إعلان

جمال حمدان.. رحلة راهب الجغرافيا (بروفايل)

04:43 م الجمعة 05 فبراير 2016

جمال حمدان

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-دعاء الفولي:

كانت وفاته لغزا، رغم أنه اعتاد خلال حياته على فك طلاسم المكان، وربطها بالتاريخ. لم يكن دكتور جمال حمدان، صاحب كتاب "شخصية مصر" مجرد باحث في الجغرافيا، بل عاشق وفيلسوف أفنى حياته بين دفات الكتابة، حتى وُجدت جثته بشقته الكائنة في شارع أمين الرافعي بالدقي، في إبريل عام 1993، وبها آثار حروق.

الجغرافيا صاحبت حمدان، فمنذ كان صغيرا تعلم الخط العربي على يد والده، ثم أتقن رسم الخرائط، ظل طالبا نجيبا بعد دخوله باب العلم، كان ترتيبه السادس على مصر في المرحلة الثانوية، ليلتحق بجامعة القاهرة "جامعة الملك فؤاد الأول حينها"، تحديدا كلية الآداب قسم الجغرافيا، ثم ليصبح مُعيدا فيها بعد ذلك.

إنجلترا كانت محطة حمدان للحصول على الماجستير والدكتوراه من جامعة ريدنج، هناك استكمل مسيرته، إذ كانت رسالة الماجستير عن سكان وسط الدلتا، لكن حمدان حين تقدم بها للباحثين المسئولين عنه قرروا تحويلها لرسالة دكتوراه نظرا لإتقانها، فحصل على اللقب وعمره لا يُجاوز 25 عاما.

عاد الأستاذ النابه للعمل بالجامعة في مصر، كانت كل مرحلة بحياته تحمل هدية له على مجهوداته، إذ حصل كتابه الأول "دراسات في العالم العربي" على جائزة الدولة التشجيعية عام 1959، غير أن تلك العطايا لم تستمر، انقطع عنها حمدان بإرادته عقب استقالته من الجامعة 1963، اعتراضا على ترقية أحد زملاءه لنفس درجته العلمية، رغم أنه لا يستحق.

لم يدخل ابن قرية ناي بالقليوبية في صراعات، فقط اعتزل الجامعة والتدريس وعكف على البقاء بمنزله، متبحرا في تضاريس مصر، حاكيا عنها باللفتة، ومتنبئا بأشياء لم تحدث في عهده، ففي إحدى كتبه تحدث عن ظاهرة النزوح للقاهرة من القرى والريف حين كان عدد سكان القاهرة لا يربو على 5 مليون نسمة، موضحا أن الحل ليس في النزوح، بل في نقل القاهرة وتقدمها إلى القرى والمدن البعيدة.

ليست تلك الظاهرة وحدها ما تنبأ به، تحدث أيضا عن انهيار الاتحاد السوفيتي في الستينات، فيما انهار الأخير عام 1991، ورصد في كتابه "اليهود والأنثروبولوجيا" المنشور عام 1967-قبل النكسة بأربعة أشهر- كذب ادعاءات اليهود ان أرض فلسطين ملكهم، وأنهم أحفاد بني إسرائيل، وجاء فيه كذلك "هم في الأعم الأغلب بعض من جزء من الأوروبيين والأمريكان، فاليهود في اوروبا وأمريكا ليسوا غرباء أو أجانب في المنفى بل من صميم أصحاب البيت، لكنهم دخلاء في بيت العرب وحده.. في فلسطين، وغير هذا القول هو قلب لحقائق التاريخ"، علم حمدان أن إسرائيل دولة عسكرية قامت وستبقى طالما تملك الحديد والنار، مبينا في كتابه "استراتيجية الاستعمار والتحرير" أن دولة الاحتلال أساسها ديني متعصب، تجمع اليهود فقط في جيتو سياسي واحد.

ربما جاء ابتعاد الباحث الجليل عن ازدحام الحياة بفائدة ضخمة؛ فقد استطاع تأليف كتاب "شخصية مصر" عام 1967، وخلال السنوات التالية تفرغ لتنقيحه، واستكماله ثم خرج بشكله الكامل عام 1984، على أربعة مجلدات وفيما يزيد عن ثلاث آلاف صفحة، مزج فيها حمدان بين مصر بكل جوانبها؛ التاريخية، البشرية، الجغرافية كان يرى أن الجغرافيا مادة صماء تتحدث عن ظل الأرض على الإنسان، اما التاريخ بحفاوته وحكاياته المتجددة فيعني ظل الإنسان على الأرض. اعتمد حمدان في تحفته على أكثر من 1000 مرجعا، بلغات عدة بينها الفرنسية والإنجليزية والألمانية.

القيل والقال لم يترك المُفكر الراحل، تواردت روايات من أخوته وبعض المقربين عن اغتياله خاصة مع اختفاء بعض المسودات الخاصة بكتاب عن اليهود، كما أنه حين تُوفي جاءت الأخبار بتسرب الغاز، غير أن هذا ما نفاه يوسف الجندي مُفتش الصحة بالجيزة. لا يعلم أحد إلى الآن ما حدث، سوى أن ما خطّه حمدان فرض حضوره منذ وفاته وإلى الآن.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان