أعمال صحفية غيرت مجتمعاتها.. أثر الإعلام "يٌرى"
كتبت-رنا الجميعي:
لم تنجم الصحافة سوى عن أوضاع بائسة، أراد أرباب المهنة تغييرها، فالأصل بالإعلام مرورًا ب"الجورنالجية" هو تنبيه الرأي العام لقضية معينة، إزالة الغبار عنها حتّى يراها كل ذي عقل يتفكر، لا يقف مسار القضية عند حالة النقاش المترتبة عليها، بل يقر عين صاحب العمل الصحفي حيث يُحدث أثرًا، كآلة مثقاب تشق الأرض نصفين، لا عن دمار بل نية لتغيير وضع سئ، في هذا التقرير نُحاول رصد بعض الأعمال الصحفية، من التحقيق إلى الصورة، تحرّك على إثرها المعنيون بالأمر، عبر الأوضاع المصرية، العربية، والدولية.
1- تحقيق استيراد المبيدات المسرطنة:
مع بداية الألفية الثانية نشرت جريدة الشعب تحقيق يتهم فيه وزير الزراعة، آنذاك، يوسف والي، لاستيراد مبيدات مسرطنة سبب انتشار أمراض كالفشل الكلوي والكبدي، التحقيق الذي أثار ضجة كبيرة، بعدها قدّم نائب مجلس الشعب "مصطفى بكري" بلاغ للنائب العام متهمًا فيه والي، صارت القضية أمام المحكمة، بعام 2000، وفيها 21 مسئول آخرين بجانب والي، لكن وزير الزراعة رفض المثول أمام المحكمة، وامتنعت النيابة العامة من احضاره بالقوة، والتي ترأسها حينها المستشار "عبد المجيد محمود"، في حين تم الحكم على رئيس تحرير جريدة الشعب "مجدي حسين"، والصحفي "صلاح بديوي، بالسجن عامين، ولفنان الكاريكاتير "عصام حفني" بالحبس سنة واحدة، بتهمة "سب وقذف" وزير الزراعة.
بعد أربعة أعوام من بدء المحاكمة، أصدرت محكمة الجنايات برئاسة المستشار "محمد عزت العشماوي" حكمها على المتهم الأول يوسف عبد الرحمن بالسجن 10 سنوات وعلى المتهمة "راندا الشامي" بالسجن 7 سنوات. وقضى الحكم أيضاً بعزل يوسف عبد الرحمن وراندا الشامي، وهشام عفيفي مدير إدارة مكافحة الآفات بالهيئة العامة للإصلاح الزراعي من وظائفهم وإلزامهم جميعاً بمصروفات القضية، لم يُسجن والي ولكنه لم يكمل عمله بالوزارة، وخلفه بها المهندس أحمد الليثي.
بعد قيام ثورة 25 يناير، في يونيو 2011 طلبت محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار أحمد عزت العشماوي من النيابة العامة اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة فيما هو ثابت في أوراق الدعوى ومستنداتها من موافقة والي على استيراد مبيدات لها تأثيراتها المسرطنة والمحظور استيرادها بموجب قراره الوزارى رقم 874 لسنة 1996، تم تبرئة والي من هذه القضية، لكنه اتهم بتسهيل استيلاء رجل الأعمال "حسين سالم" على "جزيرة البياضية" بالأقصر، وتم الحكم عليه بعشر أعوام، إلا أنه تم لإفراج عنه في 2013، ولا تزال تلك القضية منظورة إلى الآن.
شنّ الحملات الصحفية، هو جزء من المهنة تحقيقًا في وقائع فساد، هي مُحاولات لدقّ أبواب الخطر على مرأى من الشعب والدولة، يقول "صلاح عيسى"، الكاتب الصحفي، إن الحملات الصحفية عديدة في تاريخ مصر، تتفرّع الاتجاهات فيما بينها، البعض يُشدد العناق حول حرية الرأي، منها مشروع إعادة العمل بقانون المطبوعات المقيد لحرية الصحافة، وهناك حملات "رجعية" كما وصفها، أما على الجانب الآخر، فهناك حملات "معارضة" منها الحملة التي قادتها جريدة "اللواء"، بمطلع القرن العشرين، على مدّ امتياز قناة السويس، وبالفعل أسفر عن عدول الحكومة عن هذا المشروع، ومن أشهر التحقيقات الصحفية بتاريخ مصر، "الأسلحة الفاسدة"، الذي كتب عنه الصحفي والكاتب "إحسان عبد القدوس"، بمطلع الخمسينيات، قبل ثورة يوليو.
2- صورة: ست البنات في أحداث مجلس الوزراء:
في 18 ديسمبر 2011، بدأت أحداث ما عُرف باسم "مجلس الوزراء"، حيث بدأت الشرطة العسكرية بفض الاعتصام المُقام عند المجلس، والذي أسفر عن عدة انتهاكات، من أشدها الصورة الصحفية التي اتسعت بؤر انتشارها بأنحاء العالم أجمع، وهي صورة "ست البنات"، لم يُعرف إلى الآن من هي الفتاة التي تمت تعريتها من قبل الشرطة العسكرية، غير أن الصورة كانت من الأسباب القوية على التظاهر ضد المجلس العسكري، السلطة الحاكمة بمصر في ذلك الوقت، والتقط الصورة، مصور جريدة المصري اليوم "أحمد المصري"، ويُعتبر أول مصور مصري يحوز على جائزة "دبي للصحافة العربية" عنها.
تُعتبر الصور الصحفية شديدة الصلة بتغيير الأوضاع بالعالم، من بين الصور التاريخية المؤثرة في مصر، صورة أحد العقود تُشير إلى تعامل "مصطفى النحاس" مع أحد أمراء الأسرة الحاكمة، ووقتها كان على رأس الحكومة الإئتلافية، وبسبب الصورة تم اتهامه بالتربح وممارسة مهنة المحامي بجانب عمله بالحكومة، وتمت إقالته وإحالته لمجلس تأديب المحامين، كما يحكي "عيسى".
3- صورة "فتاة النابالم":
في اليوم الثامن من شهر يونيو، لعام 1972، بعد سقوط قنابل النابالم على إحدى المدنة بفيتنام، قرر "نيك أوت" أن يصور فيلمًا عن الواقعة، وأثناء ذلك وجد أمامه مجموعة من الأطفال الهاربين من ذلك الجحيم، ومن بينهم فتاة صغيرة عارية تمامًا، تصرخ قائلة "ماء.. ماء"، التقط أوت الصورة ثم اصطحب الفتاة إلى المشفى، تحكي "كيم فوك" قصتها بكتاب "الفتاة التي في الصورة"، اللقطة التي غيّرت سير الحرب، وانتهت بعد ذلك بثلاثة أعوام، وحصل بسببها أوت على جائزة البوليتزر، صارت كيم متزوجة وأم لطفلين، خضعت للعديد من العمليات لتداوي الجروح.
يُعلق دكتور "أيمن الصياد"، الكاتب الصحفي، على أن الصور الصحفية قامت بزحزحة متغيرات، منها الصورة الشهير لسجن أبو غريب، والتي أثارت ضجة بالعالم، وأدت إلى انسحاب القوات الأمريكية من العراق، كذلك كان التحقيق الذي كشف حادث تعذيب "عماد الكبير" بجريدة الفجر، أيضًا أثار الرأي العام في مصر، كما أشار إلى أن الآلات الإعلامية تحمل جزء كبير من مسئولية اسقاط الرئيس المعزول "محمد مرسي".
4- صورة الطفل السوري "أيلان":
نام الصغير على حافة البحر بمطلع شهر سبتمبر 2015، لم يعرف "أيلان" ذو الثلاثة أعوام ما يحدث بسوريا، لكنه من بين أسرة سورية اضطرت ركوب البحر للهروب من الدمار إلى اليونان، وفي تلك الرحلة راح إيلان وأخيه ووالدته ضحية السياسة، التقطت المصورة التركية "نيلوفير دمير" تلك اللحظة التي توسّد فيها أيلان البحر ونام، دُفن الطفل بمدينته السورية "كوباني"، انتشرت صورة "أيلان" بالصفحة الأولى في صحف العالم، التايمز الأمريكية، الأخبار اللبانية، الديلي ميل البريطانية، وزا ناشيونال الأسكتلندية.
صدمت صورة الطفل العالم أجمع، دقّت ناقوس خطر أزمة اللاجئين السوريين، وبدأت الدول الأوروبي، على رأسها ألمانيا والنمسا، في التساهل مع دخول اللاجئين لأراضيها، بدأت توالي تصريحات مسئولي الدول الأوربية لاستقبال المزيد، رفضت المستشارة "ميركل" تحديد أعداد اللاجئين لألمانيا، وسمح ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني، باستقبال أعداد من اللاجئين لبريطانيا، أصدرت دول فرنسا، إيطاليا وألمانيا، بيان مشترك في التاسع من سبتمبر، لضمان "الانتشار العادل" للمهاجرين بأنحاء أوروبا، أما بالنسبة لعائلة الطفل السوري، فقد مُنحت حق اللجوء إلى كندا.
5- حديث زكي بدر وزير الداخلية الأسبق:
في التاسع من شهر يناير، عام 1990، نشرت صحيفة الشعب، حديث لزكي بدر، يسب فيه العديد من القيادات المصرية، والمسئولين، هو "شريط كاسيت" سرّبه أحد الصحفيين، جاء ذلك الحديث ليُطيح ببدر من كرسي وزارة الداخلية.
كانت جريدة الشعب، وصحف أخرى منها "الأحرار" و"الأهالي"، لسان حال المُعارضة، يهمهم إعلاء سقف حرية التعبير، وتعددت الحملات الصحفية على نواحى كثيرة، منذ السبعينيات وحتى التسعينيات، وكانت التحقيقات التي تفتحها جريدة الأهالي كمثال، تتحوّل إلى استجوابات بمجلس الأمة، أثناء حكم الرئيس "أنور السادات"، منها كما يُشير "عيسى"، إلى تحقيق للصحفي "سعيد عبد الخالق"، لتوزيع أراضي الدولة على "المحاسيب".
يقول "الصياد" إن هناك تحقيقات حديثة، رغم فداحة ما تكشف عنه، إلا أنها لم تُحدث تأثير، سوى في الأوساط الصحفية، مشيرًا إلى الصحفي "حسام بهجت" وتحقيقاته عن "قصور آل مبارك"، و"تفاصيل المحاكمة العسكرية لضباط الجيش بتهمة التخطيط للانقلاب"، فلم يقم أي مسئول بالدولة بالرد عليهما، ويوضح الكاتب الصحفي أن الواقع الحالي في مصر، لم يعد يُحدث استجابة تلقائية، حيث تزداد حالة الاستقطاب بالوطن العربي كله، وليس مصر فحسب، بين طرفي المعادلة، أحدهما مؤيد للنظام تأييد تام، وآخر مُعارض، فيما انتفى المتلقي الذي يتفاعل مع المادة المقدمة إليه، ويُشير "الصياد" إلى الفارق بين الصحافة العربية والدولية، الذي يتسع على الدوام، بين دول تهتم بشعوبها، وأخرى لا تكترث.
اقرأ باقي موضوعات الملف:
حقيقة اغتيال ''مبارك'' والتعذيب.. حين كان السبق الصحفي لـ''مدونة''
حسام السكري: نقابة الصحفيين لها وقفات شجاعة.. والسلطة تحتكر كل المنابر (حوار)
''مصراوي '' يحاور أحد مؤسسي حملة ''الرقة تُذبح في صمت''
هل يضع الصحفيون في مصر رقابة على أنفسهم؟ (تقرير)
سيرة أول شهيد للصحافة في الثورة.. السلطة الرابعة ''مجابتش حق ولادها''
بالفيديو والصور: إعلاميون بلا ''إعلام''.. كيف يقتل أبناء المهنة المصداقية؟ (تقرير)
وصيفات (صاحبة الجلالة) يروون لـ''مصراوي'' كواليس مغامرات كسرن فيها حاجز الخوف والخطر
مؤمن قيقع.. وقع خطاه بـ ''كرسي متحرك'' يُغضب ''إسرائيل'' (حوار)
فيديو قد يعجبك: