجودة.
لم يغير فقط المشروع من الصور التقليدية عن البلاد، بل عن التصوير نفسه، فإن أغلب الصور التي تُنشر التقطت بواسطة الهاتف "ليست الأدوات التي تخلق صورة قوية، بل الرؤية والمهارة التي تميز الموهوبين عن غيرهم"، تقول تينا أن التصوير بالهاتف له مميزات أيضًا جعلها تلجأ له في ظروف مختلفة.
ومنذ عملها كمصورة وثائقية حُرّة في مصر تركز على القضايا الاجتماعية وثقافة الشعوب؛ وجدت تينا أن التصوير بالهاتف يسهل كثيرًا من مهمتها خاصة في الأماكن العامة "لأن كثير من الناس تنتابهم الريبة من الكاميرا"، كما أن هذه الطريقة يصبح الناس أكثر راحة "ويمكنني ذلك من التقاط المزيد من التعبيرات الطبيعية دون تزييف".
تتحرك تينا بحرية في شوارع مصر، ترصد مظاهر بعدستها، ونادرًا ما واجهت مشاكل خلال أداء عملها تفسر ذلك بأنها دومًا "أُخبِر من أصورهم بما أفعله، حتى لا تنتابه شكوك إزائي، وإذا كان غاضبًا من ذلك، احترم طلبه واعتذر له، من المهم للمصورين احترام رغبات الناس"، فيما سهّل عليها ذلك تعلمها للغة العربية.
عندما تُلقي المصورة البلجيكية الأمريكية نظرة على هاشتاج #everydayegept تنتابها الدهشة من "الكنز" الموجود عليه؛ من أماكن جميلة، إلى قصص مثيرة تحدث في البلد، عدد ضخم من المصورين الموهوبين، لم تكن ستقابلهم لولا هذا المشروع، وهو ما تُعده نجاحًا للتجربة.
وبالإضافة لإدارتها لصفحة "Everyday Egypt"، أخرجت تينا فيلم "بنات الناس" عن التحرش الجنسي في مصر، مع المخرجة الأمريكية كوليت جونيم، وذلك في أغسطس 2016، وحصد الفيلم العديد من الجوائز، مثل جائزة أحسن فيلم وثائقي قصير بمهرجان الفيلم العربي بسان فرانسيسكو، وحاليًا تنظما المخرجتان عروضًا للفيلم في مصر.
طيلة أربعة أعوام عاشتهم في مصر؛ تطورت أمور كثيرة في حياة تينا على المستوى الشخصي والمهني، التقت زوجها المصري، انشأت مشروعها وفيلمًا وثائقيّ، ورغم انتقالها بداية هذا العام إلى الولايات المتحدة، تقول إنه لاتزال روابط قوية تجمعها بمصر، لكنها في الفترة الأخيرة سلّمت إدارة الصفحة إلى المصور المصري روجيه أنيس.
فيديو قد يعجبك: