بالفيديو.. كيف بُعث "المنشاوي" للتلاوة بعد 47 عاما على وفاته؟
كتب - عبد الله قدري وإشراق أحمد:
قبل عامين لم يكن يروي ظمأ عاشقي "صوت الخشوع"، سوى تلاوته عبر الأثير الإذاعي، وما احتفظ به المريدين والسميعة من تسجيلات انتقلت لأجيال مختلفة، منهم مَن لم يعاصر حياة محمد صديق المنشاوي، لكنه أبصر طلته بصور فوتوغرافية، التُقطت له بحياته، وعلى ضآلة جودة الكثير منها، غير أن المحبين كانوا يتناقلونها كأنما وجدوا كنزا. غير أن تساؤلا ظل ملحا، عن مقطع مصور للشيخ، يرضي شغف الراغبين في رؤيته مرتلا القرآن، إلى أن جاء الأول من رمضان عام 2014، ليظهر الشيخ على التليفزيون المصري، قارئا ما تيسر من سورة آل عمران، ويحيي بالنفوس مشاعر لهفة اكتمال الصورة مع الصوت، كأنما خرج الشيخ ليقدم سهرة قرآنية جديدة يروي بها عطش المستمعين.
يستعيذ المقرئ محمد صديق المنشاوي من الشيطان الرجيم، ثم يبسل واضعا راحة يده اليمنى جوار أذنه، ليصدح صوته مستهلا بآية رقم 93 من سورة آل عمران "كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه"، يجلس على كرسي وثير، وأمامه منضدة تحمل مصحف مفتوح. متحلي بالزي الأزهري يواصل التلاوة مع حركة تمايل خفيفة كهيئة أهل الكتاتيب، تصدر عنه تلقائيا عقب التوقف هُنيهة بعد كل آية، ومع اندماجه بالقراءة، يرتفع الكفين حال إقامة الصلاة، ثم يعيدهما ليستقرا على رجليه كأنما في موضع التشهد.. كذلك أطل "المنشاوي" للمرة الأولى على شاشة التليفزيون قادما من عام 1966 إلى ألفينيات القرن الواحد والعشرين.
سورة آل عمران
تجلي التسجيل المصور "للمنشاوي" على مئات المشاهدين، إلا أنه قبل أشهر من هذا، كان قرة عين لشخص واحد فقط؛ عبد العزيز عمران مدير عام الإذاعات الخارجية والتراث في التليفزيون المصري، صاحب الفضل في إحياء تسجيلات "المنشاوي" المرئية.
خلال نحو ستة أعوام ألح الكثير على "عمران" بالسؤال عن شرائط الشيخ لدى ماسبيرو، بحكم اهتمام الرجل وليس فقط منصبه، لم تكن الرسائل ذات طابع محلي فقط، بل توالى الكثير منها من إيران ودول شرق آسيا خاصة، يتلهف لمشاهدة "المنشاوي" ويُرجع "عمران" هذا لاتساق ثقافة وطبيعة جهور تلك البلاد المتذوق للتلاوة القرآنية، والذي تتسم مشاعره بالحزن، وصوت الشيخ المائل للشجن حال غالبية قراء الصعيد "نظرا لطبيعة الحياة حيث للجنازة طبيعة خاصة وكذلك التربية على صوت الربابة وهو صوت حزين".
توفى "المنشاوي" بينما كان "عمران" بعمر الثمانية سنوات، لكنه تربى كالكثير على صوته، إلا أنه أدرك مع الكبر مغذى الانجذاب لصوته "من يريد أن يرق قلبه يستمع للشيخ محمد صديق المنشاوي". كان لهذا ولانقضاء نحو 10 سنوات عكف بها أبناء "المنشاوي" مع التليفزيون على البحث عن فيديو مرئي لتلاوة أبيهم. دافع لمدير عام الإذاعات الخارجية نحو بذل جهد مضن للبحث في غياهب تاريخ ماسبيرو عن القارئ الباكي، في ظل غياب الاعتناء الكافي بالتراث الديني "الشرايط كانت محطوطة في مكان يصعب الوصول لها"، لكن مع منتصف عام 2014، بدا في الأفق نور، بإيجاد تسجيل يبلغ مدته 6 دقائق يتلو به الشيخ من سورة الأنعام ما بين الآية 93 حتى 99.
سورة الأنعام
بلغت سعادة "عمران" عنان السماء، وزادت بالعثور على دقائق أخرى من سورة آل عمران –من الآية 158: 163- لكنه تكتم الأمر، فلم يكن يعلم أحد بماسبيرو بأمر التسجيلات. كان مدير عام الإذاعات الخارجية الرجل الوحيد بالعالم -حسب وصفه، الذي تمكن حينها من رؤية "المنشاوي" بعد مرور أكثر من 40 عاما على وفاته، تحمل التوجس من انكشاف الحدث، وما قد يترتب على ذلك من احتمال ضغط الجمهور لعرض التسجيل من ناحية أو سوء استغلال من ناحية أخرى.
قرابة شهر ظل "عمران" يعمل على إعداد التسجيلات من أجل إدخال السرور على قلوب محبي الشيخ أول ليلة بشهر رمضان من هذا العام، كانت الأيام تمر ثقيلة رغم ما بحوزته من كنز يود كثير لو اطلع عليه "كنت أدعو الله أن يمد في عمري فلا أفارق الحياة قبل أن استطيع إسعاد الناس". وفي ليلة الحسم، قبل يومين من إذاعة أول تسجيل "للمنشاوي" أعلن مدير عام الإذاعات الخارجية والتراث الخبر، وبمطلع الشهر الكريم من عام 2014 تفجرت المفاجئة بإذاعة التسجيلين، وانهالت التعليقات، وصيحات الفرحة بين المحبين، غير أن تعليق واحد لازال معلقا بذهن الرجل الخمسيني كتبه مشاهد جزائري "لقد هرمنا حتى نرى هذه اللحظة".
8 تسجيلات أخرجها "عمران" للنور حتى الآن "للمنشاوي"، يزيده شغف المحبين وسعادتهم رغبة، بالسعي لإزاحة الغمام عن المزيد من التلاوات خلال هذا العام، من أجل تلك اللحظة التي تهنأ بها قلوب المشاهدين فرحا برؤية مَن ذابت الأفئدة بتلاوته لآيات الذكر الحكيم.
قبل تلك اللحظات، وطيلة 47 عاما، ذخرت المواقع التي أنشأت لتجميع محبي الشيخ، ومن بعدها صفحات "فيسبوك" بما يجمعه السميعة من تسجيلات، ابتل ريق المحبين شيئا ما، بتحقيق حلم رؤية الشيخ، في 29 ثانية، إذ عرضت صفحة الشيخ محمد صديق المنشاوي في 13 مارس 2014 مقطع مصور، يُظهر الشيخ مسلما على أحدهم، وقبلها أهلَّ صوت "المنشاوي" عام 2013 بتسجيل من إذاعة بغداد، حين كان في زيارة للعراق بالستينيات.
وفي عام 2011، وبأجواء غير متوقعة، حيث عرض الفيلم الأجنبي "Hanna"، وبينما تجلس بطلة الفيلم الذي قامت بدوره الممثلة الأمريكية سيرشا رونان بمفردها قرب نافذة، بزغ صوت الشيخ "المنشاوي" وهو يقرأ الآية الكريمة من سورة آل عمران "إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذي يأمرون بالقسط من الناس...). امتزج صوت الشيخ وهو يقرأ، بمشاعر بطلة الفيلم التي همست قائلة "خليط من الأصوات، ينشر شيئًا جميلًا، ليعبر عن المشاعر."
تابع باقي موضوعات الملف:
''صوتٌ مُعلقٌ بالقرآن''.. مصراوي ينشر مقطتفات من حياة ''المنشاوي''
المنشاوي'' على خطى الهادي.. ''كان خلقه القرآن''
الأسرة القرآنية.. توثيق ''الشطوري'' و''العمدة'' لحياة ''المنشاوي'' في كتاب
في حب ''المنشاوي''.. حكايات ''عسكري التشريفة'' والتنقيب عن تسجيلاته
عائلة ''المنشاوي''.. نبت قرآني (إنفوجراف)
محمد صديق المنشاوي.. ''مزمار'' القرآن (ملف خاص)
فيديو قد يعجبك: