حوار- مدير "الموارد المائية": "غلطة" تسببت في كارثة رأس غارب.. و"الري" لديها غرفة عمليات للسيول
حوار- دعاء الفولي:
تصوير-محمود أبو ديبة:
منتصف ديسمبر الماضي، انتهى معهد الموارد المائية برعاية وزارة الري، من إعداد أطلس السيول الخاص بمحافظة الأقصر، ليكون ترتيبه الرابع عقب شبه جزيرة سيناء، محافظة أسوان، وقنا.
منذ عام 2010 يعمل معهد الموارد المائية على أطالس السيول، لتبسيط المعلومات المائية الخاصة بكل محافظة، وتجميعها في هيئة خرائط تساعد على معرفة الأماكن الآمنة من السيول وتلك التي تعتبر خطرة.
مصراوي حاور الدكتورة كريمة عطية، مدير المعهد، لمعرفة تفاصيل الأطلس الأخير، وكيف تم الإعداد له، كما تطرق الحوار لأبرز المحافظات المُعرضة للسيول، وكيف تعامل المعهد مع سيول "رأس غارب"، والإجراءات التي اتخذتها وزارة الري عقب تلك الكارثة
ما تفاصيل أطلس الأقصر وكم من الوقت استغرق إعداده؟
هو دليل استرشادي للمحافظة، نجمع فيه خرائط الأودية (الأراضي المنخفضة التي تصب فيها مياه السيول)
التي قد تكون مُعرضة للسيول داخل المحافظة، ثم نُصنف درجاتها بين الخطر والمتوسط والآمن. كما نرصد في الأطلس الخريطة الجيولوجية للمحافظة، والتصنيف الصخري، ما يُمكنّا من معرفة طبيعة التربة، وتحديد كميات المياه التي سيتم امتصاصها في الأرض أو جريانها على السطح "لو الأرض طينية مش هتشرب مياه زي لما تكون حجرية" وبالتالي نستطيع تقدير حجم الدمار الذي ستسببه مياه السيول.
ويضم الأطلس قاعدة بيانات بتضاريس المحافظة، من جبال وممرات وأراضي زراعية وحددنا فيه المنشآت القائمة داخل مخرات السيول "ودي طبعا فيه خطر عليه"، وقد استغرق الأطلس عام كامل من العمل.
على أي أساس تختارون المحافظة التي ستعملون عليها؟
"حسب الأهمية الاقتصادية للمحافظة ومدى تعرضها للسيول". لذا كان البدء بمحافظتي جنوب وشمال سيناء عام 2010، إذ أن سيناء هي أكثر مناطق مصر تعرضا للسيول على الإطلاق، ثم وقع الاختيار على محافظة أسوان لما لها من مكانة سياحية، تليها قنا، وانتهينا من الأقصر، وحاليا نعمل على تجهيز أطلس لمحافظة سوهاج، وأخيرا محافظة البحر الأحمر حيث تحتوي وحدها على 600 وادي.
أما المنشآت التي نُقيمها للحماية من السيول، فتتحدد حسب المواطنين أنفسهم أحيانا، فلدى وزارة الري إدارات متخصصة في شمال سيناء، الغردقة، ومدينة سانت كاترين. هذه الإدارات تتبع المحافظة "وبيجيلها المواطنين يقولوا أنا السنة اللي فاتت السيل وقّع بيتي.. فبيروح فريق من المعهد يعمل معاينة حقلية للمكان ونودي توصياتنا للقطاعات التنفيذية في الوزارة عشان تنفيذ السدود".
كم عدد الفريق العامل على أطلس الأقصر وهل الأطالس مُتاحة للمواطنين؟
اشترك عشرون مهندسا وباحثا في العمل على الأطلس الأخير، من تخصصات مختلفة؛ بين الهندسة المدنية، الجيولوجيا، الجغرافيا، الاستشعار عن بعد وغيرها.
أما الأطالس فمتاحة للجميع. فعقب الانتهاء من العمل نطبع 1000 نسخة، نوزع منها على جهات كهيئة الأرصاد والاستشعار عن بعد، وأقسام الجغرافيا بكليات الآداب، وكذلك مجلس الوزراء والمحافظات والمراكز البحثية الرسمية، ونحتفظ بباقي النسخ في مقر المعهد، فمن يريد الحصول على أطلس أي محافظة يمكنه ذلك.
ما الذي دفعكم لعمل الأطالس من البداية؟
في يناير 2010، ضربت سيول شديدة وسط وشمال سيناء، بلغ ارتفاعها أربعة أمتار. وقتها كان لدينا وحدة إنذار مُبكر في وادي وتير بسيناء، واستطعنا من خلالها تحذير المحافظة قبل السيل بـ3 ساعات، ما أدى لإخلاء العديد من المنازل وتقليل الخسائر، ولكننا استشعرنا وقتها ضرورة وجود وسائل توفر معطيات دائمة للمسئولين عن المحافظات، ومن هنا كان أطلس السيول الأول الخاص بشبه جزيرة سيناء.
ماذا عن وحدة الإنذار المبكر.. هل مازالت موجودة؟
"للأسف لأ". كانت وحدة الإنذار المُبكر مُرتبطة بالأقمار الصناعية التي ترصد حالة الطقس عن طريق أنظمة رادارية متقدمة، غير أن تلك الأقمار لم يكن نظام تشغيلها مصري "كانت جاية من بلجيكا"، وبالتالي شكلت خطرا لحد ما على الأمن القومي، لا سيما لسيناء. لذا اضطررنا للاكتفاء بوحدات إنذار مُبكر تابعة للمعهد، تتنبأ بالأمطار لثلاثة أيام قادمة فقط، وعن طريقها نستطيع تحذير الجهات المختلفة. ولدينا أيضا محطات رصد أرضية نستطيع من خلالها مقارنة مدى صحة توقعاتنا عقب توقف الأمطار.
وكيف تتأكدون أنها سيول وليست مجرد أمطار؟
عن طريق بيانات منسوب الأمطار في وحدة التنبؤ، فإذا كان ارتفاعها من 1 إلى 10 مللي فتلك أمطار خفيفة، ومن 10 إلى 20 مللي أمطار متوسطة، وبداية من 25 مللي تكون الأمطار غزيرة. وبجانب منسوب الأمطار يتحدد حجم السيل، طبقا لتضاريس المحافظة نفسها وطبيعة التربة، وبالطبع ثمة أماكن معروفة باحتمالية تعرضها للسيول بنسبة أكبر، كمدن محافظة البحر الأحمر، ومن ضمنها "رأس غارب"، رغم أنها لم تتلقَ أي سيل شديد من قبل.
ماذا حدث في "رأس غارب" على وجه التحديد؟
طريق الشيخ فضل الذي اجتاحته السيول به "غلطة". فقد كان السيل قادما في اتجاه وادي الدرب الواقع جنوب المدينة، غير أن الوادي لم يكن مُجهزا بحاجز للسيول "ودي بتبقى ماسورة أسفل الأرض تجري فيها المياه باتجاه البحر"، فاستكمل السيل طريقه مُدمّرا كل شيء.
هل أطلقتم تحذيرا قبل السيل في "رأس غارب"؟
"طبعا حذرنا". نحن عادة نُرسل تنبؤات الأمطار لحوالي 150 جهة عن طريق الإيميل، وقبيل ما حدث في "غارب" قلنا إن ارتفاع نسبة الأمطار سيكون أكثر من 25 مللي، وبالفعل تخطى ارتفاع منسوبها الثلاثين.
إذا لماذا أدّى السيل لخسائر فادحة في الأرواح والممتلكات؟
لسببين؛ عدم التنسيق الجيد بين الجهات المختلفة المعنية بحماية المدينة، بداية من المحليات ومرورا بالوزارات. الأمر الثاني عدم الوعي "الناس في المدن اللي مجاتلهاش سيول كتير مش بيبقوا عارفين يتصرفوا لما تحصل مشكلة، زي إنهم مثلا يفصلوا الكهرباء عن البيت فورا وغيرها من الإرشادات".
لكن يجب القول إننا "اتقرصنا بعد اللي حصل في غارب"، فأرسل المحافظون لنا طلبات كثيرة لعمل دراسات على المُدن التابعة لهم، خوفا من تكرار المأساة.
وهل هناك إجراءات حماية جديدة اتخذتها وزارة الري عقب سيول غارب؟
"وزارة الري عملت قبل موسم السيول ده غرفة عمليات السيول موجودة على الواتس آب، مشترك فيها كل المحافظات، موجود فيها بيانات منسوب مياه الأمطار في مصر بشكل تفصيلي وبتتحدث كل ساعة"، وعندما نستشعر الخطر، تبدأ الوزارة فورا في تقليل منسوب المياه في نهر النيل "عشان لما السيل ييجي يقدر النهر يشيل"، ويتكرر الأمر مع مصارف السيول والترع، بالإضافة للتحذيرات الاستباقية بطبيعة الأمطار.
كما أننا حاليا في مرحلة التجهيز لإنشاء بحيرة وحاجز للسيول في غارب، تُقدر تكلفتهما بحوالي 20 مليون جنيه، لحماية وادي الدرب، كما يتم دراسة الطريق المؤدي للمدينة "عشان نشوف إزاي ممكن الأزمة تتحل".
وما التكلفة الكلية لمنشآت الحماية التي تخططون لها في لمرحلة القادمة؟
الحمايات ستكون على مرحلتين؛ الأولى تكلفتها حوالي مليار وأربعة ملايين جنيه، والثانية ما يقارب المليارين. وتلك الميزانية لا تشمل تكلفة إعادة إصلاح المنشآت، إذ تحتاج لصيانة دورية بسبب ما تحمله السيول من رسوبيات وغيرها، ما يقلل كفاءة الحاجز.
بين عام وآخر تضرب السيول مُدنا جديدة..فهل تغيرت منهجية سقوط الأمطار خلال الأعوام الماضية؟
تغيرت المنهجية لأن ثمة تغير مناخي عالمي ومصر ليست استثناء. صارت الأماكن الأبعد عن المطر أكثر تعرضا له، وأصبحت كثافة الأمطار أقوى وأكثر تدميرا "آثار التغيرات المناخية بدأت تظهر بشدة عندنا من سنة 2010"، فمنذ وقتها لم يخلُ عام من السيول، بل ويضرب السيل عدة مرات خلال عام واحد، في حين أن السيول كانت قبل ذلك تأتي على مسافات زمنية متفاوتة "يعني أقرب سيل قوي من 2010 كان سنة 94 وقبلها 75 والاتنين حصلوا في أماكن بعيدة عن بعضها".
وعموما يجب علينا الاهتمام بفكرة التغيرات المناخية ومعرفة موقعنا من برنامج المناخ العالمي ولأي مدى سنتأثر بذلك الوضع، بالإضافة للوعي السكاني بتلك المستجدات.
كيف يؤدي عدم الوعي إلى تفاقم أثر السيول؟
بعض المواطنين في المحافظات المُعرضة للسيل يبنون منازلهم في الأودية "لأنها أراضي منبسطة ومغرية لتشييد العمران عليها"، والدور هُنا جزء منه على المحليات إذ ينبغي تحذير الناس، بالإضافة إلى أن المصريين يتركون الظهير الصحراوي ويتركزون في مساحات أقل، ومع الزيادة السكانية يلتهم السيل عدد أكبر من الأرواح البشرية.
عدم الوعي كذلك يجعل البعض يعتدي على منشآت حماية السيول التي نُنفذها في المحافظات، سواء بقصد أو دون عمد "يعني نبقى حاطين مثلا حول المنشأة شبكة فيها رمل وزلط بتخفف من اندفاع المياه فالناس تقطع الشبك وتاخد من الزلط والرمل، فيبوظ السد وميقومش بدوره".
وأخيرا فهناك تعديات على مخرات السيول نفسها، مثلما حدث في أكتوبر الماضي في أطفيح، حيث اعترضت بعض المحاجر المُنشأة طريق مياه السيل فلم تصل للمخر الرئيسي بالمدينة، ما أدى لاتجاهها ناحية الأراضي الزراعية "وبالتالي برضو لازم المحافظات متديش تصريح محجر إلا لما تتأكد من مكانه وترجع لنا كهيئات مختصة.. ودة محصلش ساعة أطفيح".
هل حاولتم زيادة نسبة الوعي لدى لمواطنين بكيفية التعامل مع السيول؟
في أكتوبر الماضي اشتركنا مع هيئة اليونسكو بتمويل من اليابان، لعمل أول ورشة للتوعية بالسيول، في محافظة أسوان، حيث ذهبنا لمدرسة "أبو سويلم" وهي أحد المنشآت التي تعرضت للسيول "قدمنا للناس ملصقات بسيطة تقولهم يعملوا إيه لما ييجي السيل"، وجزء من التوعية ركّز على ضرورة الرجوع للمعهد أو مبنى المحافظاة لمعرفة الأماكن المُتاحة للبناء أو الخطرة.
حدثينا عن منشآت حماية السيول.. أين تقع أبرزها؟
لدينا في سيناء منشآت؛ أهمها 8 سدود في طريق وتير الدولي و3 بحيرات "عشان الماية وهي نازلة من الجبل تصب فيهم"، وفي مدينة سانت كاترين وحدها لدينا 142 بحيرة للسيول نظرا لغزارة الأمطار هناك وكثرة الجبال، فلا تُكلفنا البحيرات سوى بعض أدوات بسيطة نضعها في الأودية وتصبح بحيرة تُخزن لنا مياه عذبة يستخدمها الناس.
وحاليا لدينا منشآت جاهزة على التنفيذ "هنعمل حمايات في البحر الأحمر، أسوان، الأقصر وأسيوط"، كما أدرجنا محافظة الوادي الجديد في دراساتنا للأماكن التي تحتاج لحماية، بسبب الأمطار الغزيرة التي هطلت عليها في أكتوبر الماضي، وبعد المعاينة اكتشفنا أن المحافظة بها 35 قرية، منهم 12 غير آمنة لوقوعها في مخرات السيول.
هل حواجز السيول تقتصر على البحيرات والسدود فقط؟
لا. إذ يختلف الأمر حسب طبيعة الطريق نفسه، فلو الوادي منخفض أكثر من الطريق الذي يمر فيه السيل نقوم بعمل ماسورة "بربخ" في بطن الوادي تجري فيها المياه، أما لو الوادي الذي يستقبل المياه أعلى من الطريق "بنعمل حاجة اسمها معبر أيرلندي تمر فوقيه الماية" وهذا المعبر موجود بالفعل في طريق طابا النقب وطريق وتير الدولي في سيناء.
تعملون في سيناء منذ السبعينات.. فما المصاعب التي تواجهكم؟
محافظة جنوب سيناء ليس بها أزمة، بالعكس لدينا مشروع قومي للاستفادة بمياه الأمطار هناك.
أما شمال سيناء ففيها بعض التعقيدات الأمنية نظرا لخطورة الوضع، رغم ذلك فلدينا مكتب هناك "بس لما بنعوذ نعمل منشأة أو سد بيتحرك الجيش معانا"، ولحسن الحظ فمدينة العريش فيها منشآت حماية منذ عام 2010، إذ أنفقت الدولة منذ وقتها حوالي 250 مليون جنيه على الحمايات معظمها داخل سيناء.
ما تفاصيل مشروع الاستفادة من مياه الأمطار في سيناء؟
سيناء بعيدة عن مصادر المياه الدائمة وبالتالي نعمل بالتعاون مع معهد المياه لجوفية التابع لوزارة الري، على بناء بحيرات جبلية تُغذي آبار جوفية يستخدمها البدويون طوال العام عقب موسم الأمطار "ممكن تحتفظ بحوالي 2000 متر مكعب من المياه النظيفة سنويا".
هذا بالإضافة لاعتمادنا على الآبار لزراعة صوبة لدى أحد البدو في يونيو الماضي، واحتوت على نباتات طبيّة، وبعض الخُضر، وحصدنا نتيجة الزراعة 400 كيلو من الخيار.
اجتمعتم في يونيو الماضي مع رئيس المنطقة الاقتصادية بالسويس لبحث حمايتها من السيول.. فهل اتخذتم أي خطوات؟
"خلصنا دراسات المنطقة الاقتصادية بالفعل"، وبدأنا في عمل حماية من السيول لـ181 برج كهرباء في طريق العين السخنة-الزعفرانة، وتكون الحماية عبارة عن سور ارتفاعه بين متر أو مترين على شكل حرف "يو" حول البرج لمنع دخول المياه.
كما وضعنا في دراستنا أكثر من 26 منشأة لحماية المنطقة الاقتصادية، حيث ستكون تكلفتها 279 مليون جنيه قبل التعويم، وسيتولى مستثمرون تنفيذ مشاريع الحماية.
فيديو قد يعجبك: