الأسرة القرآنية.. توثيق "الشطوري" و"العمدة" لحياة "المنشاوي" في كتاب

كتبت- دعاء الفولي:

كانت الأقدار تسوقهما إلى اللقاء دوما. وُلد أحمد عمار الشطوري، ومحمود العمدة، بمركز "شطورة" محافظة سوهاج، على بعد 150 كيلو من مركز المنشأة حيث يقطن آل صديق المنشاوي. نشأ الرجلان بمنزل يزينه صوت الشيخ "محمد المنشاوي"، ومن بعده شقيقه "محمود المنشاوي"، كان من بين أقاربهما من تتبعوا الأول وصاروا سمّيعة، وعندما اتخذ "الشطوري" و"العمدة" الكتابة طريقا لهما، كانت هي خير وسيلة للتعبير عن امتنانهم لآل المنشاوي، فأصدرا كتابا عام 2008 يسرد مقتطفات من حياة قرّاء العائلة السوهاجية، تحت اسم "آل صديق المنشاوي.. الأسرة القرآنية"، ليصبح أول كتاب يحمل بين دفتيه سيرة "ريحانة القرآن" وأسرته.

تأليف الكتاب كان نتيجة حتمية لاهتمام الكاتبين بالبحث عن أي تسجيلات للشيخ "محمد". فقبل أن يُتمم "الشطوري" عامه العشرين سمع بعض من تسجيلاته عند أحد أقاربه "من ساعتها قررت أجمع تراث الشيخ وأوثقه مش مجرد أسمع"، خلال تلك الرحلة تعرّف "الشطوري" على تفاصيل مختلفة "لقيت إن سميعة الشيخ جمعوا له حاجات أسرته نفسها متعرفهاش"، يقول المؤلف الأربعيني إن عمّه "علي الخطيب" سافر من الكويت إلى سوريا ليشتري شريطا يقرأ فيه الشيخ مقطع من سورة آل عمران بإحدى الحفلات هناك "ولما بقول لأخو الشيخ مكنش مصدق إن التسجيل ده عندنا لحد ما سمعه".

"سليم" من المرج، الحاج "إسماعيل" من المنيا، سالم الشرقاوي من الأقصر وغيرهم؛ سمّيعة عرج عليهم "الشطوري"، بعضهم وهب حياته ليجمع التراث. يذكر "العمدة" أنه اعتاد الذهاب إلى المرج، حيث يقطن صديق له يُدعى ممدوح فرج "كان بيفتح بيته طول رمضان للناس عشان تيجي تسمع حفلات الشيخ النادرة"، حضر الرجل الخمسيني تلك الليالي حيث يتبادل السمّيعة المقاطع، وكانت هدية القادم لمنزل "فرج" هي سهرة لم يسمعها الحضور من قبل.

طرأت فكرة الكتابة عن الشيخ "محمد" وأسرته لـ"الشطوري" قبل العمل على الكتاب بسنوات "لأننا كنا أصدقاء لأسرة الشيخ محمد وعارفين عنهم لكن بدأنا نبحث اكتر"، في عام 1995 كان "العمدة" قد أنهى أوراق كتبها عن "المنشاوي" وطريقته في التلاوة، وبحكم الصداقة بينه و"الشطوري" أطلعه عليها، ليجده "العمدة" يطلبها عام 2003 "قاللي هاتها نعمل كتاب عن الشيخ محمد والعائلة".

تقرّب "العمدة" في تلك الفترة من الشيخ "محمود المنشاوي" على أمل معرفة معلومات أكثر عن أخيه وأبيه وعنه شخصيًا، لكن صداقة نشأت بينهما وصار مرافقًا له في معظم حفلاته، وكذلك "الشطوري". تلقّى الكاتبان من "محمود" تفاصيل جديدة مع كل جلسة جمعت بينهما، سمعا عن الشيخ "صديق" الأب، لكن مع التقرب ممن عايشوه، عرفا إنه "كان عامل زي الأولياء عندنا في الصعيد" وكانت التقوى هي صيته بجانب جمال صوته في القرآن.

روى "محمود" للمؤلفين أنه رافق أبيه في إحدى الحفلات "وكان الشيخ صديق بيقرأ في آية إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا"، وبينما صوته يرج المكان، سقط الشال الذي يضعه على كتفه، فذهب "محمود" ليعيده مكانه، وما أن اقترب منه حتى ضربه الشيخ. أصاب الذهول الابن "ولما خلّص سألته انت ضربتني ليه.. فقاللي وانا بقرأ في الآية كنت شايف سيدنا محمد وسيدنا أبو بكر في الغار وانت جيت حجبت الصورة عني".

أثناء الإعداد للكتاب لمس الكاتبان اهتمام عظيم من البعض سعيا وراء حفلات الشيخ "محمد"، وعدم اكتراث آخرين لتسجيلات بحوزتهم، هي أشبه بالكنوز بالنسبة للسميعة "كنت مرة ماشي في مركز شطورة عندنا وسمعت صوت الشيخ شغال جوّة محل فدخلت أسأل الراجل عن الشريط ده"، وقتها فوجئ "الشطوري" أن ذلك الحفل جديد تماما، تبادرت اللهفة للسان الرجل الأربعيني إذ يرجو صاحب المكان أن يترك له الشريط بأي مقابل مادي يُريد "فلقيته بيقولي لأ عادي خده من غير فلوس خالص ده هدية ليك".

158 هو عدد صفحات كتاب "الأسرة القرآنية" الذي جاء في عدة فصول، تم تقسيمها حسب الستة قراء الأبرز في العائلة، وهم على الترتيب: صديق السيد تائب المنشاوي، أحمد السيد المنشاوي، محمد صديق المنشاوي، أحمد صديق المنشاوي، محمود صديق المنشاوي، وأخيرًا صديق محمود صديق المنشاوي، ويشرح الكتاب باختصار حياة كل قارئ منهم، مُركزًا بشكل أكبر على الشيخ "محمد" و"محمود".

تفاصيل مختلفة شرحها الكتاب، تُبرز مدى انسياب آيات الذكر الحكيم على لسان العائلة، ومواقف أخرى لم تتسع الصفحات لذكرها، قيلت خلال مقابلات أجراها الكاتبان "أحد المهندسين بإذاعة القرآن قال لنا إنه أكثر شيخ تعبه في التسجيل كان محمد صديق"، حسبما يقول "العمدة"، وذلك لأنه كلما وصل لبعض الآيات يبكي، ولا يستطيع استكمال الترتيل، فيضطروا للبدء من جديد، رصد "الأسرة القرآنية" أيضًا ردود أفعال بعض متابعي الشيخ "محمد"، من دول مختلفة كالجزائر والسعودية وكندا، كما تضمّن حوار أجرته مجلة الإذاعة والتليفزيون مع "سعودي" ابن الشيخ الأكبر.

ضمن المصادر التي اعتمد عليها صاحبا الكتاب كان السمّيعة، الذين اعتبر بعضهم أن تراث الشيخ يمس كرامته بشكل مباشر. فيقول "الشطوري" إن قريب له يُدعى أحمد الخطيب، سمع سورة الزخرف عند أحد المعارف فوجد التسجيل جديدا، وعقب أيام عاد على جناح السعادة مصطحبا معه شريط ليسجل الحفل "فلقى إن الشخص ده سجل على الاسطوانة حفلة لوردة الجزائرية"، انفعل "الخطيب" بشدة على الرجل فما كان رد الأخير إلا أن قال "الاسطوانة بتاعتي يا أخي وأنا حر فيها"، فخلع السمّيع حذاءه وهمّ بضرب الرجل، وما أن سأله عما يفعل قال: "جزمتي يا أخي وأنا حر فيها".

يتذكر "الشطوري" كذلك قصة رواها أحد رجال الصعيد له عن حفل شهده للشيخ بـ"جرجا"، حضر فيه رجل كفيف "وكان المنشاوي بيقرأ آية الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة..."، وفيما يُرتل ظل الكفيف يوقفه قائلًا: "لسة يا شيخ محمد"، فيُعيد "المنشاوي" القراءة معتقدا أنه أخطأ، فيعاود الرجل مقاطعته بنفس الجملة عدة مرات حتى قال في النهاية: "خلاص يا شيخ.. انا كنت شايف حبل نور طالع من هنا للسما وكل شوية بيزيد لحد ما وصل فوق".

لم يكن الكتاب الجامع لصور كثيرة لأفراد العائلة، سوى محطة من محطات اهتمام المؤلفين بـ"المنشاوي". فعلاقتهما بالشيخ "محمود" والأسرة لازالت مستمرة يُكللها القرآن وسماعه. ورغم أن المرة الأخيرة التي حصل فيها "العمدة" على تسجيلات جديدة كانت عام 2007، إلا أن مكتبته تحوي الآن حوالي 250 حفل للشيخ "محمد"، ينهل منهم كلما يشاء، فيما جعله الكتاب أقرب لتحري كل ما يُقال عن الشيخ، فقد سمع أنه كتب بعض قصص الأطفال ورأى بعضا منها في معرض الكتاب "وسألت الشيخ محمود فقاللي إن محمد مكتبش أي كتب"، كما أن "المنشاوي" لم يُسجل مُصحف مُرتل للأطفال، وإنما هي الهندسة الصوتية ألحقت كورال أطفال بما يُسجل كي يخرج المصحف في تلك الصورة.

تابع باقي موضوعات الملف:

''صوتٌ مُعلقٌ بالقرآن''.. مصراوي ينشر مقطتفات من حياة ''المنشاوي''

 

المنشاوي'' على خطى الهادي.. ''كان خلقه القرآن''

بالفيديو.. كيف بُعث ''المنشاوي'' للتلاوة بعد 47 عاما على وفاته؟

في حب ''المنشاوي''.. حكايات ''عسكري التشريفة'' والتنقيب عن تسجيلاته

عائلة ''المنشاوي''.. نبت قرآني (إنفوجراف)

 

محمد صديق المنشاوي.. ''مزمار'' القرآن (ملف خاص)