إعلان

حريق "الرويعي".. عن العتبة "اللي مبقتش خضرا"

07:12 م الإثنين 09 مايو 2016

حريق العتبة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - علياء رفعت ودعاء الفولي:

الدخان يتكاثف في الأنحاء، كلما اقتربت من ميدان العتبة لن تستطيع أن تلتقط أنفاسك، ألسنة اللهب طالت عنان السماء التي لبدتها غيوم في يوم أسود على تجار وساكني المنطقة. البيوت والبضائع احترقت عن بَكرة أبيها. رجال الإطفاء والأمن؛ كُل يمارس دوره في صمت لا يكسره سوى صوت التجار المفجوعين إذ يرددون "بيوتنا اتخربت، والبضايع اتحرقت"، فيما يفترش فريق آخر منهم الأرض ساندًا رأسه بيديه في محاولة للسيطرة على رباطة جأشهم، وبينما انطفأ الحريق الذي ظل مُشتعلًا لأكثر من تسع ساعات، لفح لهيبه تجارة عشرات من البائعين والتجار.

حريق العتبة


"مصراوى" التقى شهود عيان على الحريق، تجار، وأهالي منطقة العتبة مّمن عايشوا ساعات الرعب والدمار في ميدان "العتبة" التي لم تصبح خضراء كما أطلقوا عليها يومًا.

حريق العتبة

بين أزقة العتبة ونواصيها، وبالقرب من "صيدناوي" الذي التهمته النيران هو الأخر الاثنين الماضي، ثمة مدخل ضيق لعقار قديم لا يتكون إلا من ثلاثة طوابق، جميعها مُخصصة لورش تقوم بتصنيع الأحذية والمصنوعات الجلدية. على بابِ شَقةٍ كبيرة تجاور الفندق المحترق؛ جلس "جمال" -صاحب ورشة- مهمومًا في وضع القرفصاء، واضعًا رأسه بين يديه، حزنًا على ما آلت له الأوضاع.

حريق العتبة


"ده فِعل فاعل، لو ماس كهربا مش هيعمل كده" قالها "جمال" ليشرح بعدها كيف بدأ الأمر. هاتفه يدق في الحادية عشر والنصف مساءً أمس ليخبره أحد عمال الورشة بأن "العتبة تحترق"، دقائق معدودة وكان الرجل يقف وسط عماله في حاله من الصمت والذهول لما يحدث، فبرغم أن الحريق بدأ بفندق الأندلس إلا أن السيطرة عليه وقتها بدت شِبه مُستحيلة بالنسبة للأهالي الذين يتعاونون سويًا مع وجود رجال الإطفاء الذين لم تُمكنهم الأدوات من السيطرة على الأمر إلا عقب أكثر من تسع ساعات "العتبة بقت كوم تراب، ده حتى سقوف المباني وقعت على بعض".

حريق العتبة


فيما يُغطي اللون الأسود واجهة ستة عقارات، كان الكردون الأمني يُغلق المنطقة المنكوبة، يمر المواطنون على المكان، يقف بعضهم ناظرًا بأسى، يحوقل ثم يُكمل طريقه قائلًا: "ربنا يعوضهم.. دة خراب بيوت"، فيما تتوارد أصوات ارتطام البضائع بالأرض؛ يلقيها أصحاب المحلات الموجودين داخل فندق الأندلس المحترق المُطل على محطة مترو العتبة والجراج، والذي بدأت منه النيران، محاولين إنقاذ ما يُمكن. بين الحين والآخر يخرج أحدهم ليستنشق هواء تشوبه رائحة البلاستيك والأقمشة المُحترقة، بينما يهرع بائع آخر لخارج مبنى الفندق، قبل أن يصرخ "الناس بتموت فوق يا جدعان".

حريق العتبة


بعض المتضررين يغلب عليهم الظن أن الأمر مُدبّر؛ كذلك يرى محمد فؤاد، صاحب فرشة "إيشاربات"، كان رأس ماله بالكامل في تلك التجارة البسيطة، كل ما يملك من بضائع احترقت في مخزن صغير "تمنها يوصل لسبعين ألف جنيه".

وصل "فؤاد" للمكان فجرًا، ليجد أن النار قد أتت على مساحة "أكل العيش" الخاصة به، لم يُعطيه أحدهم إفادة كاملة بما حدث، ما جعله يتساءل "طيب النار مسكت في الفندق والعمارتين اللي جنبه.. ليه تمسك في عمارتين الناحية التانية قُرب المترو.. دول في ناحية ودول ناحية تانية" على حد قوله.

الدولة لم تقم بواجبها كاملًا في نظر "فؤاد"، لولا مجيء سيارات الإطفاء التابعة للقوات المسلحة لكانت الخسائر أفدح، ما يُعزي البائع الثلاثيني قليلًا هو عمله الآخر في مصنع للإنتاج الحربي، لكنه يدين بالكثير لتلك الفرشة المحترقة "هي اللي فتحتلي البيت. فلوس الحكومة مبتأكلش".

حريق العتبة


روايات انسابت على ألسنة المتواجدين؛ بعضهم يقول إن الحريق بدأ بسبب طبخ أحد السودانيين الموجودين بالفندق، بينما يقول آخرون إن الأمر بدأ بسبب ماس كهربائي، ويضيف ثالث أن أحدهم كان يحتسي مشروبًا كحوليًا ما جعل الحريق ينتقل بشكل أسرع؛ تفاصيل متشعبة تُحكى، لم تتضح حقيقتها بعد.

الثانية عشر ليلًا كان باب منزل "سميرة" يُقرع بشدة؛ شقيقتها تبدو عليها أمارات الفزع، تتلاحق أنفاسها فيما تقول: "المنطقة بتولع". ليلة ثقيلة مرّت على السيدة الخمسينية وشقيقتها التي تركت منزلها خوفًا من التهام اللهب له، إذ يبعد عدة أمتار عن فندق الأندلس الذي بدأ منه الحريق.

حريق العتبة


عائلة "سميرة" تسكن العتبة منذ سنوات طويلة "والعمارة كان فيها جيران لينا"، بعضهم لم يتحمل ازدحام المنطقة بالورش، فرحل "لكن احنا عارفين البياعين والتجار اللي هنا"، منذ الصباح الباكر أتت "سميرة" للمكان "كنت بجيب شوية ورق مهم"، لم تستطع السيدة البقاء في المنطقة رغم أنها وُلدت فيها، فالعقارات قريبة من بعضها ومتهالكة "فلما النار بتمسك في واحد بتمتد للباقي".

حريق العتبة


في العام الماضي تكرر الحريق، مع خسائر أقل، إذ طال أحد العمارات السكنية وكان بها بعض مخازن الأوراق والدوات الدراسية. ميعاد الحريق أثار الشكوك بنفس محمد إبراهيم، العامل بمحل واقع في مواجهة الفندق "امبارح الحد أجازة أصلا.. محدش فينا كان موجود والأسبوع اللي فات كان صيدناوي اتحرق يوم شم النسيم وكنا اجازة برضو.. اشمعنى يعني الحريق مبيحصلش غير في الأوقات دي"، فيما يلتقط صاحب محل آخر -شاهد ما حدث بالأمس- الحوار مضيفًا أن يوم الأحد يكون ضغط استهلاك الكهرباء قليل جدًا بالمنطقة بسبب عدم عمل الباعة، لذا فاحتمالية وجود ماس كهربائي بعيدة، على حد تعبيره.

حريق العتبة


في الناحية الأخرى من الشارع الموازي لفندق الأندلس، تقبع ورشة "حُلي الأخشاب" التي يعمل بها "نبيل". الذي وقف مشدوهًا بالقرب من أهالى المنطقة والعُمال الذين جلبهم صاحب الورشة ليقوموا بتحميل ألواح الخشب المحترقة، ألواح قليلة استطاعوا إنقاذها في عربة تقودها بعيدًا عن دمار العتبة، يقدم يد العون تارة، ويجلس ليستريح على كُرسي أمام الورشة التي يعمل بها منذ سنوات مُتحسِرًا على حالها.

حريق العتبة


"الخساير بملايين، الخشب كان كله زان والمتر منه أقل حاجة بـ 45 ج"، قال "نبيل" قبل أن يستطرد "أول مرة تحصل حاجة زى دى، الدنيا ولعت فجأة ومحدش بقى عارف يسيطر عليها"، ورغم ذلك يحمد "نبيل" الله بأن خسائر الورشة لم تطال أرواح العاملين بها وهو ضِمنهم إلا أنه يردد بحُزن "احنا 15 بني آد م شغالين يعني 15 بيت مفتوح اتقفلوا".

على بُعد أمتار من ورشة الأخشاب، جلست "سحر" صاحبة محل لتصنيع مِلاءات، أسفل أحد العقارات التي طالتها النيران، لا تُبالي بتحذير رجال الإطفاء، لاسيما أن جزء من زجاج العقار انهار وأصاب أحدهم.

الورشة ليست فقط مصدر رِزق "سحر" وإخوتها ولكنها أيضًا إرثها العائلي عن أبيها وجدها الذان عَمِلا بها منذ ما يزيد عن خمسين عامًا "مين هيعوضنا؟"استهلت بها "سحر" حديثها، مؤكدة على خراب بيتها، ففور عِلمها بوجود حريق سارعت بالسفر من منزلها بالشرقية إلى الورشة في العتبة لتجدها مُدمرة تمامًا، وبرغم أن "سحر" وصلت إلى القاهرة فجرًا إلا أن الحريق لم يكن قد تم السيطرة عليه آنذاك "مكنوش لسه طفوها، النار والعة وقايدة في كل مكان وواصلة لحد شارع الجيش".

حريق العتبة


"الحمدلله" تقولها "سحر" وهى تؤكد أن الدولة لن تفعل من أجلهم شِيئًا حسبما تتوقع، لتنظر بعدها بانكسار حيث موضع أقدامها وهى تُردد "العوض عند ربنا".

الثانويه العامه وأخبار التعليم

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان