بالصور.. الصحفيون والأمن (واحد - صفر)
كتبت - دعاء الفولي وإشراق أحمد:
تصوير- علاء القصاص:
اصطفوا جنبًا إلى آخر، بعضهم رفع قلمًا، آخر حمل لافتة، ثالث هتف: "الصحافة مش جريمة". منذ سنوات طويلة كانت سلالم نقابة الصحفيين مكانًا للمحتجين على انتهاكت الشرطة، غير أن الحشد المتظاهر صباح اليوم كسر القاعدة، "لن نسمح بتكرار هذا المشهد مرة أخرى" محملين بتلك الرسالة اتجه الصحفيون لمكتب النائب العام لتقديم بلاغين من النقابة ضد وزير الداخلية ومدير أمن القاهرة، اعتراضًا عما حدث الاثنين الماضي، إذ تم القبض على عدة صحفيين أثناء تأدية عملهم في تغطية ذكرى تحرير سيناء.
أربعمائة خطوة أو يزيد سارها الصحفيون تاركين مقر النقابة إلى دار القضاء، عقب مؤتمر صحفي تحدث فيه النقيب يحيي قلاش، وبعض أعضاء الجمعية العمومية، وروى صحفيون شهادتهم عن اليوم، الهتافات توحدت على حرية الصحافة "اكتب على حيطة الزنزانة.. حبس الصحفي عار وخيانة"، ثم خفتت قليلًا لتعاود الخروج قائلة "الداخلية بلطجية"، أحدهم صرخ "يسقط يسقط حكم العسكر"؛ فنهره الموجودون، يذكرونه أن خروجهم ليس متعلق بالسياسة وفخاخها بل بمهنة اُنتهكت كرامتها مرارًا.
46 شكوى ما بين إيقاف واحتجاز لفترات طويلة، الوضع في مدرعات، والايداع بأقسام الشرطة، والاعتداء، ما رصدته غرفة عمليات نقابة الصحفيين من انتهاكات يوم الاثنين 25 أبريل الجاري، وبينما أخذ بعض الحضور من الصحفيين يسردوا ما تعرضوا له، لا يزال صحفيين في اقسام الشرطة، لم يخل سبيلهم بعد، وأخرين مهددين بالضبط والاحضار.
"هنرفع الأقلام بس والكاميرات يا جماعة"، قالها خالد البلشي قبل بدء التحرك. يموج الرصيف المؤدي لمكتب النائب العام، بعشرات الصحفيين، يمشون بخطى ثابتة، البعض يتأخر قليلًا، ينظم المسيرة، يطمئن على تقدم الجميع، فيما ينبه الأخرين الخارجين عن الجمع، أن ينضموا للصف، كي لا يعطلون حركة المرور.
اختلف المشهد بين الاثنين الماضي حين طوّقت قوات الأمن، شارع عبد الخالق ثروت "الهدف كان اقتحام نقابة الصحفيين وتحطيمها بإحضار البلطجية عبر سيارات تابعة للحكومة والشرطة"، كما قال أسامة داوود، عضو مجلس النقابة، ذلك اليوم الذي لخصته حنان فكري-عضو النقابة- في صرخة سمعوها تأتي من مدرعة تواجدت جوار المبنى لأحدهم يصيح "أنا صحفي"، مشبه ما حدث وتعرضت له شخصيا بـ"عركة بلدي". أما اليوم فقد تلاشى الحصار، وأمام مبنى النقابة وقفت سيارة اتكأ عليها شرطيان رفعا هواتفهما النقّالة بمجرد اجتماع الصحفيين على السلم، ليلتقطا الصور للوقفة الاحتجاجية.
تقدم الصفوف أعضاء النقابة، فيما غاب نقيب الصحفيين يحيي قلاش عن الجمع، الذي انضم له محمود كامل عضو النقابة، بعد سرد شهادته عن اليوم، ذاكرا كلمات إحدى السيدات لأحد ضباط التأمين التي تنم على استئجار المتواجدين"مش هتأكلونا يا باشا قبل ما نمشي" ، سمعها بينما خرج من مبني النقابة مرتديا قميص أخر، فظن الأمن أنه تابع لهم، مؤكدا أن "القضية مهنية بحتة" وجميع حالات التوقيف والاعتداء والقبض تمت لصحفيين أثناء تأدية عملهم وليس لمشاركتهم في التظاهرات كما تم الزعم.
في الوقت الذي تتجه أعين المارة، للجمع، البعض يكتفي بالتصوير، وأخرين للسؤال "مين دول؟"، ويبتسم أخر معلقا "اللي بيصوروا أكتر من اللي بيتظاهروا"، فيتولى أحد الصحفيين إجابته ويمضي، تعليقات هنا وهناك، "يا ممولين" يقول أحدهم، بينما يمر الجمع أمام نقابة المحامين، يهم البعض بالانفعال فيثنيهم زملاءهم، ويكملوا السير، قبل أن تأتي كلمات أخرى "مش أنتم اللي طبلتوا لهم" في إشارة منه لفساد الصحافة، فيقرر الجميع ألا يلتفت، حتى لكلمات المساندة، التي تطرق على السمع "عاش يا شباب مصر".
بين السائرين الحاملين للكاميرات، كان سامح كامل مصور مجلة المصور، ترك عدساته، وانضم للمحتجين، بعد أن قال كلمته كواحد من المعتدى عليهم الاثنين الماضي، تحدث عن الصورة التي حاول التقاطها للقبض العشوائي، بوجود عربيتين للترحيلات إحداها للرجال وأخرى للسيدات، والتي تسببت في تحفظ الأمن على كاميرته، هاتفه المحمول، وكارت الذاكرة الذي لم يسترده فضلا عن الإهانة والسباب حسب قوله "الضابط قال لي لو اخدته هتيجي معانا"، ثم لاحقه بكلمات تسمر لها المصور الصحفي "أنت معانا ولا معاهم".
3 فتيات تحركن بخفة وسط المسيرة الصامتة، والدتهن حملت طفلتها الصغرى "يقين"، التي سمّاها والدها الصحفي المسجون تيمنًا بأمله في الخروج "جوزي مسعد البربري اتقبض عليه في لبنان واترحل على مصر"، قالت غادة عبد التواب، كان يعمل بقناة مصر 25، قبل أن ينضم اسمه لقضية "غرفة عمليات رابعة"، يقبع الآن بسجن العقرب، لا تراه الزوجة إلا كل أسبوعين وأحيانًا تثمنع الزيارة، لم تعبأ الأم باحتمالية تعرض المسيرة لاعتداء أمني "لازم الولاد يعرفوا قضية والدهم"، يطمئن قلبها لتوحد الصحفيين على كلمة "لو فضلوا مصطفين أكيد قضية مسعد وغيره هتتحرك".
حين وصلت المسيرة لدار القضاء، لم يكن يتواجد إلا 3 ضباط يرتدون الزي الميري، تلاشوا مع صعود المحتجين على سلالم المبنى العتيق، تنازل بعض المصورين عن التغطية وانضموا لزملائهم رافعين الكاميرا، فرد أمن مركزي واحد وقف ملاصقًا للباب بين الجمع، فيما دخل مستشار النقابة ليسلم البلاغات للنائب العام، دقائق وهمّ الموجودون بالعودة إلى مبناهم مرة أخرى، بينما تناثرت مع عودتهم أربع أوتوبيسات تحمل على ظهرها عبارة "شرطة الشعب"، أطل منها أفراد الأمن المركزي مشاهدين ما يحدث، بعد الوصول للنقابة، استمرت أقلام الصحفيين مرفوعة، هتافاتهم بعيدة عن تشرذم السياسة، ورسالتهم تُنذر بمزيد من عدم الصمت.
فيديو قد يعجبك: