مصراوي في محيط "انفجار الهرم"..الموت مرّ من هنا (معايشة
كتبت-دعاء الفولي:
صباح اليوم الجمعة، كان سيد فودة قادما من خارج القاهرة، متجها لمنطقة وسط البلد، قبل أن يغلبه التعب في منتصف شارع الهرم، فيوقف سيارته على مقربة من مسجد السلام. دقائق مرت ثم رجّ انفجار ضخم مُحيط المنطقة وانتفض الشاب من مكانه، محاولا التنفس وسط كميات هائلة من الدخان. لم يعرف فودة أنه يبعد أمتار فقط عن عبوة ناسفة انفجرت بجانب كمين أمني، مُسفرة عن استشهاد ضابطين وأمين شرطة و3 مجندين، وإصابة 3 مجندين آخرين.
الهلع سيطر على جيران الانفجار. بعض القاطنين في شارع هنيدي، حيث أزفت الآزفة، خرجوا يستطلعون الوضع. حارسو عقارات المنطقة هم الأقرب للحادث، منهم محمد محمود الذي هرع للموقع ما أن سمع الصوت: "شفت الإسعاف شايلة 8 عساكر". يعمل محمود في المنطقة منذ أكثر من عشر سنوات "بس أول مرة يحصل انفجار بالقوة دي"، قال الحارس إن انفجار شبيه وقع في يناير 2014 بالقرب من سينما رادوبيس في ميدان المساحة بالهرم، إلا أن انفجار اليوم أسوأ كثيرا.
"دايما بشوفهم يجيبوا كلاب تفتش المنطقة قبل الكمين معرفش انهاردة مجابوش ليه".. قال رزق جابر، حارس عقار بالمنطقة، لمصراوي. لم تكن ثمة علاقة تجمع بين رزق وضباط الكمين أو العساكر "لأنهم كانوا بيتغيروا بشكل دوري"، غير أنه بُحكم عمله منذ عشرين عاما، كان يعرف مواعيدهم بالتقريب "يوم الجمعة عادة كانوا بيمشوا بعد ما الصلاة تخلص عشان يضمنوا إن مفيش شغب هيخرج من جامع السلام".
بخطوات مهتزة كانت عجوز تسير في اتجاه موقع الانفجار. نادت على إحدى حارسات العقارات "متعرفيش مين مات يا أم ياسر؟ أصل صاحب ابني كان في الكمين دة"، انحدرت الدموع على وجه السيدة، فيما لم تأتها إجابة. في المقابل ارتعش جسد "أم ياسر" حينما استرجعت وقائع ما حدث "انا والعيال اتنطرنا من مكانّا". أحاديث طفيفة دارت بين زوج الحارسة وعساكر الكمين "كانوا ساعات بييجوا ياخدوا كرسي مننا أو يسألوا على ماية"، فيما أكدت مصادر أمنية، اليوم الجمعة، في تصريحات نشرها مصراوي، أن العبوة الناسفة "شديدة الانفجار وليست بدائية".
قبل العاشرة بقليل، استيقظت ليليان بشرى استعدادا للذهاب إلى الكنيسة برفقة ابنيها، إلا أن الانفجار قلب الأمور رأسا على عقب، إذ يقبع منزل الأسرة على بُعد حوالي ستة أمتار من العبوة الناسفة. تلاحقت الكلمات في فم الأم بينما أوقفها البكاء مرارا عن الحديث، لتقول "صعبان عليا الولاد اللي ماتوا.. بتخيل إنه لو كان ولادي نزلوا ايه اللي كان هيحصل".. عقب سماعها الصوت، تنفست السيدة الغبار الشديد الذي طوّق المنطقة، وشاهدت أجساد الجنود المحمولين لسيارات الإسعاف، التي جاءت عقب 10 دقائق تقريبا من الحادث، حسبما يؤكد الابن انطوان.
لم يكن الهلع نصيب الأسرة فقط، بل شروخ أحدثتها الشظايا في زجاج الشُرفة، وبعض قطع من جسم حديدي مُلقى على الأرض "الحادثة لو مكنتش يوم جُمعة كان الدم بقى للركب لأن دي منطقة مدارس"، في الوقت نفسه لم تبرح "أم محمود" مسكنها الواقع على بُعد 100 متر من الانفجار "اتفطرت من العياط على الجنود بس خفت أخرج".
في مُحيط منطقة الانفجار، يقع أكثر من ارتكاز أمني، بعضها بشكل دائم كذلك الموجود أمام مبنى مُحافظة الجيزة، أو قسم شرطة الطالبية، والذي انفجرت عبوة ناسفة بالقرب منه في يناير 2015، وأدت لمقتل النقيب ضياء فتوح.
بعدما استعاد فودة أنفاسه ركض في اتجاه الحادث، التقط بهاتفه مقاطع مُصورة للجنود فيما يتم إسعافهم، ثم عاد أدراجه ليُشاهد توافد سيارات الإطفاء والشرطة على المكان. 3 ساعات وقف فيها الشاب بالقرب من موقع الانفجار "مش قادر أتلم على رجلي ولا أسوق"، وفيما ظل الشاب ساكنا، تلى إمام مسجد السلام، آيات سورة البقرة، مُختتما إياها بـ".. وبشر الصابرين".
فيديو قد يعجبك: