شهادات جامعية للبيع.. "سنوات الدراسة يختصرها السماسرة في أيام" (تحقيق)
تحقيق-داليا شبل:
سنوات من الدراسة بالمدارس والجامعات يقطعها الطلاب والباحثون للحصول على شهادة جامعية، بينما يمكن لشخص لم يدرس ليوم واحد أن يحصل على شهادة جامعية من كبرى الجامعات المصرية.
في هذا التحقيق الاستقصائي، ندخل العالم السري لبيع الشهادات الجامعية ونقابل سماسرة، لنكشف ونوثق كيف تباع الشهادات الجامعية معتمدة وموثقة ومختومة؟
التحقيق مدعم بالصور والمستندات والتسجيلات بتقنية كروس ميديا اضغط هنا: ⇐ "شهادات جامعية للبيع"
شهادات جامعية للبيع العلني على "فيسبوك"
"هل تبحث عن شراء شهادة جامعية معتمدة؟.. نوفر لك شهادات جامعية في جميع التخصصات ومعتمدة من كافة الكليات والجامعات"، كان هذا نص الإعلان الذي نشرته صفحة على موقع فيس بوك تدعو متابعيها للتواصل معها من أجل الحصول على شهادات جامعية في مختلف الدرجات العلمية بكالوريوس – ليسانس – ماجستير – دكتوراه، من جامعات حكومية، بدون الحاجة للدراسة.
بعد متابعة وبحث لعدة أيام، اكتشفنا صفحات أخرى أيضاً تعلن عن بيع الشهادات الجامعية، اختلفت عروضها الترويجية بين توثيقها من وزارة الخارجية للراغبين في السفر، أو بيعها مصحوبة بكارنية النقابة.
حالة من الغموض سادت أغلب الردود على تلك الصفحات، فما أن يسأل أي شخص: كيف أحصل على الشهادة؟ وكيف أتواصل معكم، حتى يسارع القائمون على تلك الصفحات بالرد: "تم الرد على الخاص".
لذا وجدنا أنفسنا أمام احتمالين، إما أن الأمر مجرد خدعة هدفها النصب والحصول على المال، أو أننا أمام جريمة منظمة تهدد مصداقية المنظومة التعليمية في مصر.
لنحسم الأمر، قررنا خوض المغامرة لشراء شهادات جامعية.
مصداقية على المحك.. ملايين يتنافسون وآخرون يشترون
طبقا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء هذا العام، فإن 12.4% من إجمالي السكان في مصر حاصلين على مؤهل جامعي فأعلى، بينما 30.2% من المصريين ملتحقين حالياً بالتعليم الأساسي والجامعي، ونحو 3 ملاين طالب قيدوا -هذا العام-بالجامعات المصرية، والبالغ عددها 51 جامعة موزعة ما بين 25جامعة حكومية تضم 471 كلية، و4 جامعات أهليّة غير هادفة للربح، و22 جامعة خاصة بها 133 كلية.
كما أن هناك أكثر من ٣٤٨ ألف و١٠٦ طلاب في مرحلة الثانوية العامة، يتنافسون أيضا للانضمام إلى صفوف الجامعات للحصول على شهادة جامعية.
في حين يكشف هذا التحقيق كيف يمكن لأي شخص لم يدرس يوما واحدا بالجامعة، أن يحصل على شهادة جامعية بكالوريوس أو ليسانس أو حتى ماجيستير أو دكتوراه في أي تخصص، مما يهدر حقوق الدارسين بالمدارس والجامعات المصرية، فضلا عن تهديد مصداقية مخرجات الحياة التعليمية بمصر.
كارنيه النقابة وتوثيق الخارجية عروض على الشهادات الجامعية
"شهادات جامعية معتمدة".. بهذه الجملة روجت صفحات على موقع الفيسبوك لبيع شهادات علمية بدرجات مختلفة على مرأى ومسمع من آلاف المتابعين، وأكدت أن الشهادة التي ستحصل عليها من خلالها معتمدة من كبرى الجامعات الحكومية المصرية.
دون خوف من حسيب أو رقيب، وضعوا بجانب تلك الإعلانات شعارات لعدد من الجامعات، كان أبرزها جامعة القاهرة وعين شمس وحلوان و6 أكتوبر.
على مدار أسابيع، من تتبعنا لتلك الصفحات، وجدنا أن بعضا منها يضع نفس الإعلان بشكل شبه يومي، بينما البعض الآخر كان لديه عروضا خاصة للتسويق: «إذا أردت الحصول على شهادة جامعية معتمدة، يمكنك ولفترة محدودة أن تحصل معها على كارنية النقابة»، و«إن كنت ترغب في السفر إلى الخارج وتريد شهادة جامعية، تواصل معنا وستحصل مع شهاداتك على توثيق الخارجية».
التفاعل الكبير من رواد تلك الصفحات كان ملفتا للانتباه، تعليقات تطلب الحصول على شهادات جامعية في تخصصات مختلفة، (التجارة والحاسبات والمعلومات والهندسة والطب وغيرها)، وآخرون يطلبون درجات علمية ما بين بكالوريوس وليسانس، وماجيستير ودكتوراه: «أنا عايز شهادتين واحدة ثانوي علشان شهادة الثانوية اتسرقت وواحدة بكالوريوس»، و«أنا أريد دكتوراه في النحو والصرف، جامعة الأزهر الشريف»، و«طب لو سمحت أنا عاوز شهادة بكالوريوس في الحاسبات والمعلومات».
ولم تقتصر متابعة تلك الصفحات على المصريين، بل أصبحت تجارة بيع الشهادات الجامعية المصرية مفتوحة أمام الأخوة العرب: "أنا سنة رابعة حقوق جامعة حلب كنت عاوز شهادة باسمي ورقمي الجامعي ومعتمدة، شو المطلوب مني؟".
التواصل مع المتابعين
أرسلنا عددا من الرسائل الخاصة عبر "ماسنجر الفيس بوك"، لبعض متابعي تلك الصفحات، ادعينا أننا نريد أن نحصل على شهادة جامعية ولكننا لا نثق في هؤلاء الأشخاص، مستفسرين عما إذا كانت لهم تجربة معهم أم لا".
مهندس اشترى شهادة خبرة: دفعت 3 آلاف جنيه
رفض معظمهم الرد على رسائلنا، لكن أحدهم تشجع وأخبرنا كافة التفاصيل "أحمد عيد" -اسم مستعار-، لم يمنعه الخوف من الاعتراف بارتكاب فعل مخالف للقانون، من أن يجيب على مراسلاتنا، بوضوح: "أنا أخدت فعلا شهادة بس لسه موثقتهاش من السفارة".
لم تكن الشهادة التي حاول "عيد" الحصول عليها بعد سفره إلى دولة الكويت شهادة جامعية، بل كانت شهادة خبرة تفيد بأنه عمل لمدة ثلاث سنوات بإحدى الإدارات التعليمية.
كما كانت الشهادة التي حصل عليها مهندس الإلكترونيات من السمسار خلال 15 يوما في مقابل 3 آلاف جنيه موثقة، -حسب ما قال وما هو ظاهر بالشهادة التي حصلنا على نسخة منها، بأربعة أختام رسمية.
«مصراوي» يدخل العالم السري لبيع الشهادات ويشتري دكتوراه في الإعلام وبكالوريوس طب
بعدها.. قررنا أن نخوض مغامرة التواصل مع سماسرة بيع الشهادات الجامعية، لشراء شهادات جامعية في تخصصات ودرجات عملية مختلفة، للتحقق من مدى مصداقية المروجون لتلك الصفحات والتأكد من إمكانية حصول أي شخص على شهادة رسمية تفيد بأنه درس وتخرج من إحدى الجامعات المصرية دون أن يلتحق بالدراسة بها.
سمسار: "شهادة لها ملف في الجامعة أخلصها في 40 يوما.. وأخرى بدون ملف في 20 يوما"
البداية كانت مع شخص يستخدم حسابه على فيس بوك للترويج لبيع الشهادات الجامعية، فأرسلنا له عبر «الماسنجر» نستفسر عن إمكانية الحصول على شهادة بكالوريوس، وجاء رده: "عندي نظامين يافندم... شهادة بملف في الجامعة وتخلص في 40 يوما.. وشهادة بدون ملف تقدري تقدميها في شغل في مصر هنا وتخلص في 20 يوما".
"يعنى إيه شهادة بملف؟" قال: "يعني شهادة ليها أصل في الجامعة يا فندم... الجامعات المتاحة معي القاهرة وعين شمس والمنصورة والزقازيق".
بعد مراسلاتنا للصفحة التي تروج لبيع الشهادات الجامعية استطعنا أن نحصل على رقم الهاتف: "مساء الخير يا فندم ..أنا بستفسر عن البوست الموجود على صفحة الشهادات على الفيس بوك.. هل في امكانيه للحصول على شهادة دكتوراه من خلالكم؟"
كانت رسالتنا الأولى التي أرسلنها عبر تطبيق "واتس آب"، لم نكن نعرف على وجه اليقين، إن كانت الرسالة التي أرسلناها ستلقى ردا أم لا، إلا أنه وخلال ثلاث دقائق فقط، جاءنا الرد: "مساء النور.. آه متاح دكتوراه حضرتك بس قوليلي دكتوراه تخصص أية علشان اقولك التفاصيل والسعر".
«تامر»- اسم السمسار كما أخبرنا وكما يظهر على صفحته الشخصية على موقع "فيس بوك" التي يستخدمها للترويج لتجارته غير القانونية-، أخبرنا أنه يمكن في خلال مدة من 15 إلى 40 يوما، أن يأتي لك بشهادة معتمدة من جامعة حكومية.
على الفور أخبرناه: "محتاجة دكتوراه في الإعلام، ومحتاجة أعرف الأسعار وهتكون موثقة من أي جهة".
"تامر": “دكتوراه في الإعلام من جامعة الزقازيق تستلميها بنفسك من شؤون الخرجين بـ45 ألف جنيه".. وأنا ليا ناس في الجامعات
استخدم السمسار تقنية الرسائل الصوتية المتاحة عبر تطبيق "واتساب" ليخبرنا بالتفاصيل: “دكتوراه في الاعلام من جامعة الزقازيق وده الأفضل علشان أخليكى تروحى تستلميها بنفسك من شؤن الخرجين، سعرها 45 ألف جنية مصري، 15 مقدم والباقي وقت الاستلام، أما شهادة الدكتوراه من كلية الإعلام جامعة القاهرة، هتستلمى منى مش من إدارة الجامعة".
سبع سنوات، عمل بها "تامر" في بيع شهادات جامعية لمصرين وعرب، كما أخبرنا كنوع من إضفاء المصداقية وبناء الثقة معنا كي نتبع نظامه لدفع المال: “والله ده نظامي مابشتغلش بدون مقدم".
لم يخف «تامر» من أن يعترف بنفسه أنه يخالف القوانين، عندما طلبنا منه أن نعرف مقر عمله، قال: "الشغل بتاعنا غير قانوني مش في النور علشان كده ماعندناش مقر محدد".
"أنا مش شغال لوحدي"، كانت المفاجأة التي فجرها "تامر" عبر واحدة من رسائله الصوتية، موضحاً "شهادات الماجيستير والدكتوراه بنتعب فيها وأنا مش لوحدي أنا ليا ناس في جامعات القاهرة، وعين شمس، والفيوم، والزقازيق".
شهادات مختومة يرسلها السمسار "ده شغلنا"
استمرت مفاجآت تامر لبناء الثقة معنا فقد أرسل 20 شهادة جامعية قال إنه استخرجها لبعض الأشخاص: "دي عينة بسيطة من شغلنا". وتضمنت الشهادات معلومات مفصلة عن حامليها وأرقام البطاقات الشخصية الخاصة بهم وجنسياتهم.
الشهادات التي حملت أختام وشعارات عدد من كبرى الجامعات الحكومية، تنوعت بين درجات الليسانس وبكالوريوس وماجيستير ودكتوراه، وشملت تخصصات كالمحاسبة وآداب وإدارة أعمال، وحقوق، وهندسة، وحصل عليها مصريون وعرب.
لمشاهدة الشهادات .. اضغط هنا
هندسة القاهرة.. أربع شهادات واحدة منهم ماجيستير
أكثر ما لفت انتباهنا في هذه الشهادات أن كلية الهندسة بجامعة القاهرة نسبت إليها وحدها 4 شهادات، فتوجهنا إلى هناك على الفور وتحديدا إلى مكتب شئون الخريجين، للتأكد من صحة إحدى الشهادات التي تحمل ختم شعار الجمهورية جنبا إلى جنب مع أختام الكلية والجامعة،
لتفاجئنا إحدى الموظفات بالرد شفهيا بعد الاطلاع على الاسم فقط: هذا الطالب "غير مقيد بالجامعة"، مؤكدة أن قسم ميكانيكا وإنتاج، دفعة 2016، كان به عددا محدودا من الطلاب، لم يكن الاسم الوارد بالشهادة واحدا منها.
حاولنا أن نحصل على خطاب رسمي من الكلية، لكن موظفة أخرى، بادرت بالرد: “جواب رسمي ليه، والشخص مش موجود عندنا أصلا".
موظف بهندسة القاهرة: "التزوير شغال في الكلية من زمان.. وكان عندنا ختم اتسرق أيام الثورة"
وعندما أشرنا إلى وجود الأختام الرسمية على الشهادة، كان رد أحد الموظفين: "الختم مش مشكلة إحنا عارفين أن موضوع التزوير ده شغال في كلية الهندسة من زمان"، مضيفا: "خلى بالك إحنا كان عندنا ختم، واتسرق أيام القلق أيام الثورة".
توجهنا إلى الدكتور سيد تاج الدين عميد كلية الهندسة، بما لدينا من شهادات وما توصلنا إليه، فبادر باستدعاء المسؤولين عن شؤون الخريجين للتأكد من صحة الشهادات، قبل أن يخبرنا: «الشهادات مزورة».
وبمواجهته بالأختام الموجودة على الشهادة والتي تطابق رقم الختم الذي ختم به جدول امتحانات شهر مارس الماضي لامتحانات طلاب كلية الهندسة، قال: "ختم الجامعة تم تغييره مؤخرا، كما تم تغيير تصميم شهادات الكلية "البكالوريوس-الماجستير –الدكتوراه".
وعن احتمال استخدام أختام الكلية والتي فقدت بعد ثورة يناير في تزوير الشهادات، قال: "لا تعليق".
عدنا للتواصل مع السمسار
في هذه المرحلة من التحقيق، عدنا للتواصل مع السمسار “تامر" لنكمل الاتفاق المعلق معه "الحصول على شهادة دكتوراه في الإعلام".
تفاوضنا معه حول المبلغ وأن يكون الدفع عند استلام الشهادة إلا أنه رفض تماماً، وأصر أن ندفع له 15 ألف جنيه كمقدم، وهو ما جعل الأمر صعباً، لكننا لم نيأس.
فالتجارة المعلنة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والسوق المفتوح لبيع الشهادات الجامعية، لم يجعل عملنا يتوقف عند السمسار الأول، عدنا لقاعدة البحث التي سجلنا بها ما تتبعناه على مدار أشهر، وفى هذه الأثناء علمنا بما حدث بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
أستاذ جامعي بـ "دكتوراه" مزورة
في 11 مايو الماضي، أرسلت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، خطابا رسميا إلى الدكتور عمرو الإتربي عميد كلية التجارة بجامعة عين شمس: "برجاء التفضل بالتنبيه نحو إفادتنا بصحة هذه الشهادة من عدمه حتى يتسنى لنا اتخاذ اللازم"، أرفق بالخطاب صورة شهادة دكتوراه في المحاسبة والتمويل، استطعنا الحصول على نسخه منها.
القصة بدأت عندما شك "أعضاء لجنة تعيين هيئة تدريس المعاهد الخاصة" التابعة للوزارة، بشهادة دكتوراه لأحد المتقدمين لشغل وظيفة مدرس بقسم المحاسبة بأحد معاهد العلوم الإدارية بمدينة سوهاج، بسبب شكل توقيع عميد الكلية الموجود على الشهادة، وعليه تم رفع الأمر إلى رئيس قطاع التعليم بالوزارة، والذي بدوره أرسل الخطاب إلى عميد الكلية.
وكانت المفاجأة: "نحيط سيادتكم علماً بأن الشهادة مزورة وغير صحيحة"، وهو رد "الإتربي".
أظهرت الواقعة التي أحيلت إلى النيابة العامة للتحقيق، ما يمكن أن يفعله هؤلاء السماسرة من تسهيل حصول أشخاص غير مقيدين بالجامعات على شهادات جامعية تحمل شعار وأختام جامعات مصرية كبرى، فلولا شك اللجنة في طريقة توقيع عميد الكلية على الشهادة، لربما كان هذا الشخص ضمن أعضاء هيئة التدريس الجامعية كما كان يطمح.
مغامرة جديدة.. دكتور جامعي يبيع شهادات الجامعات
بعد تعثر مفاوضات الحصول على الشهادات الجامعية قبل دفع مبلغ مالي مقدما مع السمسار "تامر"، تواصلنا مع سمسار جديد «أحمد»، والذي قال لنا، بعد التواصل معه عبر تطبيق "واتس اب": "الجامعات اللي بخلص منها هي القاهرة وعين شمس وحلوان وأكتوبر، كلميني على الهاتف وهشرح لحضرتك بإذن الله".
أظهرت المكالمة الهاتفية من البداية الحذر والحيطة الذي يتعامل بهما "أحمد"، فقد أصر على إرسال صورة من بطاقة الرقم القومي الخاصة بنا، بحجة تسجيل بيانات العملاء كروتين يتبعه مع من يرغب فى الحصول على شهادة جامعية.
أصر "أحمد" الذي أخبرنا أنه يعمل مدرسا مساعدا بإحدى الجامعات الخاصة، ومنتدبا بأخرى حكومية، على استلام مقدم مالي في البداية لإصدار الشهادات، أخبرناه بأننا سندفع المبلغ كاملا بعد إصدار الشهادات لأننا نخشى من عمليات النصب، فطلب منا «ضمانات» لأنه لا يعمل بمفرده، قائلا بنبرة صوت تحمل تهديدا: «الناس اللي معايا لازم يضمنوا حقهم»، وكانت تلك الضمانات وصل أمانة.
طلب "أحمد" الحصول على 130 ألف جنيه مقابل شهادة الدكتوراه، وما أن بدأنا التفاوض معه على الثمن حتى باغتنا قائلا: "أقسم بالله العلي العظيم لسه واحدة دافعة 150 ألف جنيه فى بكالوريوس صيدلة من جامعة أكتوبر"، متابعا: “الشهادة اللي هتخديها منى تقدري بسهولة تروحي تغيري بها المهنة فى البطاقة أو جواز السفر".
بعد انتهاء المكالمة، أرسل السمسار عبر تطبيق "واتس آب" "15 شهادة، تخصصات مختلفة "طب وصيدلة وتجارة وحقوق وحاسبات ومعلومات وهندسة" لأشخاص مصريين وعرب، من جامعات مختلفة.
لمشاهدة الشهادات .. اضغط هنا
بعد عدة مكالمات، اقترح "أحمد" أن نقابله شخصيا لكي نطمئن له وبعدها نتفق على الأمور المالية.
لم يخبرنا "أحمد" مكان المقابلة مباشرة، طلب أن نتوجه لمنطقة معينة وبعد وصولنا، اتصل بنا الرجل الذي يبدو أنه كان يراقبنا من بعيد، وطلب منا التحرك لمكان آخر.
وعلى الرغم من كل تلك الخطوات الحذرة والغامضة من جانب السمسار، إلا أننا استطعنا أن نوثق تلك المقابلة بـ3 كاميرات سرية عبر فريق دعم مرافق لمعدة التحقيق.
المقابلة التي استمرت نحو 30 دقيقة، تم الاتفاق خلالها على استخراج شهادتين جامعتين، واحدة دكتوراه في تخصص الإعلام باسم معدة التحقيق من كلية الإعلام جامعة القاهرة، مقابل 50 ألف جنيه، بعد التفاوض من مبلغ 130 ألف جنيه، وأخرى بكالوريوس طب تخصص جراحه عامة من الجامعة نفسها لزميل لها أردني الجنسية مقابل مبلغ 100 ألف لا يقبل التفاوض.
طلب "أحمد" في بداية المقابلة الاطلاع على شهادة تخرج معدة التحقيق وبطاقة الرقم القومي الخاصة بها، ليعرف سنة التخرج وتاريخ الميلاد والاسم الذي سيكتبه في الشهادة.
وعلى عكس باقي سماسرة بيع الشهادات الجامعية، بدا أنه يعرف جيدا لوائح الجامعات وشروطها، ففيما يخص شهادة الدكتوراه كان لابد أن نلتزم بما يتبع للحصول على تلك الدرجة: "لازم تحددي عنوان للرسالة، وتتأكدي إنها مش مسجلة باسم أي شخص تانى".
أما بكالوريوس الطب فكان هناك فرصة كبيرة للاختيار بين مختلف التخصصات من جامعتي القاهرة وعين شمس"، اخترنا أشدها خطورة "الجراحة".
بعد الاتفاق على أن نحصل على الشهادتين بعد عشرة أيام، وافق "أحمد" على تخفيض السعر مجددا ليكون 140 ألف جنيه للشهادتين، ولم ينس أن يوجه تهديدا مباشرا إلى معدة التحقيق، "الناس اللى بتشتغل معايا لو الفلوس ماوصلتلهومش يوم ما يطلعوا الشهادة هيعملولك مشكلة كبيرة وماتنسيش أنهم معاهم اسمك بالكامل".
لم يكن تهديد أحمد مفاجئا لنا بعد ما أخبرنا أنه يعمل معهم "مستشار كبير"، لكن المفاجأة هو ما أخبرنا به السمسار بعد ذلك: "أنا مستنى عميل تانى هياخد منى بدل فاقد لشهادة جيبتها له قبل كدا".
وفى محاولة لبناء الثقة معنا، دعا السمسار معدة التحقيق للانتظار لترى بنفسها مدى صدقه في التعامل مع "العملاء"، دفعنا الفضول الصحفي للانتظار وتوثيق هذا اللقاء أيضا، "إزيك يا دكتور محمد"، إنه العميل الذي كان ينتظره السمسار.
"الدكتور محمد"، والذي أخبرنا أنه متخصص بعلاج أمراض المناعة والدم، حصل مسبقا عن طريق "أحمد السمسار" على شهادة بكالوريوس طب عن جامعة عين شمس.
"أنا عندي خبره كبيرة في تخصص المناعة وأمراض دم، وعلشان أفتح عيادة في مصر بعد ما رجعت من بره كان لازم شهادة"، بتلك الكلمات برر "الدكتور محمد"- كما يقدم نفسه-، حصوله من قبل على شهادة بكالوريوس طب.
لم يكن "محمد" حذرا في الحديث معنا، فعندما أخبرته معدة التحقيق أن لديها مشكلة في تحاليلها الطبية، أخبرها على الفور أنه يعمل بالعيادات التابعة لواحد من معامل التحاليل الكبرى بمنطقة المهندسين، لحين الانتهاء من تراخيص عيادته، يمكنها أن تذهب إليه هناك.
غادرت معدة التحقيق المكان وظل السمسار والزبون الآخر، ليقرر فريق الدعم الانتظار لرصد ما يدور بينهما، والتأكد ما إذا كان ما قالاه مجرد تمثيلية لخداع المحررة، أما أنه بالفعل زبون جاء ليدفع المقدم المالي، كما قال السمسار. استمر الاجتماع فترة طويلة، وثقت خلالها الكاميرات السرية لفريق الدعم قيام الزبون بإعطاء ظرف به أموال إلى السمسار.
عند هذه النقطة، كان أمامنا 10 أيام لنحصل على شهادات جامعية موثقة ومختومة بأختام رسمية، لذا كان هذا وقت التحرك لمعرفة أين الجهات المعنية بما يحدث؟
"الداخلية" لا تجيب.. و"التعليم العالي": الجامعات مستقلة بحكم الدستور
حاولنا التواصل مع وزارة الداخلية للوقوف على جهود الوزارة في ضبط تلك الجرائم والإحصاءات الرسمية لعدد جرائم تزييف وتزوير الشهادات الجامعية، إلا أننا لم نتلق أي رد حتى نشر التحقيق، بينما رصدنا من الأرشيف الصحفي قيام وزارة الداخلية بضبط ما يزيد عن 20 مجموعة مختلفة تقوم بتزوير وتزييف الشهادات الجامعية منذ نهاية 2016.
التعليم العالي: الشهادات مسئولية الجامعات.. ونقترح وضع علامة مائية عليها حتى يصعب تقليدها
بينما كانت وزارة التعليم العالي أكثر تعاونا في الرد علينا، إلا أنها أعلنت عدم مسئوليتها عما يحدث، وقال الدكتور عادل عبد الغفار المستشار الإعلامي لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي: "الجامعات مستقلة بحكم الدستور والوزارة ليس لها سلطة عليها"، مؤكدا أن كل ما يخص الشهادات الجامعية والخرجين شأن خاص بالجامعات.
وتابع المستشار الإعلامي للوزارة: كشفت لجان القطاعات للمعاهد المسؤولة عن تعينات أعضاء هيئات التدريس بالمعاهد الحكومية والخاصة عن شهادات مزيفة، وتم إحالتها للنائب العام على الفور، والوزارة لا تتهاون مع أي بلاغات ترد إليها، وتفتح بها التحقيق فورا. واقترح أن يكون هناك علامة مائية للشهادات الجامعية حتى يصعب تقليدها.
نقابات ترصد شهادات مزيفة
أظهر بحث أجريناه بالتواصل مع إدارات شؤون الخرجين بعدد من الجامعات، عدم وجود أي حصر أو إحصاءات رسمية حول تزيف الشهادات الجامعية، وكان المبرر: "لو ماجلناش حد يشتكي هنعرف منين".
إلا أنه كانت هناك محاولات فردية من عدد من النقابات، أبرزها نقابة الصيادلة التي تمكنت من ضبط عدد من الشهادات المزيفة للمتقدمين للقيد بها، وأخبرنا النقيب الدكتور أيمن عثمان: "تشككت لجنة فحص أوراق الانضمام للنقابة في صحة بعض الشهادات التي تقدم بها أشخاص ضمن أوراق القيد بالنقابة، وعلى الفور كنا نتواصل مع الجامعات للتحقق من مدى صحة الشهادات".
بعض الشهادات التي رصدتها "الصيادلة" والتي حصلنا على 6 شهادات منها نسبت إلى كلية الصيدلة بجامعات "عين شمس، وحلوان، والزقازيق، و6 أكتوبر".
"بالرجوع إلى سجلات شؤون الخرجين تبين أن المذكور ليس من خرجين الجامعة، وعليه فإن الشهادة مزورة"، بتلك الكلمات التي كانت ترسل للنقابة من الجامعات، كانت النقابة تحيل الوقائع إلى إدارة الأموال العامة للتحقيق بها.
تواصلنا مع نقابة المحامين، وسألنا عبد الرحمن مروان مسؤول سابق بالمركز الإعلامي للنقابة، عما إذا كانت النقابة رصدت أى شهادات جامعية غير صحيحة، ضمن الأوراق التي يتقدم بها خريجي كليات الحقوق للقيد بالنقابة، أجابنا: "على مر السنتين الماضيتين، ضبطنا نحو 30 شهادة نسبت إلى جامعات مختلفة وتم مخاطبة الجامعات بشأنها، وجميعها أحيلت إلى الجهات المختصة للتحقيق بها".
وفي الموعد.. استلمنا الشهادتين
في الموعد المحدد تماما كما أخبرنا السمسار، تسلمت محررة مصراوي عبر تطبيق "واتس اب"، صورتين لشهادتين جامعتين إحداهما باسمها والأخرى باسم الزميل الصحفي الأردني.
الشهادة الأولى، كانت منسوبة إلى كلية الإعلام جامعة القاهرة، تفيد بأنه في تاريخ 26 إبريل من عام 2017، حصلت معدة التحقيق على درجة دكتوراه في علوم الإعلام، عن رسالة بعنوان "الاتجاهات الحديثة في معالجة الأخبار الصحفية (دراسة مقارنة)"، بتقدير عام امتياز.
وبفحص الشهادة تبين أنها ممهورة باسم الدكتورة جيهان يسرى عميدة الكلية في هذا التاريخ، ومختومة بختم الدراسات العليا كلية الإعلام، وختم النسر جامعة القاهرة، وختم أمين الجامعة.
بينما نسخة الشهادة الأخرى، كانت "بكالوريوس في الطب والجراحة"، واستخرجت باسم زميل أردني الجنسية لم يزر مصر منذ عام 2012، بتقدير عام جيد جدا، وختمت الشهادة بخمسة أختام، بينها (ختم جامعة القاهرة، وأمين الجامعة وختم الكلية)، ووقعت باسم عميد الكلية وموظفين آخرين.
وأعلى الشهادتين وضعت الطوابع البريدية التي تضعها الجامعات على شهاداتها، وعلى ظهر الشهادتين كان ختم ورقم توثيق الخارجية المصرية، العرض الذي أضافة لنا السمسار لحصولنا على شهادتين معا، لتصبح بذلك معدة التحقيق صحفية بدرجة "دكتوراه"، ويصبح الصحفي الأردني، صحفي بدرجة طبيب بشرى "جراح".
كان من المفترض طبقا لما تم الاتفاق عليه بين معدة التحقيق والسمسار، أن تذهب معدة التحقيق لمقابلته فور استلامها صور الشهادات عبر تطبيق "واتس آب" لدفع المبلغ واستلام الشهادات، لكن بعد استلامنا صور الشهادات لم نرد على السمسار، مما دفعه لإرسال رسالة تهديد مباشرة لمعدة التحقيق كان نصها: "عيب أنك تكوني فاتحة الواتساب ومترديش، عموما أنا سلمت شهادتك لسيادة المستشار يتصرف معاكي".
دكتور عظام وأخر "أمراض دم" ومهندس يعملون بشهادات مزورة
بعد استلامنا الشهادتين، قررنا أن نتحرك بالتحقيق في اتجاه آخر، واختبار عينة عشوائية من الشهادات التي حصلنا عليها من السماسرة والتأكد بالفعل إذا ما كانت لأشخاص لم يلتحقوا بالجامعات، وهل تمكنوا من العمل بتلك الشهادات أم لا.
وبدأنا البحث بالتقصي عن «محمد» الشخص الذي حضر في نهاية مقابلتنا مع السمسار، وتأكدنا أنه حصل على شهادة بكالوريوس طب من السمسار. وتبين لنا أنه يعمل في معمل للتحاليل الطبية بمدينة الباجور في محافظة المنوفية، وأنه قدم الشهادة المزورة ليتمكن من العمل لأنه كما أخبرنا "لديه خبرة واسعة في مجال التحاليل ولكن ينقصه الشهادة".
واستكملنا البحث بالتقصي عن شهادة أرسلها لنا سمسار لشخص اسمه «محمد» تفيد بحصوله على بكالوريوس هندسة من جامعة المنيا، تخصص الهندسة المعمارية، تقدير عام امتياز، ومؤرخة في 15-7-2008.
وبعد تأكدنا من تزوير الشهادة، اكتشفنا أن "محمد" يعمل بإحدى شركات المقاولات بدولة عربية، ووجدنا سيرته الذاتية ومرفق بها صورته الشخصية على موقع بيت كوم للتوظيف.
وكشفت السيرة الذاتية التي أرفقها صاحب الشهادة إلى الموقع، استخدامه للبيانات الواردة بالشهادة، ففي الجزء الخاص بالتعليم" ذكر أنه حاصر على بكالوريوس هندسة معمارية في تاريخ "2008 " وهو ما يطابق تخصص الشهادة التي بحوزتنا وأيضا نفس سنة صدورها.
وبالبحث عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" وجدنا أن الشخص نفسه كتبت انه يعمل "كمهندس فني"، بمجموعة شركات للمقاولات الإمارات".
كما كتبت " أنا مهندس معماري "I am an architect in 2008"، وهي نفس البيانات التي جاءت بالشهادة التي حصلنا عليها من السمسار.
أما الشهادة الثالثة التي حققنا في حقيقتها، كانت لـ«إيهاب»، وتفيد بحصوله على درجة دكتوراه في جراحة العظام والمفاصل، بتاريخ 25\7\2016.
وعن طريق بيانته الشخصية استطعنا الوصول إلى حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، لنكتشف أنه يمارس مهنة الطب، من خلال عيادته الطبية الخاصة بمدينة دمياط، ووجدنا عدة صور له وهو يفحص أشعة للمرضى.
إجراءات الجامعات لمواجهة تزييف الشهادات الجامعية
لم تكن وقائع تزييف الشهادات خفية على الجامعات، لكن على الرغم من معرفتها بوجود مثل تلك الجرائم إلا أنها لم تأخذ خطوة في سبيل مواجهة الأمر، إلا مؤخرا، بحسب ما يقول الدكتور فتحي خضير رئيس كلية طب جامعة القاهرة، والذي أكد: خلال هذا العام فقط، بدأت الجامعة في إصدار نسخ جديدة من الشهادات تختلف عن السنوات السابقة، صممت بتصميمات خاصة تمنع تزيفها، بحث يكون اسم الطالب محفورا في نسيج الشهادة ذاتها.
كانت إجراءات جامعة القاهرة لمواجهة تزيف شهاداتها إثر وقائع تزييف عدة حقق فيها الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة السابق، في السنتين الماضيتين وهو ما أخبرنا به "خضير"، مضيفا:" بعدها اتفقنا مع شركة وادي النيل التابعة للمخابرات لطباعة أربعة تصاميم مختلفة لشهادات التخرج "ليسانس، بكالوريوس، دكتوراه وماجيستير".
وبعد 4 أشهر من البحث و10 أيام فقط من الاتفاق مع السمسار، تمكنت محررة "مصراوي" من استخراج شهادات جامعية بدون الالتحاق بالجامعة، وحصلنا على درجات علمية لم ندرس تخصصاتها يوما واحد.
فيديو قد يعجبك: