في نيويورك.. كيف بُعث معبد مصري من جديد
كتبت-سارة عرفة ورنا الجميعي:
البعث هي الرغبة التي تناقلها أجدادنا فيما بينهم، من اهتمامهم بالمقابر والمعابد، يحفروا اسمائهم على الصخور، ويُلقي الناظر إلى الأهرامات عظمتهم وسيطرة الخلود على تفكيرهم، فيما يُفكر محبو المصريين القدماء كيف يُمكن بعثهم من جديد، وهذا ما فعله المختصون بمتحف المتروبوليتان بنيويورك.
بالتعاون بين قسم الفن المصري و"ميديا لاب" بمتحف المتروبوليتان، تمّكنوا من إحياء ألوان مشهد من عبد دندور، المعبد الذي أهدته الحكومة المصرية لمثيلتها الأمريكية في الستينيات إشادة بمجهودها في الحفاظ عليه، حيث كانت تغطيه مياه الفيضان لتسعة شهور، وبسبب بناء السد العالي قادت اليونسكو حملة للحفاظ عليه مع معابد أخرى، حيث نُقل إلى معبد دندور لمتحف المتروبوليتان للفنون عام 1967.
في حوار عبر البريد الإليكتروني، تحدث مسئولا الفريقين عن عرض 19 مارس، وردود فعل الزوار حول ألوان المعبد، وكيفية عمل تقنية التلوين، وما هي معايير اختيار القطع لتلوينها.
بُني معبد دندور في العصر الروماني، عليه رُسم القيصر أغسطس، وتم نقله إلى الجناح الآسيوي عام 1978، تمّكن الفريقين من تلوين مشهد واحد بالدندور، حيث يقف أغسطس مقدمّا النبيد إلى الإلهين؛ حورس وحتحور، عكف المختصون على تقنية "لوّن المعبد"، تقول مارشا هيل ، المسؤولة عن قسم الفن المصري، إنه يتم الاختيار على أساس "عدم تعرضها لأشعة الشمس المباشرة، كذلك أن تكون إلى حد ما سليمة، برغم من عمرها الكبير."
تمّكن الفريقان من تكبير الشخوص بالمشهد، يُوضح الرسم على جدران المعبد أنه الإلهان؛ حورس وحتحور، يقفان خلف بعض، لكنهما في الحقيقة يقفان بجوار بعضهما، لذا أدخلوا تقنية ثلاثي الأبعاد حتى يُمكن رؤية حورس وحتحور متجاورين، ويضيف ماركو كاستروكوسيو، مدير "ميديا لاب" بالمتحف، أن تقنية "لوّن المعبد" تُستخدم عبر تسليط الضوء من خلال استخدام برامج متنوعة من أجهزة الكمبيوتر، بغرض التحكم في تفاعل الألوان، وتستخدم هذه التقنية على المعابد المصرية في الفترة الرومانية، لذا فإن العملية تُمكن الزوار من رؤية الأثار القديمة كما هي الأن، بالإضافة إلى إمكانية مشاهدتهم لها من خلال عرض فيديو يعيد بقدر الإمكان الألوان القديمة، كما يذكر أنه "لم تُحسب تكلفة العمل بعد".
تم اختيار معبد دندور، كما تقول هيل، لأنه محبوب جدًا من الزوار، ولزيادة وعي الجمهور وتقديمه لهم، كانت هناك رغبة لإحضار تقنيات جديدة لا تستخدم فقط من قِبل الموسيقيين أو مصممو الديجيتال على المباني العامة، لكن يستخدمها الباحثون والمؤسسات الثقافية كذلك على الكاتدرائيات والتماثيل في أوروبا وأمريكا، لذا تم الاستعانة بتلك العملية، حيث يرى الزوار المعابد القديمة كما هي، وتضيف أن قطعة معمارية كبيرة مثل معبد دندور يمنح الزوار فرصة لتخيل المساحات والأزمنة، والتلوين الذي يضفي مظهرًا يساعد الزوار على المزيد من الادراك، مما يجعلهم أكثر حماسة.
لم يكن معروف ماهي الألوان الأساسية للمعبد، حيث أسهمت مياه الفيضان في تآكله، وأصبح مجرّد من ألوانه، عكف المختصون على معرفتها، اللون البني الفاتح والبيج هما اللذان سيطرا على المشهد، استعانت الباحثة ايرين بيترس بقسم الفن المصري بأبحاث بلاكمانن والمعابد الملونة في مطبوعات عصر نابليون "وصف مصر"، احتوى الكتاب على رسم بداخل معبد حتحور، وهو ينتمي لنفس الفترة الزمنية التي بني فيها دندور.
توّصل المتحف إلى الألوان الأساسية للمشهد، وهي التي ظهر عليها العرض بأواخر 2015، أغسطس يرتدي تنورة بيضاء، وحورس بالأزرق الداكن وحتحور ببشرة بيضاء يرتدي زياً باللون الأرجواني، هناك عُروض أخرى ستقام، منها يوم 19 مارس القادم، في ذلك تقول هيل عن سر تحديد اليوم لأنه وقت الشتاء وفترات ما بعد الظهيرة، والمساء تكون جيدة لتلوين المعبد؛ لأن أشعة الشمس لا تكون مسلطة عليه فلا تؤثر على العرض.
نحو خمسة أفراد هم من استطاعوا العمل على ذلك الإنجاز، حيث تذكر هيل أن هناك عدد قليل يعمل في هذا المشروع، ديانا كريج باتش، المسؤولة عن قسم الفن المصري، هي من سعت للبحث عن سبل العمل مع "ميديا لاب"، ورئيسه الآن ماركو كاستروكوسيو، ولم يتحقق ذلك سوى مع وصول "النوابغ الثلاثة"، على حد تعبيرها، ايرين بيترس، هي باحثة لديها منحة لدراسة معبد دندور، وماريا باولا سابا ومات فيلسين، واللذان كانا متدربين بالمتحف، وأخرون كذلك كانوا متحمسين لتنفيذ الفكرة واخراجها لحيز الوجود، كان الهدف من التعاون هو إيجاد سبل لتوصيل التكنولوجيا لتحسين تجربة الزوار داخل المتحف.
حاز المشروع على اهتمام الزوار بشكل أكبر مما توقعوا "كانوا سعداء بقدرتهم على رؤية الآثار ملونة"، كما تقول هيل، كذلك يرغب الفريقان في تقديم المزيد بالمتحف، لكن مع العدد القليل للعاملين بالمشروع، وهو ما يتطلب مجهودًا كبيرًا للتأكد من سير عملية التلوين على نحو سليم، لذا يمكن لفرق صغيرة في أماكن اخرى القيام بنفس الشيء، باستخدام تطبيقات أصبحت متوفرة ومجانية على الإنترنت.
يأمل الفريقان أن يكون المشروع بمثابة نقطة انطلاق للمناقشة في المستقبل، بما في ذلك توسيع مساحة العرض ليشمل مشاهد إضافية، كذلك ستنصح هيل المتاحف الأخرى وفرق الأثريات في أماكن أخرى للقيام بهذه التجربة بأنفسهم، وسيطالبهم كاستروكوسيو بمشاركة نتائجهم مع معمل الإعلام، للبحث وراء طرق جديدة من التفكير، واجابات غير تقليدية.
فيديو قد يعجبك: